وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني لـ «الشرق الأوسط»: النازحون السوريون ربع السكان.. وعلى العرب تحمل مسؤولياتهم

أبدى خشيته من «رغبات انفصالية» وراء تمسك «القوات اللبنانية» و«العونيين» بالقانون الأرثوذكسي

TT

نبه وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان وائل أبو فاعور بأن ملف النازحين في لبنان أصبح بمثابة «قنبلة موقوتة» ماليا وأمنيا واجتماعيا، كاشفا أن عدد السوريين في لبنان قارب المليون شخص بينهم 330 ألف لاجئ يتلقون المساعدات. وتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من مليون مع نهاية العام.

ودعا أبو فاعور، الدول العربية والمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياتهم في هذا الملف باعتبار أن عدد السوريين حاليا يبلغ ربع عدد سكان لبنان، موضحا أن انتشار اللاجئين في نحو 800 نقطة في لبنان يشكل كابوسا أمنيا، مشيرا إلى وجود حالات «تزويج قاصرات واستغلال للفتيات السوريات». لكن أبو فاعور نفى بشدة أية إمكانية لإقفال الحدود في وجه النازحين من منطلقات أخوية وإنسانية، معتبرا أن هؤلاء «يهربون إلى لبنان من نظام مجرم ولا يمكن أن نمنعهم من دخول البلاد». وتوقع الوزير المقرب من النائب وليد جنبلاط أن يزداد هذا العدد مع استمرار النظام في تهجير سكان الشريط الحدودي مع لبنان «بوهم إقامة كيان خاص».

وفي الوضع الداخلي اللبناني، حذر أبو فاعور طرفي الأزمة في لبنان من المراهنة على ما يجري في سوريا، متحدثا عن «تورط أطراف لبنانية حتى العظم في الدفاع عن النظام السوري (الساقط حتما)». وأبدى خشيته من أن يكون موقف «القوات اللبنانية» والتيار العوني من القانون الأرثوذكسي (الذي ينص على انتخاب كل طائفة نوابها) هو موقف غير انتخابي؛ بل سياسي على قاعدة رغبة في الانفصال عن باقي مكونات المجتمع اللبناني. وقال: «في البداية كان الأمر مجرد مزايدات، والتسابق على الرأي العام المسيحي، لكن ثبت أن الأمر أكثر من ذلك. وما قامت به (القوات اللبنانية) ضرب روحية (14 آذار) التي تقوم أساسا على الشراكة الإسلامية المسيحية». وفي ما يلي نص الحوار:

* ماذا عن المساعدات للنازحين السوريين؟

- أولا، عدد النازحين الفعلي تجاوز كل التقديرات التي كنا نعمل على أساسها، وعندما أعددنا خطة الحكومة اللبنانية كان ذلك على أساس أن لبنان لديه 90 ألف نازح، وكانت التوقعات بالحد الأقصى أن يكون عدد النازحين 200 ألف. واليوم تجاوزنا 332 ألف نازح مسجل أو ينتظر التسجيل. وتوقعاتنا أنه، إذا استمرت الوتيرة الحالية ولم يحدث أي تطور دراماتيكي، أن يبلغ عدد النازحين في يونيو (حزيران) المقبل نحو 500 ألف نازح مسجل، وفي آخر هذا العام (2013)، سيصبح لدينا نحو مليون نازح مسجل، إضافة إلى عدد آخر غير مسجل من العمال السوريين وعدد آخر من الأشخاص الذين ينتظرون التسجيل.

الأمور أولا فاقت قدرة المجتمع اللبناني على احتمال هذا الوضع، وثانيا تجاوزت قدرة الدولة اللبنانية على القيام بأعباء هذه المسألة. الخطة التي قدمتها الحكومة اللبنانية التي هي 378 مليون دولار، للحكومة اللبنانية ومنظمة الأمم المتحدة العاملة في لبنان، لمائتي ألف نازح لعام واحد، لم نحصل عليها. حتى اللحظة حصلنا فقط على 78 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة العاملة في لبنان وليس للحكومة اللبنانية، منها 6 ملايين دولار لـ«منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)». وحتى منظمات الأمم المتحدة تصرخ لعدم توفر الحد الأدنى من المتطلبات. فكيف لو كانت توقعاتنا بأن الخطة التي يقوم بها (الرئيس السوري) بشار الأسد ونظامه بتهجير مناطق الشريط الملاصق للحدود اللبنانية - السورية، بوهم إقامة كيان خاص، ستؤدي إلى نزوح إضافي لأنه سيحاول التخلص من كل التجمعات السكانية على الحدود اللبنانية - السورية التي هي مؤيدة للثورة ضد النظام، بالتالي هو يقوم بتهجير إضافي من حمص إلى دمشق والقنيطرة ودرعا، وهذه هي الأزمة الفعلية. الدولة اللبنانية أصبحت عاجزة، والمجتمع اللبناني المضيف أيضا، لأن النازحين بنسبة 90% يقيمون لدى عائلة لبنانية مضيفة، ومنتشرون في 800 منطقة في لبنان، مع كل الأعباء الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والديمغرافية. وفي الوقت عينه هناك إحجام نتيجة الموقف السياسي لدى بعض القوى عن النقاش وأخذ قرارات بإجراءات جذرية مثل إنشاء مخيمات وغيرها.

* هل هناك رفض رسمي للمخيمات؟

- الرفض الرسمي كان لفكرة المخيمات منذ البداية، لأن البعض يعتقد أن المخيمات ممكن أن تستعيد بعض الكوابيس التاريخية مثل الموضوع الفلسطيني أو غيره رغم الاختلاف بين الوضع الفلسطيني والوضع السوري، والبعض الآخر يدعي أن المخيمات ممكن أن تتحول إلى مراكز تسليح أو تدريب، وآخرون كانوا منذ البداية ضد مبدأ اهتمام الدولة بقضية النازحين، لأنه يعتبر أنه يحمي النظام السوري إذا ما أنكر وجود قضية النازحين.

لكن الأمور تطورت وتغيرت، ولم يعد هناك مفر من النقاش في هذا الخيار أو غيره، لكن يجب أن تأخذ السلطة السياسية قرارا بمسألة المخيمات. هذا لا يعالج المشكلة، لكن يخفف من الأخطار لأن اليوم التوتر يتزايد بين العائلات اللبنانية والسورية، أي بين المجتمع المضيف والمجتمع النازح، والمنافسة الاقتصادية الحاصلة تنبئ بانفجار اجتماعي ببلد منقسم حول الموضوع السوري. والأخطار والأعباء الأمنية أصبحت تفوق قدرة الأجهزة الأمنية اللبنانية، بسبب توزع النازحين على 800 منطقة، ويجب أن يكونوا تحت سيطرة الأجهزة الأمنية. وعلى المستوى الاجتماعي؛ حدث ولا حرج.. تزويج قاصرات واستغلال الفتيات السوريات. وربما إن أنشئت المخيمات، فإنها لن تحل الأزمة، إن كان أقصاها يستوعب 60 ألف نازح، وهذا لن يجدِ نفعا. فالسؤال للمجتمعين العربي والدولي، لأن قضية النازحين ليست قضية لبنان فحسب؛ بل قضية عربية ومسؤولية دولية. ثانيا الوضع المالي للدولة اللبنانية لم يعد يتحمل هذا العبء. ثالثا الموضوع لم يعد يتعلق فقط بمسألة النازحين، فالأمر أصبح يتعلق باستقرار لبنان.

* هل سنصل إلى وقت نطلب فيه إقفال الحدود؟

- لا أعتقد أننا نستطيع أن نقفل الحدود.. إقفال الحدود أمر غير مقبول أخلاقيا وإنسانيا، فالعائلات التي تأتي من سوريا بمعظمها هي عائلات هاربة من إجرام النظام، وعمليات القتل المنظم التي تمارسها قوات الأسد. ثانيا، لا يصح إغلاق الحدود من الناحية العملية لأن هناك 370 كيلومترا من الحدود المشتركة، فإذا أقفلت الحدود الشرعية، سيزداد التدفق عبر المعابر غير الشرعية. لبنان أعلن ثوابته، وهي: لا إقفال حدود، لا ترحيل ولا تسليم لأي من الناشطين، لكن في الوقت نفسه لبنان يناشد العرب والمجتمع الدولي لأنه لم تعد لديه القدرة على احتمال الوضع الراهن.

في مؤتمر الكويت، طرح فخامة الرئيس ميشال سليمان مبدأ تقاسم الأعداد، أي إذا كان بالإمكان لعدد من الدول العربية أو الغربية استضافة عدد من النازحين، لكن لم يلاق هذا الكلام تجاوبا من الأطراف. والمساعدات التي حكي عنها، لم نحصل عليها حتى الآن. رغم أن الدولة اللبنانية لا تطلب لنفسها؛ بل لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان.

عملية التهجير التي يقوم بها النظام السوري تدفع يوما المزيد من النازحين، فكيف لو عرفنا أن هناك محطة توليد طاقة كبرى في جنوب دمشق على وشك التوقف في أي لحظة، وهي تخدم نحو 6 ملايين سوري، فإذا توقفت سيبقى هؤلاء من دون كهرباء وخدمات صحية واستشفائية، والخيار الأكبر لهؤلاء سيكون اللجوء إلى لبنان.

* ما الحل البديل عن إقفال الحدود؟

- تنظيم عملية استيعاب النازحين، وأخذ بعد الخيارات الجذرية؛ منها مسألة المخيمات، وتأمين المساعدات للدولة اللبنانية، لأنه يخشى من انفجار سياسي أو اجتماعي. التوتر بين المجتمعات المحلية والنازحين السوريين معطوف على توتر سياسي بين اللبنانيين على خلفية الموضوع السوري. الحل الوحيد تقديم المساعدات لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، وتأمين المستلزمات لقيام لبنان بواجباته، وبعض الخيارات الجريئة من قبل الدولة اللبنانية، ومنها موضوع المخيمات. حاليا هناك مساع لإنشاء نحو 250 إلى 300 مأوى جماعي من قبل الأمم المتحدة تستوعب نحو 40% من النازحين، والباقي لا توجد قدرة لاستيعابهم. كل هذا بالأعداد الحالية، فكيف يكون الوضع مع الأعداد القادمة؟

* ما المقصود بالمأوى الجماعي.. مخيمات صغيرة؟

- المقصود هو مدارس فارغة، ومؤسسات مقفلة، وأبنية يتم استئجارها لهذا الغرض، وهذا لا يعبر عن قيام مخيم.

* إذا استمر الوضع على ما هو عليه، متى ستعلن الحكومة اللبنانية عجزها؟

- الأمور باتت تتجاوز قدرة الاستيعاب من الدولة ومن المجتمع، وأخشى أنه لن يكون أمام الحكومة في لحظة معينة سوى إعلان عجزها، بسبب زيادة تدفق الأعداد، فعدد النازحين اليوم يبلغ نحو ربع سكان لبنان، من يتحمل هذا الوضع؟ رغم ذلك، فإننا لا نتذمر لأننا نعرف مسؤوليتنا الأخلاقية والإنسانية والأخوية تجاه شعب يتعرض للظلم من قبل النظام. ونحن نعلم أن هذا الشعب سينتصر في يوم من الأيام ويعود إلى سوريا، لكن أهم ما يطلبه لبنان هو مساعدته والإخوة السوريين على عبور هذه الأزمة الصعبة. مثلا دعم القمح، لأن الدولة اللبنانية لم تعد قادرة على ذلك، هناك نحو مليون شخص إضافي يستفيدون من الدعم، وهذا يقلص قدرة الحكومة لدعمه. بالإضافة إلى أزمة الكهرباء والسجون والنظام الصحي. فالآن إن وجدت الأموال وتريد إدخال مريض للمستشفى، فلن تجد له سريرا، حيث تم استنفاد قدرة المستشفيات على استقبال المرضى.

* كيف تتم عمليات الصرف؟

- الصرف يتم عبر المفوضية العليا للاجئين وصندوق دعم الطفل (اليونيسيف) التابع للأمم المتحدة، وبرنامج الغذاء العالمي، وكل جهة في حقل عملها. الدولة اللبنانية استقبلت نحو 34 ألف طالب في المدارس الرسمية، إضافة إلى عدد آخر في المدارس الخاصة. والحالات الطبية الصعبة التي تحتاج إلى دخول طارئ للمستشفيات تتولاها وزارة الصحة، وقامت الدولة بآلية تنسيق بين منظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان. في منطقة بر إلياس البقاعية هناك أكثر من 100 متجر لسوريين من أفران ومطاعم ومصالح مختلفة، وبالتالي يخلق ذلك تنافسا مع التجار اللبنانيين، وهذا يزيد التوتر والاصطدام في المجتمع. والنازحون السوريون يتمركزون في مناطق لبنانية تعتبر أساسا فقيرة، فتزداد نقمة اللبنانيين على السوريين عندما نقدم هذه المساعدات للسوريين فقط.

* على من تقع مسؤولية قيام النازح السوري بإنشاء متجر له في لبنان؟

- تقع المسؤولية على الدولة اللبنانية، والتأخر في إقرار خطة من قبل الدولة هو الذي قاد إلى هذا الواقع الصعب، إضافة إلى مواقف بعض السياسيين الذين يريدون أن يتعاطوا مع ملف النازحين باستغلال سياسي وانتخابي وبشكل عنصري. عندما طالبنا بأن يكون هناك مخطط للدولة اللبنانية، كنا نتهم بأننا نريد أن نضرب التوازن الطائفي، لأنهم يريدون استغلال قضية النازحين من أجل تحريض المسيحيين ضد المسلمين وتحصيل مكاسب انتخابية.

* ماذا يمكن أن يحصل إذا لم تستطع الدولة اللبنانية أن تستوعب 900 ألف نازح، رغم أن هذه ليست الحصيلة النهائية ومتوقع أن تزيد حتى آخر السنة؟

- الوضع خطر، ولذلك أدق ناقوس الخطر. وقد طلبت أن تنعقد اللجنة الوزارية، وأن تكون هناك جلسة خاصة لمجلس الوزراء لمناقشة ملف النازحين، وأخذ القرارات اللازمة. وطرحت على رئيس الجمهورية أن يدعو لبنان إلى عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي، وأن يقوم وفد لبناني بزيارة الاتحاد الأوروبي، وإلى أن تكون هناك أيضا اتصالات لبنانية مع الدول العربية.

* لكن الدول العربية مصدومة بالموقف الذي عبر عنه وزير الخارجية.. وهي تطالب لبنان بـ«النأي بالنفس» فعلا لا قولا؟

- صدمتنا أيضا، ورفضنا لا يقل عن صدمة ورفض الدول العربية من موقف الوزير (عدنان) منصور. لكن ثقتنا كاملة بالدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي لطالما احتضنت وساعدت لبنان واللبنانيين. إنها، وبصرف النظر عن موقف بعض مكونات هذه الحكومة وبصرف النظر عن الأخطاء التي يرتكبها بعض السياسيين سواء أخطاء معنوية أو مادية أو سياسية بحق الدول العربية وبحق رموز وقيادات عربية لها الفضل على لبنان، لن تتخلى عن لبنان، فبعض المواقف السياسية فيها من الجهالة والتطرف السياسي الذي لا يراعي مصلحة لبنان، وآخرها موقف وزير الخارجية الذي أضر لبنان أخلاقيا وسياسيا، لكن لبنان كان قبل هذه القوى وسيستمر بعدها.

* لكن وزير الخارجية هو وزير في الحكومة وكان يشغل مركز ممثل لبنان الذي يرأس هذه الدورة أمام الجامعة العربية..

- الجميع يعرف على المستوى العربي والدولي، أن هناك انقساما داخليا في لبنان، على المستوى السياسي العام. هناك قوى في الحكومة مؤيدة للنظام حتى حدود التورط في الحدث السوري، وهناك قوى أخرى مؤيدة للحق الطبيعي للشعب السوري في أن ينال حقوقه وبناء نظام ديمقراطي بدلا من النظام الديكتاتوري السائد. نحن من الداعمين معنويا للثورة السورية. العرب يعرفون أن هذا الانقسام قائم في لبنان كما هو قائم في الحكومة، وبالتالي لا يجوز أن يؤخذ لبنان بجريرة مواقف بعض القوى والأشخاص الذين يدافعون مخطئين حتى الاستماتة عن النظام السوري. الإخوة العرب حريصون على لبنان، ولبنان أبقى من جميع القوى السياسية.

على الضفة الأخرى، هناك بعض قوى تريد إقفال الحدود. وتاريخيا هناك أشخاص يكرهون كل ما هو عربي، لكن العرب ينظرون إلى لبنان كلبنان وليس على قاعدة الأخذ بعين الاعتبار قوى محددة. ولا نعفي أنفسنا من أننا نساهم في الضرر من خلال تلك المواقف تجاه العرب والحراك السوري.

* كيف يؤثر هذا التباين على تركيبة الحكومة؟

- تركيبة الحكومة هشة جدا، والحكومة هي عملية مساكنة بين منطقين مختلفتين تحديدا على خلفية الوضع في سوريا. هناك اتفاق على تنظيم الخلاف، ولكن في العمق هناك خلاف كبير. و«النأي بالنفس» البعض يحوله إلى شعار لا أكثر ولا أقل، لأن هناك تورطا داخليا في لبنان بأحداث سوريا، وأخشى أن يكون على ضفتي المعادلة اللبنانية.

* هذا الانقسام الحاد بالوضع الداخلي اللبناني كيف سينعكس على سوريا في المستقبل.. هل تخشى من انفجار كبير في الداخل اللبناني؟

- النظام السوري سيسقط حتما، ربما الأمور ستأخذ بعض الوقت، وهناك دينامية اليوم متصاعدة من قبل النظام بما يسمى «وهم الكيان الخاص»، وخلق منطقة خاصة به، لكن النظام سوف يسقط.

*هل تعني الدولة العلوية؟

- العلويون مكون أساسي من سوريا، ويجب أن يكونوا جزءا من مستقبل سوريا، ولا يجوز ربط مصيرهم بنظام عائلي مجرم. النظام يحاول ربط المنطقة من اللاذقية إلى حمص ودمشق مع درعا والقنيطرة، لكي يلعب اللعبة نفسها ويقول للإسرائيلي «أنا ضمانة لك».. إذ برر النظام وجوده لسنوات بأنه ضمانة لإسرائيل، ويقوم ذلك مجددا للحصول على حماية من إسرائيل عبر الدول الغربية، ولكن دينامية الأرض المقابلة للثورة السورية لن تتوقف، وهذا سيأخذ في دربه الكثير من التضحيات، لكنها لن تتوقف. وعلى القوى السياسية في لبنان أن تتصرف على أن هذا النظام الذي كان موجودا في سوريا قد انتهى، وسوريا التي كنا نعرفها في لبنان لم تعد موجودة. سوريا الجديدة، ربما لا أحد يعرفها، لكن سوريا التي كانت موجودة لم تعد قائمة. على القوى السياسية عدم ربط مصيرها بمصير النظام، خاصة إذا كان النظام مجرما. فأين المصلحة من خلق هذا الكم الهائل من العداء للشعب السوري؟ هل هناك مصلحة من الوصول إلى نقطة اللاعودة مع الشعب السوري والشعوب العربية؟

* هل ستجري الانتخابات في لبنان؟

- حتى اللحظة، لا تزال المسافة بين الاقتراحات حيال قانون الانتخاب بعيدة. النقاش حول قانون الانتخاب هو نقاش حول توازنات السلطة المقبلة في لبنان. قناعتنا نحن بصفتنا حزبا أن النظام السوري سيسقط، والشعب سوف ينال حريته، وبشار سيصبح من الماضي. ولكن هذا الأمر غير قابل للصرف في لبنان؛ بمعنى الإخلال بالتوازنات الداخلية. يجب على جميع القوى في لبنان أن تعترف أن القوى التي استنجدت بالنظام الحالي في سوريا لتغير التوازنات في لبنان لم تفلح. وإذا كانت هناك أي قوى ستستنجد بأي تغير جديد في سوريا، فإنها لن تفلح أيضا. في جميع الأحوال، القوى المؤيدة للثورة في سوريا أعلنت؛ وفي مقدمتها (رئيس الحكومة السابق) سعد الحريري، أنها لا تريد أن تستغل نتائج الحدث السوري لتغيير التوازنات في لبنان. لذلك نحن ندعو كل الفرقاء السياسيين إلى التخفيف من اندفاعاتهم في ما يخص الشأن السوري، بهذا الاتجاه أو بذاك، فالانتخابات النيابية يجب أن تحصل لأن هناك مخاوف من أن يكون البعض في لبنان يريد أن يقود الوضع إلى تعطيل المؤسسات وربط المصير اللبناني بمصير النظام في سوريا، وبالتالي وضع لبنان في دائرة الخطر.

* يبدو أن هناك خلافا جذريا في ما يخص الانتخابات؛ هناك نظرية المناصفة التي يطالب بها فريق مسيحي واسع ويعبر عنها بالقانون الأرثوذكسي.. كيف تنظر إلى هذه الهواجس وكيف تتم معالجتها؟

- أي قانون انتخابي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار حسن تمثيل كل القوى السياسية، ولكن تخطئ أي من القوى السياسية إذا ظنت أنها تستطيع من خلال قانون انتخاب أن تذهب باتجاه خيارات انتحارية كقرار تقسيم وفيدرالية انتخابية قد تقود إلى فرع آخر من الفيدراليات مستقبلا. المشاريع الانتحارية التي تقدم تضرب العيش المشترك في لبنان. بالنسبة لنا بصفتنا حزبا، القانون الأرثوذكسي هو مادة ابتزاز سياسي، تستعمله قوى «8 آذار» لابتزاز «14 آذار» والوسطيين، لأجل الحصول على مكاسب في قانون الانتخاب المقبل. كان القانون الأرثوذكسي في البداية يستعمل لتخويفنا، أما اليوم، فيستعمل للابتزاز السياسي به.

* ليس فقط «8 آذار»، فـ«القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» هم حلفاؤكم السابقون ويؤيدون هذا القانون المقترح؟

- أخشى أن موقف «القوات اللبنانية» والتيار العوني من «القانون الأرثوذكسي» هو موقف غير انتخابي؛ بل سياسي على قاعدة رغبة في الانفصال عن باقي مكونات المجتمع اللبناني. وإذا عدنا إلى التجارب التاريخية، فربما لا نستبعد هذا الأمر كثيرا. في البداية، كان الأمر مجرد مزايدات، والتسابق على الرأي العام المسيحي، لكن ثبت أن الأمر أكثر من ذلك. وما قامت به «القوات اللبنانية» ضرب روحية «14 آذار» التي تقوم أساسا على الشراكة الإسلامية - المسيحية، وأعتقد أن في المسار الذي سلكته «القوات» هناك ما يشبه الالتحاق الكامل الفكري والسياسي بميشال عون.

* كيف سينعكس ذلك على الانتخابات وهناك مناطق مشتركة بينكم وبين «القوات اللبنانية»؟

- لا علاقة بيننا وبين «القوات» حاليا. العلاقة هي بين تيار المستقبل و«القوات اللبنانية»، وأعتقد أن مرارة تيار المستقبل تتجاوز كل المرارات في ما حصل.