أكراد العراق يتطلعون إلى تركيا والغرب ويفكرون في مستقبل من دون العراق

نصفهم لم يجرب الحكم المباشر من بغداد.. وشبابهم يتعلمون اللغات الأجنبية على حساب العربية

TT

في مدرسة خاصة للنخبة في كردستان العراق، يتعلم الأطفال اللغة التركية والإنجليزية قبل العربية. ويحلم طلاب الجامعة بوظائف في أوروبا لا في بغداد. ويقول رجال أعمال محليون إنهم لا يحبون العمل في أي مكان آخر، لأن المناطق التي تقع خارج نطاق سيطرة الأكراد غير مستقرة أمنيا.

الأكراد يوجهون أنظارهم إلى تركيا والغرب على حساب العلاقات مع باقي أنحاء البلاد التي تعاني التدهور. ويقول القادة الأكراد إنهم يريدون أن يظلوا جزءا من العراق حاليا، لكن ربما تدفعهم الخلافات المريرة المتزايدة حول النفط والأرض نحو الانفصال. ويلخص فلاح مصطفى، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، العلاقة بقوله «إنه ليس رباط زواج مقدس يجب أن يدوم».

الشباب الكردي، الذي لم يجرب حكم بغداد المباشر، يريد القطيعة عاجلا وليس آجلا. وقد ولد أكثر من نصف سكان الإقليم، البالغ عددهم 5.3 مليون، بعد عام 1991 عندما تم فرض منطقة حظر جوي بقيادة غربية، مما جعل حكم الأكراد ممكنا للمرة الأولى من خلال حماية المنطقة من صدام حسين. ويؤكد الطلبة في جامعة جيهان الخاصة في أربيل أنهم يشعرون بأنهم أكراد وليسوا عراقيين، وأن الفساد المستشري في العراق وأعمال العنف الطائفي والجمود السياسي يعرقل تقدم إقليم كردستان. ويقول بلند آزاد، طالب هندسة معمارية يبلغ 20 عاما: «أريد أن أرى كردستان مستقلة.. إذا ظللنا معهم، فسنصبح في وضع سيئ مثلهم ولن نصبح أحرارا».

وحسب تقرير مطول لوكالة «أسوشييتد برس»، شهدت المنطقة تحولا كبيرا خلال العقد الماضي. كانت العاصمة أربيل تبدو يوما ما مثل قرية كبيرة، لكنها أصبحت اليوم مدينة تضم 1.3 مليون نسمة، وبدأت ناطحات السحاب والفنادق ذات الخمس نجوم تظهر بها، وبدأت رافعات الإنشاء تشغل الأفق. وانتقل أفراد النخبة التي تركب سيارات رياضية حديثة إلى منازل كبيرة في المجتمعات العمرانية الجديدة التي تحمل أسماء لها وقع غربي مثل «القرية الإنجليزية». ويضع مطار أربيل اللامع من الزجاج والمعدن بغداد في وضع محرج. ووصل عدد الفنادق إلى 234، على حد قول المحافظ نوزاد هادي. ويفتخر وزير التخطيط، علي سندي، بالتراجع الكبير للأمية والفقر ومعدل البطالة خلال السنوات القليلة الماضية.

مع ذلك، أمام الأكراد الكثير من العمل، حيث يحتاج الإقليم إلى إنفاق ما يزيد على 30 مليار دولار في إنشاء الطرق السريعة والمدارس والأشكال الأخرى الضرورية من البنية التحتية خلال العقد المقبل، كما يوضح سندي. وهناك مشاعر سخط قوية تعتمل تحت السطح وسط مخاوف من تركز السلطة في أيدي عدد قليل من الأفراد. ويشكو نشطاء المعارضة من فساد الحكومة، وقالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن قوات الأمن اعتقلت بشكل تعسفي 50 صحافيا وناشطا ومعارضا عام 2012.

وبينما تمتلك الحكومة المركزية سلطة اتخاذ القرار في ما يتعلق بالنفط، يقول الأكراد إنه يحق لهم وضع سياسة الطاقة الخاصة بهم، ويتهمون الحكومة بالمماطلة في التفاوض على اتفاق جديدة خاص بتقاسم عائدات النفط. وأقر الأكراد قانون الطاقة الخاص بهم ووقعوا ما يزيد على 50 اتفاقية مع شركات نفط أجنبية، مقدمين شروطا أفضل من بغداد. وبدأت شركة «جينيل إنيرجي» التي تعمل في مجال النفط في الإقليم نقل النفط الكردي بالشاحنات إلى تركيا خلال شهر يناير (كانون الثاني). ويتمتع خط الأنابيب المباشر المزمع إنشاؤه بأهمية استراتيجية كبيرة على حد قول علي بلو، مسؤول كردي رفيع المستوى في مجال النفط. وتساءل بلو قائلا: «لماذا ننشئ هذا الخط؟ لأننا دائما ما نواجه مشكلات مع بغداد».

ويسلط المشروع الضوء على زيادة وجود تركيا في المنطقة وهو ما يمثل تغيرا كبيرا عن السنوات القليلة الماضية التي شهدت توترا في العلاقات، على خلفية قتال أنقرة عناصر حزب العمال الكردستاني. وقد أرست حاجة كل طرف للآخر علاقة جديدة. فتركيا تحتاج إلى المزيد من النفط لتشغيل اقتصادها الذي يتوسع وتفضل شراء النفط من الأكراد على شرائه من الحكومة في بغداد، حيث تراها جزءا من المحور الذي يخضع للنفوذ الإيراني المنافس في المنطقة. على الجانب الآخر، يحتاج الأكراد إلى تركيا ليس فقط كمنفذ لتصدير النفط، بل أيضا كشريك تجاري. ونحو نصف الشركات الأجنبية تقريبا التي تعمل هنا ويبلغ عددها 1.900 شركات تركية، كما يوضح المسؤولون. كما أن 70% من تجارة تركيا السنوية مع العراق، التي يبلغ حجمها 15 مليون دولار، هي مع إقليم كردستان. وفي إشارة مميزة دالة على الوضع الراهن، تعتبر اللغتان التركية والإنجليزية هما لغتا التدريس في مدرسة خاصة رفيعة المستوى في أربيل. وبدأ الطلاب، البالغ عددهم 351 طالبا، يدرسون اللغة الكردية، وهي اللغة الأم لمعظم الطلاب في الصف الثالث. وتم إدخال اللغة العربية لاحقا، في الصف الرابع. ويعكس المنهج الدراسي أولويات مؤسس المدرسة، المنتمي إلى الأقلية التركمانية، لكنه يتوافق أيضا مع الآباء الأكراد الذين يرون أن مستقبل أبنائهم مرتبط بتركيا.

ومع احتدام المشكلات مع بغداد، يقول مسؤولون أكراد إن انفصال الإقليم عن العراق أمر حتمي. ويحلم كثيرون هنا بقيام دولة كردية مستقلة، تضم أجزاء من سوريا وتركيا وإيران والعراق، وتكون وطنا لأكثر من 25 مليون كردي. ويقول مصطفى، مسؤول العلاقات الخارجية: «كشعب، نستحق ذلك. نرغب في أن نرى هذا في فترة حياتنا». ولكن في ظل معارضة حلفاء رئيسيين أمثال الولايات المتحدة وتركيا لفكرة تقسيم العراق، يقول الأكراد إنهم لن يتصرفوا بتسرع أو بتعنت. ولدى سؤاله عما إذا كان إقليم كردستان سيعلن استقلاله بمجرد تمكنه من تصدير النفط بشكل مباشر، أجاب مصطفى: «سوف نعبر ذلك الجسر حينما نصله».