تكتلات سياسية داخل الائتلاف.. وتأجيل اجتماع الحكومة زاد الشرخ

لا إجماع على مقترحات الخطيب منذ انتخابه رئيسا.. وغزل إيراني لخطواته

مقاتل من «الجيش الحر» يبكي والده الذي قتل جراء القصف على دير الزور (شرق سوريا)، أمس (رويترز)
TT

تتجه الأنظار إلى اجتماع «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية» لتشكيل حكومة مؤقتة سيعقد في إسطنبول في العشرين من مارس (آذار) الحالي، وسط تساؤلات عما إذا كان سيؤجل مرة أخرى، في وقت رسم فيه اعتذار رئيس الائتلاف، أحمد معاذ الخطيب، عن حضور اجتماع تشكيل الحكومة المؤقتة الذي كان من المقرر أن يعقد أمس، صورة ضبابية لمستقبل المعارضة السورية في ظل «التجاذب» حول هذه الحكومة، إلى جانب قرارات أخرى، أحدها متعلق بالحوار.

وفي حين يرى متابعون أن تلك التجاذبات، التي اتسعت لتشمل معظم الخطوات السياسية التي تنوي المعارضة الشروع فيها، تهدد وحدة الائتلاف - يرفض أعضاء فيه هذا التوصيف، إذ أكد أحدهم لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التجاذب لا يعدو كونه «مناورات سياسية لا تفهم بأبعادها الإيجابية، وتحسب ببعدها السلبي فقط».

وانسحب هذا الواقع على «التجاذب» الذي تطور على خلفية تأجيل الاجتماع لتشكيل الحكومة المؤقتة، حيث انقسم المعارضون السوريون إلى طرف متحمس لتشكيل الحكومة، كسبا للوقت قبل القمة العربية المقبلة بعد 10 أيام، بينما رأى آخرون أن التريث في تشكيلها «لن يكون خطيئة استراتيجية»، وهو الرأي الذي قاده رئيس الائتلاف، وتحفظ عليه بعض الأعضاء، وعارضه آخرون، رغم أن مصادر في الائتلاف أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الخطيب «يبدو أنه يغرد وحده خارج السرب».

ولم تحظ أي من قرارات الخطيب ومواقفه بإجماع الأعضاء، منذ الإجماع على رئاسته الائتلاف، إذ ووجهت قراراته بسلسلة من الاعتراضات، مما وضعه في مواجهة «المجلس الوطني» بشكل مباشر، وكتلة الإخوان المسلمين بعض الأوقات، وهما أكبر تشكيلين في الائتلاف. لكن مقربين من الخطيب، يرون أن تغريده خارج السرب، ينطلق من كونه «يمتلك تصورات لتحريك المياه الراكدة دبلوماسيا»، رغم أن طروحاته لا يقبلها معظم المعارضين الذين ينضوون في ائتلاف «يتشكل من هيئات سياسية وأقطاب مختلفة».

وبينما تتردد معلومات عن أن تيار الخطيب يتألف من وليد البني، ومنذر ماخوس، وريما فليحان، ورياض سيف، والحارث النبهان، وزياد أبو أحمد، وعقاب يحيى، توضح مصادر في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» أن الخطيب «ليست لديه كتلة»، لكنه يمتاز، كشخص، عن سائر الكتل، بأنه يحظى بتأييد شعبي كبير في الداخل، وخصوصا في مناطق ريف دمشق والعاصمة التي كان إمام مسجد فيها. وأوضحت أن كتلة المستقلين، التي يعد وليد البني أحد أعضائها إلى جانب كمال اللبواني، على سبيل المثال، توافق على بعض قرارات ومواقف الخطيب، وتعارض أخرى. أما كتلة المجالس المحلية المؤلفة من 14 عضوا، فهي الأقرب من أمين عام الائتلاف مصطفى صباغ.

وبدا الخطيب، كمن يغرد وحده في اعتذاره عن حضور الاجتماع في إسطنبول، خلافا لما أشيع بأن كتلة الإخوان المسلمين كانت تعارض عقد اجتماع لتشكيل حكومة مؤقتة. وأكد مصدر معارض لـ«الشرق الأوسط» أن «الإخوان» لم يعارضوا تشكيلها، ولم يكونوا عقبة أمام الطرح. ووصف أعضاء الكتلة بأنهم «مرنون، في معظم الطروحات، ويتعاملون مع الأمور بليونة من غير الوقوف صدا في وجه القرارات».

وعلى غرار «الإخوان»، تحمس لتشكيل الحكومة أقطاب آخرون مثل أسعد مصطفى، وعبدو حسام الدين الذي يرأس كتلة العاملين المنشقين من وظائف الدولة السورية، وريما فليحان التي تمثل لجان التنسيق المحلية. ويشرح المصدر أن قرار تشكيل الحكومة «كان يحظى بإجماع قبل هذا الاجتماع، استنادا إلى أنه حاز الموافقة من الهيئة العامة للائتلاف، وقبول سائر أطراف المعارضة»، فضلا عن أن هناك حاجة حقيقية لسلطة بمهام تنفيذية في المناطق المحررة.. وشكل الائتلاف، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، لجنة مؤلفة من 6 أشخاص لإجراء المشاورات مع قوى الثورة والمعارضة و«الجيش الحر» والدول الصديقة والشقيقة، لاستكشاف الآراء حول تشكيل الحكومة المؤقتة.

ووسط مخاوف من أن الحكومة المؤقتة ستحل محل الائتلاف، يؤكد متابعون أنها لن تحل محل التشكيل الجامع للمعارضة السورية. ويوضح مصدر متابع لعمل ومهام الائتلاف أنه هو «السلطة البرلمانية والسياسية والتنفيذية الكبرى»، كما يحق له إسقاط الحكومة إذا وجد خللا في عملها.

وينظر إلى الحكومة المؤقتة على أنها حاجة وطنية، و«الوسيلة التنفيذية الأفضل لتيسير أمور الناس وتحقيق أهداف الثورة عمليا». وستتألف الحكومة من وزارات سيادية مثل الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، ووزارات خدماتية مثل الصحة والنفط والطاقة.

وأثار رفض الخطيب زوبعة من الانتقادات، والتكهنات بالانقسام، والخلاف بين أقطاب الائتلاف. لكن مؤيدين لعمله، من ضمن الائتلاف، يرون في اعتذاره وجهين، سلبيا وإيجابيا، رغم أنه من أشد المؤيدين لقيام هذه الحكومة. ويوضح مصدر بارز في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الوجه السلبي لرفضه، أنه قرأ بوصفه نوعا من الخلافات». أما «الوجه الإيجابي في رفضه، فيقرأ على أنه رسالة إلى المجتمع الدولي لتغطية نفقات الحكومة ودعمها ماليا، إذا أراد أن يكون داعما لقيامها»، وسط تأكيد ثلاثة أطراف في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» أن المعارضة «غير مخترقة لصالح مشاريع خارجية».

وبحسب متابعين، فإن موقف الخطيب يعد «مناورة لحث المجتمع الدولي على دعم حكومة إذا أراد قيامها»، وأن جل ما يريده هو دعم مالي يمنحها مقومات النجاح، وسط تسريبات بأن الحاجة الفعلية لقيام هذه الحكومة، تبدأ من 4 مليارات دولار. ولا يتخوف المعارضون من عدم الاعتراف بها، لأنه «فور قيامها، ستكون أمرا واقعا، وتحظى بتأييد على غرار ما حصل عليه الائتلاف».

لكن المجتمع الدولي، الذي من المفترض أن يقدم اعترافا بالحكومة، لا تزال مواقفه «ملتبسة». وينفي مصدر في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» أن يكون المجتمع الدولي يعارض قيام هذه الحكومة، لكن المعارضة ترى في مواقفه التباسا. فمن جهة، يدعم «أصدقاء سوريا» قيام حكومة مؤقتة، ومن جهة ثانية يتخوف بعضهم من تكرار السيناريو الليبي لجهة وجود حكومتين، الأولى مركزية في دمشق، والثانية «طارئة» في شمال سوريا. وينحاز الرأي الثاني إلى تشكيل حكومة انتقالية بدعم من الولايات المتحدة وروسيا، تحظى بقبول المجتمع الدولي وتؤسس لانتقال سلس للسلطة، رغم أن معظم المعارضين، خلافا للخطيب، ليسوا من أنصار هذه الحكومة.

غير أن تمسك الخطيب بهذا المطلب، وهو ما عبر عنه مرارا لجهة قبوله بالحوار، أكسبه تأييدا حتى من الخصوم، وهو ما يفهم من الغزل الإيراني لجهوده، إذ نقلت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن «إعلان رئيس ائتلاف المعارضة استعداده للحوار بحد ذاته خطوة مهمة وإيجابية، ومن شأنها أن تخلق بيئة مناسبة للوصول إلى حلول سلمية كفيلة بحل الأزمة في سوريا».

هذا الغزل، جاء بعد لقاء جمع الخطيب بوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي في ميونيخ، ناقشا خلاله مطلبين: الأول ضرورة تمديد جوازات سفر الجالية السورية، وتحقق المطلب، والثاني هو إطلاق المعتقلين. وكان هذا اللقاء دافعا آخر للحملة التي أثارها المعارضون ضد الخطيب. وقال مصدر في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» أن «طهران التي تعد خصما للثورة السورية، تسيطر على النظام، وتحاول احتواء المعارضة، أو على الأقل اختراقها بأشخاص يؤيدون استراتيجيتها القائمة على تشكيل حكومة مشتركة استنادا لخطة جنيف».

ولا يخفي المصدر أن الغزل للخطيب، يعني أن إيران «حققت إنجازا كونها على تواصل مع المعارضة، ولم تقطع علاقتها بها»، مؤكدة أنها «محاولة لإقناع المعارضة بمشروعها، وتعمل وفق تكتيك (النفس الطويل) للوصول إلى هذه الغاية».