«إخوان مصر» يسعون لعرقلة إعلان أممي يناهض «العنف ضد المرأة» ويعتبرونه «مدمرا للمجتمع»

الوفد الرسمي للدولة وصف بيان الجماعة بالـ«خادع».. ومصادر أكدت عدم تحفظ القاهرة على بنود الوثيقة

TT

دخلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر والقوى المدنية المناهضة لها في صراع جديد حول إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق المرأة، وبينما شنت الجماعة التي باتت في سدة الحكم في البلاد، هجوما حادا على الإعلان الأممي، محذرة من أنه «يدمر المجتمع»، قال وفد مصر الرسمي المشارك في المؤتمر إن بيان الإخوان «ادعاء خادع واستخدام سيئ للدين لتشويه الأمم المتحدة، ولمنع أي حقوق للمرأة»، فيما أكدت مصادر بالمجلس القومي للمرأة أن القاهرة لم تتحفظ على أي من بنود الوثيقة.

وقدمت الجماعة التي ينتمي لها الرئيس محمد مرسي عشر نقاط تبرر رفضها لوثيقة مفوضية الأمم المتحدة بشأن وضع المرأة، داعية حكام الدول الإسلامية ووزراء الخارجية فيها وممثليها لدى هيئة الأمم المتحدة إلى رفض هذه الوثيقة وإدانتها.

وقالت جماعة الإخوان في بيانها الذي بثته على موقعها الرسمي بشأن المؤتمر الذي أقيم تحت عنوان «إلغاء ومنع كل أشكال العنف ضد النساء والفتيات» بنيويورك، إن الإعلان يعطي الفتيات الحرية الجنسية ويضفي الصبغة القانونية على الإجهاض، ويتيح للمراهقات الحصول على وسائل منع الحمل، ويحقق المساواة للنساء في الزواج، ويلزم الرجال والنساء بتقاسم الواجبات، مثل رعاية الأطفال والأعمال المنزلية.

كما انتقد البيان ما قال إنه «مساواة الزانية بالزوجة، ومساواة أبناء الزنا بالأبناء الشرعيين مساواة كاملة في كل الحقوق، إعطاء الشواذ كل الحقوق وحمايتهم واحترامهم، وأيضا حماية العاملات في البغاء، والتساوي في الميراث بين الرجل والمرأة».

في المقابل، نفت السفيرة ميرفت التلاوي رئيسة المجلس القومي للمرأة، التي تترأس وفد مصر في المؤتمر، صحة الاتهامات التي أوردتها جماعة الإخوان في بيانها، قائلة في بيان لها إن «بيان الجماعة لا يحمل أي مصداقية وليس له أساس من الصحة، حيث لم تتحدث الوثيقة عن الميراث أو الطلاق أو القوامة أو السماح بزواج المسلمة من غير المسلم، ومنح الفتاة الحرية، أو إعطاء الشواذ كافة الحقوق».

وتشتكي القوى المدنية في البلاد من موقف التيار الإسلامي المتشدد تجاه «حقوق المرأة»، خاصة بعد تحفظ أنصار القوى الإسلامية، التي هيمنت على جمعية صياغة الدستور الجديد في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، على منح المرأة تمييزا إيجابيا فيه، أو النص صراحة على منحها حقوقا مساوية للرجل.

وانضمت مصر إلى إيران وروسيا والفاتيكان في التهديد بتقويض إعلان حقوق المرأة بالاعتراض على اللغة التي يتضمنها بشأن الحقوق الجنسية والإنجابية وحقوق المثليين، وهو ما دفع التلاوي للتحذير مما اعتبرته «معاداة لجميع الدول والمنظمات الدولية والابتعاد عن الوسطية التي طالما ميزتها»، قائلة إنه «ليس في صالح مصر إصدار مثل هذه الأكاذيب».

ولم يتحفظ الوفد الرسمي المصري على الوثيقة الجاري إعدادها في الدورة الـ57 للجنة المرأة، بحسب مصادر مطلعة، وأكدت رئيسة الوفد ميرفت التلاوي أن الإعلان يستند للشريعة الإسلامية.

وقال مسؤول حكومي مصري تحدثت معه «الشرق الأوسط» أمس بشأن الموقف الرسمي لبلاده إن «الحكومة لا تضطلع بهذا الأمر.. الأمر من اختصاص المجلس القومي للمرأة».

وقالت مصادر في المجلس القومي للمرأة إن هناك حالة من الارتباك داخل الوفد المشارك في المؤتمر.. «حتى الآن لا تزال النقاشات جارية.. رغم عدم تحفظنا على الوثيقة».

ويملك حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، أغلبية مقاعد مجلس الشورى المنوط به سلطة التشريع مؤقتا، وهو أيضا ممثل بعدد من الوزراء في الحكومة التي شكلها الرئيس مرسي الذي ترأس حزب الحرية والعدالة قبل توليه السلطة منتصف العام الماضي.

ونقلت وكالة رويترز على لسان دبلوماسيين أن مصر اقترحت تعديلا يسمح للدول بأن تتفادى تنفيذ الإعلان إذا تعارض مع قوانينها الوطنية أو قيمها الدينية أو الثقافية، وهو ما اعتبره الدبلوماسيون تقويضا للإعلان برمته، لكن متحدثا رسميا بالمجلس القومي للمرأة نفى أن يكون الوفد المصري قد تقدم بهذا المقترح.

ولا تزال المباحثات جارية للتوصل إلى صيغة نهائية للإعلان حتى كتابة هذا التقرير، ويظهر تعارض وجهات النظر الهوة الشاسعة التي يجب تجاوزها خلال المفاوضات بشأن الإعلان الذي يركز هذا العام على إنهاء العنف ضد النساء والفتيات. وفي العام الماضي منعت خلافات مماثلة المفوضية من الاتفاق على إعلان خاص بتمكين نساء الريف.

وكان ائتلاف من جماعات عربية لحقوق الإنسان، من مصر ولبنان وفلسطين والأردن وتونس، قد دعا في بيان صدر أول من أمس، الدول في مفوضية الأمم المتحدة بشأن وضع المرأة إلى التوقف عن استخدام الدين والثقافة والتقاليد لتبرير إساءة معاملة المرأة.

وقال البيان الذي أصدره ائتلاف الحقوق الجنسية والجسدية في المجتمعات الإسلامية: «المواقف الحالية التي اتخذتها بعض الحكومات العربية في هذا الاجتماع من الواضح أنها لا تمثل آراء وتطلعات المجتمع المدني أو أفضل الممارسات فيما يتعلق بالقضاء على العنف ضد النساء والفتيات داخل دولنا ومنعه».

وقال المجلس القومي في مصر عبر بيان أصدره أمس إن وثيقة الدورة 57 للجنة المرأة بنيويورك تبحث منع العنف ضد المرأة من خلال تحسين التشريعات وتوفير الحماية وجمع الإحصاءات والبيانات، مشيرا إلى أنه من المؤكد أن الدين الإسلامي لا يحض على العنف ضد المرأة.

في المقابل، قال أحمد عارف المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين لـ«الشرق الأوسط» إن جماعة الإخوان أعلنت بشكل استباقي انتقادها للبنود التي قد تتصدر مثل هذه المواثيق من تجاوزات إسلامية، وأهابت بحكام الدول ووزرائها وممثليها في الأمم عدم التوقيع على الوثيقة إذا ضمت ما أشرنا إليه».

وأضاف عارف، ردا على بيان المجلس القومي للمرأة، قائلا إن «بيان الإخوان موجه إلى لجنة المرأة في الأمم المتحدة وليس إلى المجلس القومي للمرأة في مصر.. فبأي حق جعل المجلس من نفسه خصما لنا وأصدر بيانه؟».

وتابع عارف: «لسنا الجهة الوحيدة التي انتقدت الوثيقة، بل هناك أيضا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وليبيا وعدة دول مسلمة أخرى»، مشيرا إلى أن العنوان الذي اختاره المؤتمر، وهو «الدفاع عن حقوق المرأة»، خادع ويتضمن بنودا تتصادم مع مبادئ الإسلام وثوابته المقررة بالقرآن والسنة، ودعا مؤسسة الأزهر إلى استنكار هذه الوثيقة وبيان موقف الإسلام من تفاصيلها.