وزراء خارجية أوروبا يبحثون رفع الحظر عن السلاح للمعارضة السورية الأسبوع المقبل

هولاند يهدد بالإقدام على هذه الخطوة منفردا.. وواشنطن تؤيد تحرك باريس ولندن.. والنمسا تعارض

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مؤتمر صحافي في ختام القمة الأوروبية في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
TT

وسط تهديدات من قبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالتحرك الأحادي في مسألة تسليح المعارضة السورية، كلف قادة الاتحاد الأوروبي وزراء خارجيتهم ببحث ملف رفع حظر السلاح الذي يفترض أن يستمر حتى نهاية مايو (أيار) المقبل، في اجتماع يعقد الأسبوع المقبل في العاصمة آيرلندا التي تتولى حاليا رئاسة الاتحاد.

وقال هولاند إن فرنسا مستعدة «لتحمل مسؤولياتها» ولا تستبعد تقديم أسلحة إلى المعارضة السورية في حال لم تتوصل إلى إقناع شركائها الأوروبيين بذلك. ويبرر هولاند خطوته هذه بتلقي تأكيدات من المعارضة السورية بأن أي أسلحة ترسل لمقاتليها لمساعدتها في سعيها لإسقاط الرئيس بشار الأسد ستصل إلى الأيدي الصحيحة. وقال هولاند في ختام القمة «في ما يتعلق بتقديم أسلحة.. فإن إعطاء أفضل إجابة يتطلب أن تقدم المعارضة كل الضمانات اللازمة». وأضاف «ولأننا تلقينا هذه (الضمانات) فإننا نستطيع تصور رفع الحظر. لدينا تأكيد بشأن استخدام هذه الأسلحة».

يأتي هذا في ختام القمة التي استضافتها بروكسل وشهد اليوم الثاني والأخير فيها مناقشة ملف حظر السلاح رغم استمرار تباين واضح في المواقف بين الدول الأعضاء رغم تخفيف ألمانيا من معارضتها الشديدة لرفع الحظر.

في غضون ذلك، وعلى نحو يوحي بوجود تباينات في المواقف داخل الإدارة الأميركية التي يرفض رئيسها فكرة تسليح المعارضة ويدعو وزير خارجيتها جون كيري للحوار بين الرئيس بشار الأسد والمعارضة، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «سندعم بالتأكيد كل أشكال المساعدة للمعارضة السورية التي تتحدث عنها علنا فرنسا وبريطانيا». وقالت «بالتأكيد يعود إلى الاتحاد الأوروبي أن يتخذ القرار، لكننا نعلم أن بعض الحكومات تريد القيام بالمزيد ونحن نشجعها على مواصلة الحوار داخل الاتحاد الأوروبي لكي تتمكن من القيام بالمزيد». غير أن نولاند أبقت الغموض على موقف واشنطن من موضوع إمكان تقديم أسلحة للمعارضة السورية من قبل دول أوروبية.

وفي بروكسل، قال هرمان فان رومبوي، رئيس مجلس الاتحاد «ناقشنا الحالة الدرامية في سوريا، ونتعهد باستمرار التعاون الأوروبي مع الجهود الدولية الرامية لوقف العنف في هذا البلد وتفادي سقوط المزيد من الضحايا». ولمح فان رومبوي إلى أن ملف حظر السلاح طرحته دول أعضاء خلال المناقشات، وتقرر تكليف وزراء الخارجية ببحث هذا الأمر وتحديد الأولويات والإمكانيات المختلفة في هذا الصدد خلال الاجتماع غير الرسمي المقرر في دبلن الأسبوع المقبل للوصول إلى موقف موحد.

وتزامنت القمة الأوروبية ببروكسل مع الذكرى الثانية لانطلاق الثورة السورية، وربما كان ذلك ملهما لبعض القادة لطرح الملف على أجندة القمة، خاصة في ظل تباين مواقف الدول الأعضاء بشأن تسليح المعارضة. ففي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش القمة قال غراهام واطسون، رئيس الكتلة الليبرالية بالبرلمان الأوروبي «لا يوجد توافق على مستوى القادة حول مسألة رفع الحظر عن السلاح، ويمكن أن ننظر للأمر بشكل مختلف عما تنظر إليه شركات تصنيع السلاح في بريطانيا وفرنسا التي تضغط على حكوماتها في هذا الصدد». وأضاف «يمكن التركيز على المساعدات الإنسانية للاجئين خارج وداخل سوريا، وخلال ذلك نمد المعارضة بمواد وتقنيات للدفاع عن النفس وحماية المدنيين».

وكان هولاند قد أعرب عن أمله في رفع الحظر المفروض على توريد السلاح لسوريا للسماح بتسليح المعارضة، مؤكدا أن «فرنسا وبريطانيا متفقتان على الأمر، ويتعين على باقي الدول أن تقتنع بذلك»، محذرا من أن بلاده قد تسير في هذا الاتجاه بمفردها.

في المقابل، أعلن المستشار النمساوي فيرنر فايمان معارضته «لرفع الحظر»، لأن تسليم أسلحة «لن يسهم في وضع حد للنزاع». وحذر في الوقت نفسه «الذين في الجانب الآخر» ممن يدعمون نظام بشار الأسد من «تسليمه المزيد من الأسلحة».

وقال رئيس الوزراء الفنلندي ياركي كاتاينين إن القرار في هذا الأمر متروك لوزراء خارجية الاتحاد، موضحا «حتى الآن لدينا خط سياسي ثابت جدا بشأن هذه القضية، ولا أتوقع تغييرات كبيرة في هذا الخط»، معربا عن أمله في التزام بريطانيا وفرنسا بالموقف المشترك.

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فدعت الليلة قبل الماضية إلى التزام الحذر. وقالت «علينا أن نتنبه» من إمكانية «تسلم النظام مزيدا من الأسلحة من الدول» التي تدعمه. وحذر وزير خارجيتها غيدو فسترفيلي من اتخاذ خطوات غير مدروسة في إطار بحث احتمال توريد أسلحة للمعارضة السورية.

وأمام هذا الانقسام الواضح في المواقف، طالب رئيس وزراء لوكسمبورغ، جان كلود يونكر، الدول الأعضاء بالحديث «بصوت واحد والكف عن إطلاق تصريحات متناقضة»، وقال «سأطالب زعماء ورؤساء حكومات أوروبا باتخاذ مواقف موحدة ومنسقة تجاه قضايا السياسة الخارجية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» ببروكسل، وفي تعليق على وجود نية لتحرك فرنسي بريطاني في اتجاه تسليح المعارضة السورية، قالت متحدثة باسم كاثرين أشتون، منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إن الدول الأعضاء وافقت مؤخرا على تمديد الحظر لثلاثة أشهر تنتهي في مايو المقبل، وتخفيف القيود على معدات غير قتالية والمساعدة التقنية للمعارضة من أجل حماية المدنيين، كما أن الدول الأعضاء وافقت على إبقاء الموضوع قيد الاستعراض. وأضافت مايا كوسيانتيش أن الدول الأعضاء ستستمر في العمل في هذا الاتجاه مع مراعاة التطورات على أرض الواقع، وإذا أرادت إحدى الدول الأعضاء إعادة طرح الموضوع للمناقشة من جديد فيمكن أن يحدث ذلك بعد أن تتقدم الدولة بإدراج الملف في جدول أعمال المجلس الأوروبي، وهو الأمر الذي أكدته أشتون. وتابعت كوسيانتيش القول إنه عندما يتم طرح موضوع حظر الأسلحة على جدول أعمال المجلس تكون كل الخيارات مطروحة للنقاش، ومن حق أي دولة عضو أن تطلب رفع الحظر عن تسليح المعارضة، وما حدث خلال الاجتماع الوزاري الأخير أن كل الدول الأعضاء أرادت التأكد من الإمكانيات المتاحة لوصول الدعم والمعدات غير القاتلة لمساعدة المدنيين.

ورغم هذا التباين في المواقف لا يزال هناك إجماع بل قناعة أوروبية بضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة وليس التحرك باتجاه حرب شاملة، وفي الوقت نفسه التركيز على المساعدات الإنسانية في ظل الظروف الصعبة والدراماتيكية في سوريا. ويواصل الاتحاد الأوروبي العمل في اتجاه تقديم المساعدة لإيجاد حل سياسي للخروج من الأزمة. وخلال مداخلة لها أمام البرلمان الأوروبي جددت أشتون دعوتها إلى الرئيس السوري للتنحي، مشددة في الوقت نفسه على أنه لا يمكن التدخل العسكري في سوريا من دون موافقة مجلس الأمن الدولي على ذلك.