بعد عامين على الثورة.. باريس ولندن تقرران تسليح المعارضة

الائتلاف يرحب ودمشق تعتبره «انتهاكا» للقانون الدولي

مقاتل من جبهة النصرة يشير إلى مصور بوقف التصوير أثناء قصف موقع لهم في الرقة شمال شرقي دمشق أمس (رويترز)
TT

عشية الذكرى الثانية لاندلاع الثورة المطالبة بإنهاء حكم نظام بشار الأسد في سوريا، أعربت فرنسا وبريطانيا عن عزمهما تزويد المعارضة بالأسلحة حتى من دون موافقة الاتحاد الأوروبي الذي يفرض حظرا على تسليم الأسلحة إلى سوريا. وفي حين اعتبرت دمشق أنّ هذا القرار يمثل «انتهاكا صارخا» للقانون الدولي، رأى الائتلاف الوطني السوري المعارض أنه «خطوة في الاتجاه الصحيح»، فيما دعت أطراف أوروبية أخرى إلى التعقل في موضوع التسليح وعدم الانقياد خلف ما وصفته بـ«المشاعر».

ووفق ما تشير إليه المعطيات لم تفلح جهود وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أول من أمس في حث بريطانيا على الالتزام بالحظر الأوروبي والعدول عن قرارها إمداد الجيش السوري الحرّ بأسلحة «إن لزم الأمر»، على حد وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي كان قد قال فيما يتعلق بهذا الموضوع «إن شعرنا بأن شركاءنا الأوروبيين يلجموننا، عندها علينا أن نعيد النظر في مقاربتنا».

وجدد لافروف عقب محادثات مع نظيره البريطاني وليام هيغ في لندن، التأكيد على أن «تسليح المعارضة هو انتهاك للقانون الدولي»، مضيفا أن «القانون الدولي لا يسمح ولا يصرح بإمداد الجهات غير الحكومية بالأسلحة، ومن وجهة نظرنا فإن ذلك يعد انتهاكا للقانون الدولي».

ومع ارتفاع أعداد القتلى المدنيين المعارضين لحكم نظام الأسد، زادت دول غربية مساعداتها غير العسكرية للمعارضين السوريين وتقدم بريطانيا حاليا دعما «غير فتاك» لمقاتلي «الحر»، إلا أن وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند رفض استبعاد أي خيارات في المستقبل، وأضاف خلال مؤتمر صحافي أعقب جلسة الحوار الاستراتيجي الروسي البريطاني: «هذا الأمر سيتوقف على تطورات الأوضاع في سوريا بالذات»، مشيرا إلى أن جميع أعمال بريطانيا ستكون مبنية على القانون الدولي، في أي حال من الأحوال.

يشار إلى أن توريد السلاح الأوروبي لسوريا كان محظورا بشكل كامل منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012 وأجرى الاتحاد الأوروبي تعديلا الشهر الماضي سمح بموجبه للدول الأعضاء تقديم معدات «غير فتاكة» للمسلحين المعارضين وتدريبهم.

ورحب الائتلاف الوطني بقرار باريس ولندن معتبرا إياه «خطوة إيجابية»، وقال عضو الائتلاف والمجلس الوطني السوري سمير النشار في تصريحات للـ«الشرق الأوسط» «نرحب بأي قرار لدعم المعارضة عسكريا وإن كان متأخرا».

واعتبر النشار أنّ لهذه الخطوة أثرا سياسيا وآخر عسكريا، ويتمثل الجانب الأول بالجهود التي تبذلها الدولتان في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في القضية السورية في ظل التفاهمات الروسية - الأميركية التي يطرح حولها علامات استفهام كثيرة.

أما الجانب العسكري فهو الذي لعبه قائد أركان الجيش الحر، اللواء سليم إدريس، في مباحثاته مع جهات دولية، ولا سيما خلال زيارته الأخيرة إلى عاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، التي التقى خلالها مسؤولين عسكريين وسياسيين تعرفوا على شخصيته العسكرية والسياسية المعتدلة، وتباحث معهم كذلك أهمية الدعم العسكري وأنواع الأسلحة والكمية التي يحتاجها، مقدما لهم الضمانات حول مصير هذا الدعم ومبددا بذلك الهواجس المتعلقة بالجماعات الإسلامية المسلحة وكيفية توزيع السلاح.

وفي ذات السياق، قال المتحدث باسم الائتلاف وليد البني لوكالة الصحافة الفرنسية «هذا القرار هو خطة في الاتجاه الصحيح»، مضيفا «ما دام أن الأوروبيين والأميركيين لا يسلحون المعارضة، فكأنهم يقولون للرئيس السوري استمر في معركتك». واعتبر أنه «لا يمكن لبشار الأسد أن يقبل بحل سياسي إلا إذا أدرك أن ثمة قوة مسلحة ستسقطه»، مشيرا إلى أن استمرار تلقي النظام السوري الدعم من حليفته موسكو وطهران «سيبقي لديه قناعة بأنه سينتصر» في النزاع المستمر منذ عامين.

وتحرص باريس ولندن على وضع التطور الأخير في موقفها في إطار الضغوط «الميدانية» الممكنة لتحريك الوضع السياسي لا بل إن لوران فابيوس ذهب إلى درجة اعتبار أن «رفع الحظر هو إحدى الوسائل المتوافرة لتحريك الوضع السياسي» وأنه لا يعني أبدا التخلي عن المخرج السياسي للأزمة السورية.

وترى باريس ولندن أن النظام السوري ومعه روسيا لن يقبلا مفاوضات جدية طالما استمر النظام في الاعتقاد أنه قادر على الاستمرار في الحرب والسير بها من تصعيد إلى تصعيد والمحافظة على بعض المكاسب الميدانية التي تجعله يحاور من موقع قوة يوم يريد التحاور. وإزاء ذلك لا ترى باريس بديلا من زيادة القوة النارية للمعارضة وحرمان النظام من التفوق النوعي المتمثل باستخدام الطيران والمدفعية الثقيلة وسلاح الدبابات. وقال مسؤول فرنسي كبير طلب عدم ذكر اسمه لوكالة رويترز، إن الصواريخ المضادة للطائرات من بين الأسلحة التي قد تقدم للجماعات المعروفة من مقاتلي المعارضة. معتبرا أن «المواقف المعارضة لتسليح المعارضة والمطالبة بحل سياسي تفقد تأثيرها».

ويبدو أن «الحزم» الفرنسي - البريطاني الجديد أخذ يفعل فعله بما في ذلك لدى ألمانيا التي كانت من بين المعارضين الأشداء لرفع الحظر عن السلاح وهو ما يفهم من بيان وزارة الخارجية الألمانية التي أعلنت أنه إذا كان الشركاء الأوروبيون يرون أن «الوضع قد تغير وأنه يتطلب تغييرا جديدا في موضوع العقوبات فنحن جاهزون بطبيعة الحال لمناقشة ذلك فورا داخل الاتحاد الأوروبي». ويصح الأمر عينه على الاتحاد كمجموعة إذ أعلن مايكل مان، الناطق باسم مسؤولة السياسة الخارجية والدفاع كاثرين أشتون كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، أنه «إذا أراد بلد (أوروبي) أن يطلق نقاشا فوريا (حول موضوع معين) فهذا أمر ممكن ويستطيع أن يسجله على جدول المواضيع» المعروضة للمناقشة.

وتعليقا على هذا القرار، اعتبر عضو القيادة العسكرية العليا في الجيش الحر، العقيد الطيار قاسم سعد الدين أن الخطوة هي بادرة خير، آملا أن تشكل انفراجا بالنسبة إلى المعارضة العسكرية وحربها ضد النظام، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أنّ «توزيع هذه الأسلحة سيخضع لمراقبة شديدة من قبل هيئة الأركان، وأنّه سيتم تسليمها إلى الضباط كل بحسب اختصاصه»، ولفت سعد الدين، إلى أن ممثلين من الائتلاف الوطني أبلغوا رئيس الأركان في الجيش الحر اللواء سليم إدريس بالقرار الفرنسي البريطاني، من دون أن يتم التوضيح لجهة الزمان أو آلية التسليم ونوع الأسلحة التي ستقدم.

وفيما يتعلّق بأنواع الأسلحة التي يحتاجها المعارضون في حربهم ضد النظام وكميتها، قال سعد الدين، «الأهم بالنسبة إلينا هو الأسلحة المضادة للدبابات والدروع والطيران من نوع ستيفر، أميركي الصنع الذي يحمل على الكتف، وكوبرا سام 7 و14،، كما أنّنا نحتاج إلى دروع وكمامات لاستخدامها في حال لجأ النظام إلى الأسلحة الكيمائية». ولفت سعد الدين إلى أنّ الأسلحة التي وصلت للمعارضين لغاية اليوم، لا تعدو كونها أسلحة خفيفة وفردية، مؤكدا في الوقت عينه، أنّه إذا تجاوب المجتمع الدولي مع متطلبات الجيش الحر، فعندها لن يصمد النظام أكثر من شهر.

من جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس إن فرنسا وبريطانيا ستدعوان لاجتماع بالاتحاد الأوروبي وربما يكون ذلك قبل نهاية مارس (آذار) لبحث رفع الحظر عن تقديم السلاح للمعارضة السورية. وأضاف متحدثا لإذاعة «فرانس إنفو»: «علينا أن نتحرك بسرعة كبيرة. من المفترض أن يبحث الأوروبيون هذه المسألة خلال عدة أسابيع لكننا سنطلب نحن والبريطانيون تقديم موعد ذلك الاجتماع». وأوضح أنه وفي حال عدم التوصل إلى إجماع داخل الاتحاد الأوروبي حول المسألة، فإن باريس ولندن ستتخذان المبادرة بتزويد الأسلحة لأن فرنسا «دولة ذات سيادة».

وجاء رد دمشق على القرار الفرنسي البريطاني من خلال بيان صادر عن وكالة الأنباء السورية (سانا) جاء فيه: «في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس نية بلاده وبريطانيا تزويد المجموعات الإرهابية في سوريا بالسلاح»، في إشارة إلى مقاتلي المعارضة الذين يواجهون القوات النظامية على الأرض.

وكان من المقرر أن يعقد الاجتماع المقبل للاتحاد الأوروبي لبحث الحظر في أواخر مايو (أيار) 2013، إلا أن باريس ترى، بحسب فابيوس، أنه «لا يمكن السكوت عن الخلل الحالي في التوازن بين إيران وروسيا اللتين تزودان نظام الأسد بالأسلحة من جهة، وبين الثوار الذين لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من جهة أخرى». وقال إن «رفع الحظر هو من الوسائل القليلة المتبقية لتحريك الوضع سياسيا».