كرزاي يتودد لطالبان ويلعب على حبل الوطنية في آخر أيامه

ينتقد أميركا بشدة ليبعد عن نفسه صفة التبعية.. وخصومه يحذرونه من مصير نجيب الله

TT

في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأفغاني حميد كرزاي ما يمكن أن يكون عامه الأخير في السلطة، وفي ظل انسحاب الجيش الأميركي من البلاد، لم تغب عن ذهن كرزاي حقائق الواقع والتاريخ الأفغاني بأن جميع زعماء البلاد في العصر الحديث قد تم الإطاحة بهم أو إعدامهم وأن حركة طالبان قد شنقت نجيب الله، آخر رئيس حكومة شيوعية في أفغانستان، عام 1996.

وفي إطار سعيه لإنهاء عمله السياسي بصورة أفضل من أسلافه بعد الفترة الطويلة التي قضاها في الحكم، يراهن كرزاي على إنقاذ سمعته السياسية عن طريق تكثيف عملية تشويه صورة حلفائه الأميركيين في لحظة حرجة من مرحلة الانسحاب من أفغانستان. وبينما تتفاوض حكومته على شروط وجود دائم للجيش الأميركي في أفغانستان، أمر كرزاي خلال الأسبوعين الماضيين فقط بإخراج قوات العمليات الخاصة من إقليم مهم بالبلاد، وانتقد بشدة السياسات التي تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ورفض شروط الأميركيين لتسليم المعتقلين، لدرجة أنه ساوى في الآونة الأخيرة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان ووصفهما بأنهما قوات إضافية تعمل على تقويض حكومته.

ومن خلال مقابلات مع شيوخ القبائل وكبار التجار ومحللين سياسيين ودبلوماسيين في أفغانستان، يمكن رسم صورة لكرزاي، الذي يحاول تغيير الفكرة المأخوذة عنه على أنه خادم للأميركيين، من خلال اللعب على المشاعر الوطنية والتأكيد على سيادة أفغانستان. ويرى كثيرون أن كرزاي ربما لا يدرك بشكل كامل المخاطر التي يقدم عليها من خلال الرهان على أن واشنطن ستلتزم بدعمها العسكري والاقتصادي الذي يقدر بمليارات الدولارات لأعوام مقبلة، على الرغم من الخلافات المتنامية معه والتحديات التي تواجها واشنطن في ما يتعلق بالميزانية والمصاعب الاقتصادية الداخلية والإرهاق الذي تعانيه البلاد في أعقاب تلك الحرب الطويلة. وقال سعد محسني، وهو رجل أعمال أفغاني على علاقة وطيدة بالعديد من العاملين مع كرزاي ويدير شركة «موبي غروب» للإعلام التي تضم شبكة «تولو» الأكثر شعبية في أفغانستان: «كرزاي يعتقد، انطلاقا من ثقته في حاجة الأميركيين للبقاء إلى أجل غير مسمى، أن لديه الكثير من النفوذ ويمكنه انتقاد واشنطن كما يشاء لأن لديه رصيدا كبيرا معها في الماضي». وأضاف محسني: «الأمر الثاني هو إرثه الكبير، فبينما لم يعد أمامه سوى 12 شهرا في السلطة، فهو يحاول تحسين صورته، بدلا من أن يتم تصويره على أنه الشخص الذي تم إيصاله إلى السلطة عبر عملية (بون)»، في إشارة إلى المؤتمر الذي عقد عام 2001 لتشكيل حكومة ما بعد طالبان. واستطرد محسني: «إنه يريد أن يتذكره الناس باعتباره الرجل الذي طرد (الأجانب)؛ أي الأميركيين في هذه الحالة».

ويعمل مسؤولون أميركيون وغربيون في أفغانستان على طمأنة الشعب الأفغاني - وكرزاي نفسه - بأنهم لن يتخلوا عنهم مثلما فعل الروس، الذين أدى انسحابهم من البلاد في مطلع التسعينات من القرن الماضي إلى انهيار الحكومة والجيش واندلاع حرب أهلية في نهاية المطاف. ومع ذلك، لم تكن المؤشرات المقبلة من البيت الأبيض حول انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان مؤكدة، فحتى الآن لم يقرر الرئيس الأميركي باراك أوباما عدد القوات التي ستبقى بعد انسحاب الوحدات القتالية بنهاية عام 2014، وتم طرح الكثير من الأرقام، لكن لم يتم تأكيد أي منها.

وقال أحد المسؤولين الغربيين في كابل، الذي رفض الكشف عن هويته: «عند نقطة ما سيصبح التعامل معه بمثابة إزعاج سياسي للدرجة التي تجعل المسؤولين في واشنطن وفي الكونغرس يقولون: (دعونا نعد التفكير في الخريطة المتعلقة بذلك قليلا). أنا لا أعتقد أن كرزاي يفهم ذلك جيدا ولا يفهم أنه يزيد شعور الولايات المتحدة بذلك».

ويرى مراقبون أفغان أن كرزاي يحاول أن يحافظ على صورته بأنه رئيس قوي من الناحية السياسية خلال العام الأخير من ولايته عن طريق خدمة ثلاث فئات أفغانية على الأقل: قاعدة البشتون العرقية، والقادة الطاجيك والهزارة في حكومته، وحركة طالبان التي رفضت التفاوض معه.

وفي خطاباته السابقة، كان كرزاي يعتمد في بعض الأحيان على نغمة الحنين، حيث أعرب عن رغبته في أن يكون الزعيم الأفغاني الذي يمكن أن يوحد جميع الفصائل الأفغانية، بما في ذلك حركة طالبان. ويرى مراقبون أفغان أن قيام كرزاي بمنع القوات الخاصة الأميركية من دخول مقاطعة ورداك التي تعد معقل طالبان يعد محاولة من كرزاي للتودد إلى المتمردين عن طريق إثبات أن لديه القدرة على وقف العمل العسكري ضدهم، في حين يعتقد البعض الآخر أنه يحاول الاستفادة من شعور الأفغان بالإحباط نتيجة رؤيتهم المركبات العسكرية الأجنبية العملاقة على طول الطرق، والجنود الأجانب المدججين بالسلاح في الدوريات في حقولهم والغارات الليلية على منازلهم.

ولكن نظرا لأن كلماته لم يكن لها سوى تأثير محدود على الأميركيين، فهي تبدو غير صادقة إلى حد بعيد بالنسبة لكثير من الأفغان. في الوقت ذاته، تغيرت الحقائق على الأرض: فالحرب تجري على قدم وساق، بشكل متزايد، وفي بعض الحالات ترتكب الانتهاكات من قبل القوات الأفغانية التي ينظر إليها على أنها تعمل باسم كرزاي رغم تدريبها على يد القوات الأميركية.

ويدلل ذلك على محاولة كرزاي البحث عن وسائل جديدة لإثبات أنه ليس «دمية أميركا» كما تزعم طالبان. ويقول مالك سيتز، مستشار شبكة حقوق الإنسان والمجتمع المدني الأفغانية: «يود الرئيس كرزاي أن يصور نفسه بطلا وطنيا، بتبني سياسة معادية للأجانب، وهو ما يحبه الكثير من الأفغان، لكنه لا يدرك أنه هو وحكومته يعتمدان بشكل كلي على المجتمع الدولي اقتصاديا، وهو لا يدرك تأثير تصريحاته على هذه العلاقة». وأشار إلى أن كرزاي يود أن يبدو ضحية لعدد من المؤامرات الدولية إن لم يكن بطلا في عيون الأفغان. وقال: «إنه لا يود أن يذكره الناس على أنه سياسي مهزوم، ولذا فهو يرغب في أن يذكر الناس بأنه وطني تكالبت عليه القوى الغربية لإسقاطه».

يرى كثيرون هنا في ذلك تكرارا للفصل الأخير من حكم نجيب الله، عندما قرر الروس الانسحاب، تبنى الرئيس موقفا وطنيا حتى إنه قال للروس ارحلوا واتركوا التمويل للجيش، وهي الرسالة التي تتشابه في مضمونها إلى حد بعيد مع الرسالة التي بعث بها كرزاي إلى الأميركيين والعالم.

على المستوى الشعبي، لا يبدي الأفغان ثقة كبيرة في الحكومة الأفغانية أو الأميركيين. ويقول حاجي عبد المجيد خان، وهو زعيم قبلي من إقليم قندهار حيث يحظى كرزاي بالدعم: «يحاول كرزاي في الوقت الراهن خداع الأفغان بأنه متعاطف معهم وأنه يحاول أيضا أن يظهر لطالبان أنه (مستقل الآن عن الأميركيين)»، وأضاف: «لا أعتقد أن هناك خلافا بين كرزاي والأميركيين على الإطلاق؛ فهما شريكان في لعبة واحدة يحاولان ذر الرماد في العيون وفرض حكومة عميلة أخرى». وأي شكاوى أميركية تجاه تصريحات كرزاي التي زعم فيها الصدام بين طالبان والأميركيين، لا تقارن برد فعل طالبان. فقد أصدرت حركة طالبان بيانا الاثنين الماضي وصفوا فيه كرزاي بأنه منافق دنيء، يأكل الطعام ويلبس الثياب التي تشتريها له الدولارات الأميركية. وقال بيان طالبان، الذي كتبه شخص عرف نفسه باسم قاري حبيب، إن «الوطنية لم تنقذ نجيب الله ولن تنقذ كرزاي. والأمة الأفغانية تعرف التمييز بين الدمى والأبطال»، وأضاف البيان: «لجأ حميد كرزاي في نهاية ولايته إلى النفاق نفسه الذي قام به نجيب الله. ونحن نقدم له نصيحة مجانية: لا تسلك هذا الطريق لأن هذا الطريق يؤدي إلى ساحة آريانا».

* خدمة «نيويورك تايمز»