نجاد يخوض معركة مع المحافظين لإيصال مرشحه إلى كرسي الرئاسة

ولايتي يصف فريق الرئيس الإيراني بالمنحرفين عن أفكار الثورة

TT

قبل ثلاثة أشهر من توجه الإيرانيين للتصويت على رئيس جديد، تتخذ الانتخابات صورة أكثر حيوية وإثارة للقلاقل مما توقع كثيرون.

ويستغل الرجل الذي لا يملك أي فرصة للفوز – الرئيس محمود أحمدي نجاد، الممنوع من خوض السباق الانتخابي نظرا لانتهاء فترته الرئاسية – المشهد السياسي التنافسي من خلال خطوات شعبية ينظر إليها على نطاق واسع بوصفها تهدف إلى دعم خليفته المفضل بصورة أكبر. وعلى نحو متزايد، يبدو منافسوه المتعددون خائفين من تحقيق هذا المخطط هدفه.

لقد تجلى هنا في إيران جدل محتدم بشأن ما إذا كان رجال الدين الحاكمون سوف يسمحون بإجراء انتخابات «حرة» – بمعنى انتخابات يسمح فيها بتنافس جميع الفصائل السياسية - مع كون أحمدي نجاد ورئيسين سابقين آخرين من بين أعلى الأصوات المطالبة بفتح مضمار للتنافس.

ورغم أن قائمة المرشحين النهائية لن تتضح إلى أن يحدد مجلس الأوصياء، المؤلف من اثني عشر عضوا، من هم مؤهلون لدخول السباق في مايو (أيار)، يقول محللون إن الضغط المحلي والدولي ربما لا يترك للمؤسسة أي خيار خلاف التصديق على المرشحين من مختلف الأطياف السياسية.

وهذا يعني أن الرجل الذي يعتقد أنه اختيار أحمدي نجاد لتولي منصب الرئيس، رئيس ديوانه السابق، إسفنديار رحيم مشائي، ربما يدخل المنافسة رغم التكهنات السابقة التي تشير إلى أنه قد يتم اعتباره غير مؤهل. إن مشائي، تماما كأحمدي نجاد، قد خسر تأييد رجال الدين الحاكمين، وينظر إليه باعتباره معارضا أقوى لقيام كهنوت ذي نفوذ.

وفي مقابل تلك الخلفية، يعاود أحمدي نجاد بذل الجهود لتوسيع نطاق السلطة الرئاسية في إطار نظام السلطة في إيران، عن طريق زيادة المساعدات النقدية الممنوحة للعامة واقتراح ميزانية تفرض تخفيضات حكومية واسعة النطاق، لكنها في الوقت نفسه تعزز تمويل القطاع التنفيذي. علاوة على ذلك، فقد ساعد معسكره في كسب موطئ قدم وسط من يعرفون بالإصلاحيين عن طريق مواصلة الاعتماد على الخطاب القومي لا الإسلامي، كما أظهر نفسه بمظهر المعلن عن جرائم الفساد.

يظهر المعارضون إشارات قلق غير معتادة.

«إذا تم، تحت ضغوط وتهديدات أحمدي نجاد، التصديق على مشائي من قبل مجلس الأوصياء لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، فعلينا أن نعتبر الثورة انتهت»، هذا ما قاله نائب البرلمان البارز علي مطهري، الذي تربطه صلة نسب برئيس البرلمان علي لاريجاني، في مقابلة مع صحيفة «غانون».

وتحدث علي أكبر ولايتي، وهو وزير خارجية سابق بين «المدافعين عن المبادئ» المحافظين الموالين لمفهوم حكم رجال الدين، على وكالة أنباء «فارس» المملوكة للدولة قائلا: «هؤلاء المعروفون بمسمى (التيار المنحرف) لديهم خطط للانتخابات، وإذا لم نوحد نحن المدافعين عن المبادئ صفوفنا، فلا نعلم من سيتولى الرئاسة خلال فترة الثمانية أعوام المقبلة. ينبغي أن يفوز أحد المدافعين عن المبادئ، وعلينا ألا ندع الانتخابات تدخل في مرحلة إعادة». وهم ينظرون إلى أحمدي نجاد وأنصاره باعتبارهم «منحرفين» عن أفكار الثورة الإيرانية.

لقد تعهد أحمدي نجاد مؤخرا بمواصلة «العمل حتى الساعة التاسعة صباحا يوم التنصيب». ويقول بعض المحللين والمنافسين إنه يسعى للبقاء لفترة أطول بعد ذلك، متهمين إياه بتدبير مخطط «على شاكلة تحالف بوتين وميدفيديف» لتنصيب مشائي لفترة رئاسية، ثم خوض سباق الانتخابات مجددا في عام 2017. ولم ينبس مشائي ببنت شفة عن نواياه السياسية، لكنه كثف من ظهوره في وسائل الإعلام، أحيانا إلى جانب أحمدي نجاد.

ليس من المرجح تنفيذ هذا المخطط، لكن ثمة قليلين هنا يعتقدون أن أحمدي نجاد سيصبح غير ملائم.

«أؤمن بشدة أن أحمدي نجاد لن ينزل من قطار السلطة وأنه سيصمد للنهاية. من ثم، إذا ما رغب المدافعون عن المبادئ في انتزاع السلطة منه، يتعين عليهم استخدام القوة»، هذا ما قاله صادق زيباكلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران لوكالة أنباء إيرانية.

ورغم فقدانه القدر الأكبر من الدعم الذي كان يحظى به من قبل من جانب رجال الدين وتلفزيون الدولة وقوات الحرس الثوري المؤثرة وميليشيا الباسيج، احتفظ أحمدي نجاد بتأثيره من خلال قاعدة دعم عام، مرتكزا على جذوره من الطبقة العاملة للظهور بمظهر رجل الشعب.

وتتمثل أقوى أداة يمتلكها في المال، أو الوعد بمنحه. فإضافة إلى مدفوعات نقدية شهريا ذهبت إلى ملايين الإيرانيين منذ نهاية عام 2010 لتعويضهم عن إلغاء المساعدات، قام بتوزيع هدية مؤخرا لمرة واحدة احتفالا بحلول العام الإيراني الجديد في 20 مارس (آذار). وقد ظل أحمدي نجاد يردد بشكل دائم أنه كان يود منح المزيد من الأموال للناس، ولكن البرلمان منعه من ذلك، على نحو أشعل جذوة الاعتقاد بأنه، لا المشرعون، يفهم مشكلات عامة الناس.

إضافة إلى ذلك، فإنه قدم أيضا في بعض الفترات صورة بديلة ولكن جذابة للواقع الاقتصادي، منتقدا التكلفة المرتفعة للسيارات المحلية التي تحدد أسعارها إحدى الوزارات الواقعة تحت سيطرته ومتباهيا بتوفير وظائف رغم ارتفاع معدل البطالة.

مؤخرا، شن أحمدي نجاد هجمات على المنافسين - ولا سيما أسرة لاريجاني، التي يعدها كثير من الإيرانيين جزءا من طبقة أرستقراطية جديدة - من خلال كيل اتهامات لها بالكسب غير المشروع وتهديدات بكشف النقاب عن أدلة مدعمة لتلك المزاعم. وفي فبراير (شباط)، قام بتشغيل مقطع فيديو في البرلمان ظهر فيه أحد إخوة لاريجاني يعرض صفقة غير مشروعة على وزير في حكومة أحمدي نجاد.

ورغم زخمه الواضح، فإن جانب أحمدي نجاد يواجه بعض المعوقات. لم توجه قط اتهامات بالفساد المالي إلى الرئيس، لكن تمت إدانة بعض أعوانه في فضائح مصرفية بارزة. يعتقد أن أربعة مسؤولين مصرفيين على صلة بمعاوني الرئيس الذين صدرت ضدهم أحكام بالإعدام في فبراير في قضية شهدت اختفاء مبلغ يقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار من خزائن الدولة. وقد التزم الرئيس الصمت حيال ذلك الحكم.

لم يعد التلفزيون الرسمي هو الأداة التي وظفها الرئيس ببراعة من قبل لمصلحته الخاصة، وهو ما يتجلى أشهر مثال عليه في سلسلة من النقاشات الحية التي قادت لإعادة انتخابه في عام 2009، حيث اتهم معارضيه الثلاث بالاشتراك في مؤامرة ضده.

لكن في الشهر الماضي، قامت الشبكة بقطع حوار يذاع على الهواء مباشرة وعدلت بعض إجابات الرئيس. وفي هذا الأسبوع، بثت فيلما وثائقيا عن العلاقة المتأزمة بين أول رئيس للجمهورية الإسلامية، الذي تمت إدانته ويعيش الآن في المنفى بباريس، ومؤسسها آية الله روح الله الخميني. وقد اعتبر الفيلم بمثابة تحذير لأحمدي نجاد من أن عليه أن يكون أكثر انتباها لرغبات المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.

ويرى البعض أن الأمر لا يختلف كثيرا عما كان يمكن أن يفعله أحمدي نجاد لو لم يكن على قائمة الاقتراع. يقول محمد ماراندي، الأستاذ بجامعة طهران والمعلق السياسي: «فكرة أن بمقدور رئيس حالي توريث شعبيته أو شخصيته المميزة ليست واضحة للعيان تماما».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»