رئيس الصين الجديد يباشر السلطة.. على حبل توازن دقيق

تشي يحكم قبضته على الحزب والجيش والدولة.. ويتجه لممارسة ديكتاتورية ناعمة

تشي (يسار) يوقع أوتوغرافا لمندوبة من الأقليات بحضور رئيس الوزراء الجديد «لي» في مؤتمر البرلمان ببكين أمس (أ.ف.ب)
TT

أنهى الزعيم الجديد للحزب الشيوعي الصيني، تشي جينبينغ، مرحلة الانتقال الرسمي للسلطة، بتوليه رئاسة البلاد، أمس، في اجتماع برلماني بعث بإشارات دالة على أن حكومته ستحاول أن تكون أكثر استجابة لجمهور نفد صبره، مع الدفاع عن سيطرة الحزب من أعلى القيادات إلى أدناها.

بارك المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، تشي رئيسا للبلاد بعد أربعة أشهر من تعيينه أمينا عاما للحزب الشيوعي ورئيسا للجنة العسكرية المركزية، مما يمنحه مناصب في ثلاثة قطاعات رئيسية - الحزب والجيش والدولة - التي من المرجح أن يسيطر من خلالها على مقاليد السلطة على مدى العقد المقبل.

لم يكن هناك أدنى شك على الإطلاق في أن النواب المطواعين للبرلمان السنوي الذي يديره الحزب سيؤيدون تشي بالإجماع لتولي منصب الرئيس. وفضلا عن ذلك، فقد صوتوا أيضا لصالح حليفه لي يوانتشاو نائبا للرئيس. ومن بين النواب البالغ عددهم 2.956 نائبا أدلوا بأصوات صحيحة في قاعة الشعب الكبرى الفخمة، صوت معارض ضد تشي، فيما امتنع ثلاثة عن التصويت.

وبات تشي الآن يواجه توقعات المنافسين في ما يتعلق بكيفية تطبيقه السلطة التي يملكها. ومنذ خلافته هو جينتاو زعيما للحزب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استغل الاجتماعات والخطب والزيارات إلى مدينة ساحلية مهتاجة وقرية يقطنها أشخاص يعيشون في حالة من الفقر المدقع، لإبراز أنه يرغب في تحرير الاقتصاد بقدر ما وإفساح مجال أكبر للمواطنين لانتقاد الحكومة، وقمع فساد المسؤولين الذي أثار غضب المواطنين الصينيين.

إلا أن تشي رفض أي اتجاه لتحرير السياسة مستلهم من النموذج الغربي، وطالب بولاء كامل من المسؤولين والجيش. «أعتقد أنه منجذب لفكرة قيام نوع من الديكتاتورية المستنيرة، أو نظام استبدادي جديد. إنه يرفض الإصلاح السياسي الجوهري، لكنه يرغب في حكومة أطهر يدا وأكثر كفاءة وفعالية تكون أقرب إلى الشعب»، هذا ما قاله لي ويدونغ، رئيس تحرير سابق لمجلة تصدر في بكين ومعلق بارز على القضايا السياسية. ويضيف لي: «أعتقد أنه في النهاية سيكون من الصعب بالنسبة لهم تجنب قضايا الإصلاح السياسي، نظرا لأنه خلاف ذلك، سيكون من المستحيل اقتلاع الفساد من جذوره. الاعتماد على السلطة الشخصية والانقياد التام للحزب والتقاليد لن يحل المشكلات التي يواجهونها».

ومن خلال مقابلته نواب البرلمان هذا الأسبوع، كرر تشي تعهداته بمواجهة النمو الاقتصادي البطيء بتشجيع إنفاق المستهلكين والقضاء على المعوقات التي تحول دون هجرة المزارعين إلى المدن. وأخبر نواب جيش التحرير الشعبي بأن وجود جيش موال قوي يشكل ضرورة لإحياء «حلم الصين».

وفضلا عن ذلك، أظهر أيضا لمسة أكثر ودا تجاه الشعب من سابقه «هو»، السياسي المنضبط بشكل صارم. وفي أعقاب ضجة أثيرت هذا الأسبوع حول العثور على آلاف من جثث الخنازير عائمة على نهر بالقرب من شنغهاي، سلطت وسائل الإعلام الرسمية الضوء على تعليقات تشي الأولى عن تلوث المياه. وقال تشي للمسؤولين بالقرب من بحيرة تاي التي منيت بالتلوث في شرقي الصين، بحسب تقرير إعلامي رسمي: «يتمثل المعيار الذي يطبقه مستخدمو الإنترنت للتعرف على مستوى جودة مياه البحيرات في ما إذا كان بمقدور العمدة المخاطرة بالقفز في المياه والسباحة».

تشي، 59 عاما، هو ابن مسؤول بالحزب الشيوعي خدم تحت قيادة ماو تسي تونغ وأصبح مؤيدا لإصلاحات دينغ شياوبينغ الرامية لعرقلة قواعد الحزب ودعم الأسواق. ويعتبر لي، نائب الرئيس، أيضا ابنا «في منزلة أمير» لأحد الكوادر البارزة في الحزب.

ورأى العديد من المطلعين على بواطن أمور الحزب أن لي كان مؤهلا لشغل مقعد في اللجنة المركزية للحزب المؤلفة من سبعة أعضاء، لكنه استُبعد من القائمة التي أُعلن عنها في نوفمبر الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فإن منصب لي الجديد سيبقيه قريبا من تشي، وربما سيجعله قادرا على التشبث باللجنة الدائمة في مؤتمر الحزب المزمع انعقاده في عام 2017.

وقبل انتهاء الدورة البرلمانية يوم الأحد، سوف يقوم أيضا بتعيين لي كيكيانغ رئيسا للوزراء اليوم الجمعة، خلفا لوين جياباو. وسيعين أيضا فريقا جديدا يضم نوابا لرئيس الوزراء ووزراء ومسؤولين بارزين آخرين.

وقال ياو جيانفو، مسؤول حزبي متقاعد وباحث في بكين: «جميعهم أبناء الحزب. بالنسبة لهم، ليس هناك تعارض بين الدفاع عن سلطتهم وبناء اقتصاد رأسمالي في الصين»، وأضاف قائلا إن تشي «عليه أن ينحاز للتيار اليساري أكثر من اليميني في ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، وإلا فلن يكون قادرا على أن يوطد أركان حكمه على عرش الإمبراطورية».

يمكن القول إنه من الناحية الظاهرية، على الأقل، جمع تشي مقاليد السلطة بصورة أكثر سلاسة من أسلافه. انتظر هو لمدة سنتين تقريبا ما بين عمله زعيما الحزب في أواخر عام 2002 وتوليه رئاسة اللجنة العسكرية المركزية التي كان يرأسها جيانغ زيمين، الذي ظل عقبة أمام «هو». وتفوق على جيانغ لفترة طويلة دنغ شياو بينغ، رجل الدين الذي قام بتعيينه ثم هدد بعزله في وقت لاحق.

وأشار محللون ومسؤولون سابقون إلى أن تشي ورفاقه يواجهون عقبات صعبة تقف حجر عثرة في طريق وعودهم بتحقيق تغييرات: مجموعة من الأسر التي تتمتع بالنفوذ السياسي وتكتلات حكومية، وسكان المدن العاديون الذين يخشون من احتمال أن يهدد التغيير مصالحهم. وقالت جنيفر ريتشموند، التي تحلل القضايا المتعلقة بالصين في معهد «ستراتفور»، وهي مؤسسة مقرها في أوستن بولاية تكساس، وتقدم المشورة في الشؤون السياسية والأمنية: «إن الحديث عن الإصلاح حقيقي. هناك فهم من قبل القيادة الجديدة مفاده أنه لا يمكنها أن تواصل تقدمها بالطريقة التي اعتادت عليها سابقا، لكن هناك كثيرين ممن تضخمت ثرواتهم في النظام القديم وهم الآن جزء من النظام الحالي. ستؤثر التغيرات التي تأتي بها القيادة الجديدة عليهم، ويكمن مصدر الخوف الجوهري في فقدان سلطة الحزب، وهذا غير مقبول سواء كنت محافظا أو إصلاحيا».

عرض البرلمان إشارات للعقبات التي سيواجهها أي تغيير بناء. إن عمليات إعادة تنظيم الوزارات والهيئات الحكومية التي تم التصديق عليها من قبل النواب بدت أقل بكثير مما اقترحه المطلعون على بواطن الأمور السياسية والمحللون قبل عدة أشهر، لا سيما أن سلطات اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بالصين، التي يرى كثير من الاقتصاديين أنها عقبة أمام الإصلاح الحقيقي، بقيت كما هي من دون مساس». وقالت ريتشموند: «عندما يبدأون بالحد من صلاحيات اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أعتقد أن الحديث عن التغيير سيكون حقيقيا». وأخبر تشي جيهونغ، مستشار بارز للقيادة الصينية، صحيفة تصدر في هونغ كونغ تسمى «ون وي بو»، هذا الأسبوع أن تشي وزملاءه يعدون «مخططا» لتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية سيعرض على اجتماع للحزب، ربما في وقت لاحق من هذا العام. ولكن تشي أكد أن التغييرات لا تهدف إلى تقويض سيطرة الحزب على السلطة.

وفي تصريحات لمسؤولين لم تنشر علنا، حذر تشي من الخلط بين آرائه الإصلاحية والديمقراطية المستلهمة من النهج الغربي. وقال تشي في نسخة من تعليقاته التي وزعت بين المسؤولين: «بعض الناس يعرف الإصلاح بأنه اتجاه إلى تبني القيم الغربية والنظام السياسي الغربي فحسب، وإلا فإنه ليس هناك أي إصلاح. إن هذا التعريف ما هو إلا استبدال لفكرة بأخرى على نحو يشوه تصورنا للإصلاح الذي نريده».

* خدمة «نيويورك تايمز»