فرنسا تستعجل نقل المسؤوليات في مالي إلى الأمم المتحدة

باريس تدرس خيار إنشاء قوة تدخل سريع بمشاركة أفريقية

TT

تكلف الحرب التي تقوم بها فرنسا في مالي أكثر من مليوني يورو في اليوم؛ وفق أرقام وزير الدفاع جان إيف لودريان. ورغم المساعدات التي تتلقاها من الولايات المتحدة وشريكاتها الأوروبية في الميدان اللوجيستي والاستعلامات، فإن باريس تتحمل وحدها حتى الآن العبء المالي للحرب التي انطلقت منذ أكثر من شهرين.

وكانت فرنسا تعول على الالتزامات المالية التي تقدم بها المشاركون في مؤتمر أديس أبابا لدعم مهمة القوة الأفريقية - الدولية المنوطة بها مهمة الحلول محل الجيش الفرنسي ومساندة القوات المسلحة المالية. غير أن الوعود، وفق ما كشفت عنه مصادر فرنسية، لم تترجم بعد إلى تحويلات مصرفية. كذلك، فإن باريس تتحمل تكلفة القوة التشادية المشكلة من 2000 جندي، وهي الوحيدة التي تشارك في معارك الشمال إلى جانب القوة الفرنسية وقد سقط في صفوفها حتى الآن أكبر عدد من الضحايا في عملية «تنظيف» منطقة إيفوغاس الوعرة من فلول تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ورغم أن تشاد ليست من بين دول غرب أفريقيا التي تتشكل من وحداتها القوة الدولية - الأفريقية، فإن العناصر التشادية قد انضمت إليها من أجل الاستفادة من التمويل الدولي الخاص بهذه القوة.

وكان المانحون في مؤتمر أديس أبابا وعدوا بتقديم 455 مليون دولار. لكن الدول المساهمة في القوة الدولية - الأفريقية قدروا حاجاتها المالية بنحو مليار دولار بسب قرار مضاعفة القوة التي ستوكل إليها مهمة استعادة وفرض سيادة الدولة في مالي على كل أراضيها، إلى جانب القوات الحكومية التي ستستفيد من خبرات البعثة العسكرية الأوروبية لإعادة تأهيل وتدريب القوات المالية المسلحة.

وتريد باريس، بحسب ما أعلن وزير خارجيتها أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، أول من أمس، التعجيل بالتصويت على قرار إرسال قوة سلام من «القبعات الزرقاء» إلى مالي لتحل محل القوة الدولية - الأفريقية. وتقدر المصادر الفرنسية أن يصل عديد هذه القوة إلى 10 آلاف رجل من الأفارقة. وعمليا، ستتحول وحدات القوة الدولية - الأفريقية المنتشرة حاليا (6300 رجل بما فيها القوة التشادية) وعناصر أخرى ستصل لاحقا، إضافة إلى وحدات ستصل من بوروندي وموريتانيا قد تزيد على ألفي رجل، إلى جانب «القبعات الزرقاء»، مما سيعني أنها تكون تماما تحت مسؤولية الأمم المتحدة وفي إطار «عملية حفظ السلام». وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لنواب لجنة الشؤون الخارجية إن هذا التحول «ستكون له نتائج بالنسبة لفرنسا» في تلميح واضح إلى الجانب المالي من تكلفة الحرب. وتكمن الفائدة الأولى من هذا التغيير في أن التمويل سيقع عندها بالكامل على عاتق الأمم المتحدة مما سيخفف العبء المالي عن فرنسا. وفي تقدير الوزير فابيوس، فإن التصويت على القرار الدولي الضروري لإطلاق عملية حفظ السلام يمكن أن يتم خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل. غير أن البدء بتنفيذه لن يتم إلا بعد شهرين إضافيين أي نهاية يونيو (حزيران) أو بداية يوليو (تموز) المقبلين.

وتريد باريس أن تبدأ بتسليم المهام الأمنية في المناطق الشمالية التي استعيدت من مقاتلي «القاعدة» و«حركة التوحيد والجهاد في أفريقيا الغربية» و«أنصار الدين»، في الأسابيع والأشهر المقبلة مما سيتيح لها أن تبدأ خفض عديد قواتها المنتشرة اليوم في مالي. وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قبل أيام أن باريس تأمل في إطلاق هذه العملية خلال الشهر المقبل، وبالتوازي مع العملية السياسية المطلوبة من الحكومة المالية والمتمثلة في الانتخابات العامة من جهة؛ وإطلاق مسار الحوار والمصالحة الوطنية خصوصا مع الطوارق في الشمال من جهة أخرى. ووعدت باماكو بإجراء الانتخابات قبل نهاية شهر يوليو المقبل، فيما أقر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي إطلاق لجنة الحوار والمصالحة.

وإذا كان الوزير فابيوس أكد مرة أخرى أن «مهمة القوات الفرنسية ليست البقاء في مالي إلى ما لا نهاية»، فإن وزارتي الدفاع والخارجية تنكبان على دراسة شكل العلاقة التي ستقيمها فرنسا لاحقا مع مالي بحيث تكون الضامنة لاستقرارها وعدم تكرار السيناريو الذي حصل العام الماضي عندما سيطرت الحركات «الإرهابية» (وفق التعبير الفرنسي) على المناطق والمدن الشمالية الأمر الذي أدى عمليا إلى انقسام مالي إلى قسمين. ولم يعرف بعد ما إذا كانت هذه العلاقة ستكون في إطار معاهدة دفاعية أم اتفاق تعاون عسكري. وتنتظر باريس انبثاق سلطة كاملة الشرعية في مالي من أجل التفاهم معها على صيغة تحفظ استقلال البلاد وسيادتها من جانب، وتوفر استقرارها من جانب آخر. ولذا فإن «أحد» التحديات التي تواجهها باريس في باماكو هي اختيار لحظة الانسحاب العسكري «غير المتعجل وغير المتأخر» لتحاشي عودة الفوضى من جهة، وتجنب اتهامات العودة إلى العقلية الاستعمارية، من جانب آخر.