الرئيس الفرنسي يكسر مجددا «صورته النمطية»

مصادر دبلوماسية فرنسية: تسليح المعارضة السورية استمرار «طبيعي» لمواقف هولاند

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (رويترز)
TT

لم يفاجئ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نظراءه الأوروبيين عندما طالب برفع حظر توريد السلاح للمعارضة السورية وحسب، بل فاجأ شعبه أيضا.

فللمرة الثانية في أقل من ثلاثة أشهر، حطم هولاند «الصورة النمطية» المعروفة عنه؛ لم يتحاشَ الحسم، ولم يتهرب من اتخاذ القرار، ولم يبحث عن الحل التوافقي، بل هدد في اليوم الأول من القمة الأوروبية في بروكسل، الخميس الماضي، باللجوء إلى تصرف «أحادي الجانب» في حال لم يلقَ طلبه برفع الحظر آذانا صاغية عند صناع القرار الأوروبيين.

وكانت المرة الأولى التي كسر فيها هولاند «الصورة النمطية» المرسومة عنه في مخيلة شعبه في مطلع هذا العام عندما قرر إرسال قوات فرنسية لمنع مقاتلي الشمال في مالي من الزحف نحو العاصمة باماكو ووضع اليد على كل البلاد.

والمرة الثانية كانت لدى وصوله لحضور قمة دول الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي عندما قال: «نريد من الأوروبيين أن يرفعوا الحظر المفروض على السلاح.. نحن مستعدون لدعم المتمردين، لذا نحن مستعدون للذهاب إلى هذا المدى».

وتقول مصادر دبلوماسية فرنسية إن ما طالب به هولاند «استمرار طبيعي للمواقف التي التزمها في الملف السوري» منذ وصوله إلى قصر الرئاسة ربيع العام الماضي، وتذكر أنه «كان أول من طرح موضوع تسليح المعارضة السورية» أواخر العام الماضي، وطلب من وزير الخارجية لوران فابيوس نقل الملف إلى مجلس وزراء الخارجية الأوروبيين في اجتماعاتهم الدورية.

كذلك، تضيف المصادر ذاتها: «كان هولاند أول رئيس غربي يستقبل رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب، ويعترف به (ممثلا شرعيا وحيدا) للشعب السوري، ويقبل تعيين أول (سفير) للمعارضة في العالم بشخص منذر ماخوس».

وتعتبر المصادر الفرنسية أن هولاند حقق في بروكسل نجاحين دبلوماسيين على الأقل؛ الأول أنه «فرض ملف تسليح المعارضة» السورية على نظرائه على الرغم من أنه لم يكن مدرجا على جدول أعمال القمة المخصصة أساسا للشؤون المالية والاقتصادية الأوروبية. والثاني أنه دفع الاتحاد إلى «اختصار» فترة الأشهر الثلاثة التي تنتهي بنهاية شهر مايو (أيار) المقبل، من أجل إعادة النظر في موضوع الحظر المفروض على إرسال السلاح إلى سوريا، وهو ما كان قرره وزراء الخارجية، أواسط الشهر الماضي.

ووجد هولاند في شخص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «حليفا موضوعيا» لحمل أوروبا على تغيير موقفها على الرغم من أن ألمانيا وقفت حتى الآن على الضفة الأخرى برفضها خيار التسليح، واعتبارها أنه سيزيد الأمور استفحالا، مدعومة في ذلك من دول شمال أوروبا ودول أخرى مثل بلجيكا والنمسا واليونان.

ويقوم موقف باريس، كما شرحته المصادر الفرنسية، على اعتبار أن الحرب تراوح مكانها، والحل السياسي لن يتحقق لأن النظام السوري يرفضه طالما يتمتع بدعم سياسي وعسكري ومالي روسي وإيراني، وطالما أنه يعتبر أنه قادر على المقاومة والبقاء باستخدام الأسلحة الأكثر فتكا.

وعليه، تقول باريس إن الطريق الوحيد للخروج من هذا الوضع هو إحداث تعديل في موازين القوى ميدانيا بتمكين المعارضة من الدفاع عن نفسها وحماية المناطق «المحررة». وبرأيها أن التسليح هو الطريق للحل السياسي، رافضة الحجج التي تقول إنها ستؤجج الحرب أو أن السلاح سيصل إلى «الأيدي الخطأ»، في إشارة إلى الحركات الجهادية، مثل جبهة النصرة وأخواتها.

وقال هولاند في بروكسل إنه تلقى «تطمينات» لذهاب السلاح النوعي إلى جهات «محل ثقة». وبأي حال، تؤكد باريس أن أحد العوامل المتوافرة لدعم الأجنحة المعتدلة داخل الثورة السورية يكمن في تقويتها عسكريا وسياسيا حتى تثبت قدراتها ميدانيا ومساعدة الائتلاف الوطني على فرض حضوره في المناطق المحررة من خلال مرور المساعدات الدولية عبره.

وسبق لباريس أن تبنت الحجة التي حملها اللواء سليم إدريس، رئيس أركان الجيش السوري الحر، عند زيارته العاصمة الفرنسية ثم بروكسل، إذ أكد أن حظر السلاح «لا يصيب سوى المعارضة»، باعتبار أن السلاح الروسي والإيراني يتدفق على النظام.

وأخيرا، شدد هولاند على أن أعظم المخاطر هو «الإحجام عن القيام بأي شيء، إذ إنه سيؤدي إلى الفوضى». أما الحجة القائلة إن توريد السلاح للمعارضة يعني «تدويل النزاع» فإن باريس ترد عليها بالقول إن النزاع مدوّل منذ زمن، وخطره يكمن في تمدده إلى بلدان الجوار وعلى رأسها لبنان.

وبعكس التحليلات التي تربط بين التشدد الفرنسي في موضوع السلاح وخوف باريس من «صفقة» ثنائية أميركية - روسية تكون هي خارجها، تؤكد المصادر أن ثمة تفاهما قائما بين العاصمتين الأميركية والفرنسية، وأن واشنطن لا تعارض هذا التوجه، بل إنها «تتفهمه».

أما من يتهم هولاند باستخدام ورقة التسليح لحرف الأنظار عن المشكلات السياسية والاجتماعية الداخلية، فترد عليه المصادر الفرنسية بأن تزعم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي للتحالف الدولي الذي أطاح نظام العقيد القذافي في ليبيا لم يحمِه من خسارة الانتخابات الرئاسية الربيع الماضي.