«النصرة» تطلق طبيبا انتزع رايتها في مشفى بحلب

السوريون يقدرون شجاعة الإسلاميين ويتخوفون من هيئاتهم الشرعية

TT

أفرجت «جبهة النصرة لأهل الشام» الإسلامية المتشددة أمس عن الطبيب عثمان حاج عثمان الذي كانت قد اعتقلته أول من أمس، وذلك على خلفية نزع رايتها عن مقر عمله الكائن في أحد مشافي محافظة حلب.

وكان من المفترض أن يصدر حكم بحق الطبيب بتهمة الإساءة إلى الإسلام كون راية الجبهة تحمل عبارة «لا إله إلا الله»، لكن ردود الفعل السلبية في أوساط الناشطين الثوريين وسجل الطبيب النضالي دفعت الهيئة الشرعية التي تولت التحقيق معه إلى إطلاق سراحه، وذلك بعد أقل من 24 ساعة من اعتقاله.

والطبيب حاج عثمان سبق واعتقل مرتين من قبل نظام بشار الأسد، وكان اعتقاله الأول في فرع المخابرات الجوية، أما الثاني فكان في فرع الأمن الجنائي. وقال الطبيب بعد إطلاق سراحه في شريط بثه ناشطون على شبكة الإنترنت إن وقوف الناشطين إلى جانبه والدفاع عنه ساعد في إطلاق سراحه، مضيفا: «اتهمتني الهيئة الشرعية بالإساءة إلى الإسلام لأني قمت بنزع الراية السوداء (لا اله إلا الله) من فوق مبنى المشفى، وقد ناقشتهم بالأمر بأني لم أسئ إلى الإسلام، والراية التي نزعتها هي راية تنظيم القاعدة، أي تمثل حركة سياسة معينة، ولا تمثل الإسلام أو كل المسلمين، والمشفى مكان عام لكل الناس على مختلف انتماءاتهم ولا يجوز أن يرفع عليها أعلام تمثل جهات معينة».

وحول طريقة التعامل معه قال إنها كانت معاملة جيدة بالنسبة له كشخص علماني، ولم يتعرضوا له بإساءة، فقط سيق إلى التحقيق أمام القاضي الشرعي، وجرت المساءلة هناك حول التهمة الموجهة إليه.

وأشار حاج عثمان إلى أن المشكلة لا تكمن في الهيئات الشرعية التي تتولى تسيير المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة إسلامية، بل في «إمكانية قيام أي شخص باعتقال شخص آخر»، مشيرا إلى أن مجموعة تابعة للجبهة جاءت إلى مكان عمله وطلبت منه المثول أمام الهيئة الشرعية، فطالبهم بتبليغ خطي، فقال رئيسهم له: «هل تريد أن نجلب لك قوة مدججة ونسحبك بقوة السلاح؟».

يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تثار فيها مثل هذه القضية، فقد سبق للهيئات الشرعية في حلب وإدلب والرقة أن اعتقلت ناشطين لأنهم رفضوا رفع رايات «القاعدة»، ومؤخرا ولدى الإعلان عن تحرير محافظة الرقة (شمال شرق) قام مقاتلو «الجبهة» باقتحام مشغل فنان تشكيلي وأتلفت لوحاته وتماثيله، كما قام عناصر آخرون بضرب طبيب شوهد يدخن خارج مبنى المشفى أثناء استراحته، لأن الجبهة تحرم التدخين. ورغم الإعجاب الشديد بشجاعة مقاتلي «جبهة النصرة» وإقدامهم على تنفيذ مهام صعبة، إلى جانب تنظيمهم والتزامهم الأخلاقي، يبدي ثوار وناشطون مدنيون تخوفا كبيرا من الاصطدام مع «الجبهة» التي راحت تتمدد في بسط سلطاتها على المجتمعات المحلية عبر إقامة هيئات شرعية لمقاضاة الخارجين عن الشرع. وخرجت في عدة مناطق مظاهرات تطالب بإخراج «النصرة» من المدن، فالأسبوع الماضي هتف متظاهرون في مدينة البوكمال، القريبة من الحدود مع العراق «سوريا حرة حرة.. والنصرة تطلع برا»، وكذلك في مناطق أخرى من حلب وإدلب، بما يشير إلى أن هناك خلافا جوهريا مع «جبهة النصرة» ذات الفكر الإسلامي المتشدد، الذي تعتبره أواسط معارضة بـ«الغريب» عن المجتمع السوري الميال إلى الاعتدال.

ويرى الناشط عمر الشام أن «جبهة النصرة» هي «الجهة الوحيدة التي قدمت عونا ومساندة حقيقيين للسوريين في مواجهة الطغيان والقتل الوحشي، في حين تخلى العالم أجمع عنهم، كما أنها الجماعة الأكثر تنظيما في محيط من الفوضى والتشتت، وهي الجهة الأقوى من حيث تلقيها للدعم الأكبر مالا وسلاحا من الخارج، ذلك بالإضافة إلى قدرة الجبهة على تأمين الدعم الإغاثي والإنساني للمحاصرين في المناطق الساخنة». كل ذلك يكسب الجبهة شعبية، لكن عمر يستدرك ذلك فيقول: «ولا يمنع ذلك حدوث اصطدام بين فكرها المتشدد في تطبيق الشرع والفكر الاعتدالي الطاغي على المجتمع السوري».

ويرى البعض في اعتقال الدكتور حاج عثمان وما خلفه من امتعاض إرهاصا لما ستكون عليه سوريا ما بعد الأسد بين شعب خرج إلى الشارع طلبا للتحرر من نظام ديكتاتوري فاسد وبين «جبهة النصرة» وغيرها من المجموعات الإسلامية المتشددة التي تسعى لتطبيق الشريعة بحد السيف.

لكن الأمر ليس مقلقا إلى درجة كبيرة بحسب الناشط عمر الشام الذي يضيف: «ما دامت هناك إمكانية للحوار فعلينا أن لا نبالغ في القلق»، مؤكدا أن «التشدد ينمو حيث يوجد الظلم والتعسف ويتراجع في المجتمعات المدنية، وسوريا اليوم بيئة نموذجية لنمو التشدد بسبب الفوضى والقتل الوحشي الذي يمارسه النظام، وعندما تزول الأسباب سيعود كل شيء ليأخذ حجمه ومكانه الطبيعي، ومن المؤكد أنه لا يوجد مكان كبير للتشدد في مجتمع معتدل».