أجواء حلبجة ما زالت مسمومة رغم مرور 25 عاما على قصفها بالسلاح الكيماوي

كردستان تستعيد ذكرى القصف.. وتنتقد صمت المجتمعين الإسلامي والدولي

كردية تبكي وهي تتأمل صور ضحايا القصف الكيماوي لحلبجة في معرض بالبلدة المنكوبة أمس (أ.ف.ب)
TT

استعادت كردستان أمس الذكرى السنوية لقصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيماوية وسط مراسيم شعبية وحكومية في أنحاء الإقليم انطلقت من المدينة المنكوبة بحضور دولي وعربي وعراقي مكثف، وتحت رعاية رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني الذي تعهد بتحويل حلبجة من قضاء إلى محافظة رابعة بالإقليم.

وفي وقت وجه فيه بارزاني انتقادات شديدة إلى الأمم المتحدة والمجتمعين الدولي والإسلامي لسكوتهم على الجريمة عندما نفذها النظام السابق، وعدم تعريف تلك الجريمة كإبادة جماعية في الوقت الحاضر، فإنه جدد شكره وتقديره إلى جمهورية إيران الإسلامية على مساعداتها الجرحى واللاجئين إليها أثناء القصف، وإرسالها البعثات الصحافية لتوثيق صور الجريمة وبثها إلى العالم الخارجي في تلك الفترة.

وكانت المدينة التي عاش فيها خمسون ألف نسمة في ذلك الوقت قد نزح معظم سكانها قبل بدء القصف بساعات، وتعرضت إلى ضربة كيماوية بغازات (في إكس والخردل والتابون والسارين) قدرت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان حجمها بأكثر من خمسمائة طن من المواد القاتلة، وأسفرت الضربة عن وقوع خمسة آلاف قتيل خلال نصف ساعة فقط، وإصابة أكثر من عشرة آلاف من السكان المدنيين بجروح وما زالت آثار الغازات تسبب مضاعفات مرضية للكثير منهم، حيث تتفشى الأمراض السرطانية وغيرها من الأمراض المستعصية بين صفوف الناجين من تلك الجريمة.

وكانت برلمانات النرويج والسويد وبريطانيا قد اعترفت بجريمة حلبجة كجريمة إبادة شاملة، ويستعد كل من البرلمانين الألماني والكندي لاعتراف مماثل، فيما تسعى وفود من حكومة الإقليم تقوم بجولة حاليا في دول أوروبية لانتزاع اعتراف برلماني فنلندا والدنمارك وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي بهذه الجريمة كإبادة بشرية، تمهيدا لحث الاتحاد الأوروبي ثم مجلس الأمن الدولي لاعتراف مماثل. وكانت المحكمة الجنائية العليا العراقية قد أصدرت قرارا باعتبار الجريمة «إبادة بشرية»، واعترف البرلمان العراقي بذلك القرار. وفي كلمته التي ألقاها بمراسيم الاحتفال المركزي بهذه المناسبة في مدينة حلبجة يوم أمس، تساءل نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم عن أسباب تردد المجتمع الدولي والمجتمع الإسلامي عن الاعتراف بهذه الجريمة كإبادة بشرية، وقال «ماذا كان المجتمعان الدولي والإسلامي ينتظران من الكرد أكثر من تعرضهم إلى حملات القتل الجماعي بقصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية وتنفيذ عمليات الأنفال والقتل الجماعي للبارزانيين، حتى يعترفا بتلك الجريمة كإبادة بشرية؟ لقد التزم الجميع جانب الصمت تجاه هذه الجريمة عند وقوعها، ولو صدرت عنهم أصوات الاحتجاج لما تجرأ النظام السابق باقتراف جريمة أكبر من ذلك، وهي عمليات الأنفال التي أودت بحياة أكثر من 182 ألف مواطن كردي مدني».

وأكد رئيس حكومة الإقليم أن من واجب حكومته تفعيل وتيرة المشاريع الخدمية للمدينة المنكوبة، وقال «سنتحقق من جميع المقترحات المقدمة إلينا بهذا الشأن، ونتعهد بأن نعمل على زيادة الصلاحيات الإدارية للقضاء، وأن نسعى بجدية لجعله محافظة أخرى، وقد بحثنا هذا الموضوع مع نائب رئيس الحكومة، وهناك بعض الإجراءات القانونية سيتم بعدها إصدار القرار بهذا الشأن».

من جانبه أكد الدكتور برهم صالح، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، في رسالة وجهها بمناسبة ذكرى القصف «إنه بعد 25 سنة من محاولة النظام السابق القضاء على الحياة في هذه المدينة، نرى أن سكانها يسعون اليوم إلى بناء حياتهم مرة أخرى، وعلى الرغم من مرور ربع قرن على تلك الجريمة فما زالت الجراح نازفة، والآلام مستمرة، ما يفرض علينا كقيادة للإقليم أن نسعى لإحياء هذه المدينة وإعادة الطمأنينة إلى سكانها، وأن نعمل على رفع مستوى الخدمات المقدمة إليهم وفق مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل لكي نعوضهم، ونفي بالدين الذي في أعناقنا تجاه تضحيات شهدائها وتحمل آلام جرحاها».

وكان رئيس الإقليم مسعود بارزاني قد تحدث بدوره عن جريمتي القصف الكيماوي وحملات الأنفال وقال أثناء مشاركته في المؤتمر الدولي الأول حول جرائم الإبادة البشرية بكردستان «نحن نعلم أن حكومة العراق الحالية ليست مسؤولة عما تعرض له الكرد من جرائم الإبادة الجماعية، لأن النظام الديكتاتوري المباد هو الذي اقترف تلك الجرائم، ولكن الحكومة الحالية تتحمل جزءا من المسؤولية القانونية التي تفرض عليها أن تقوم بمهامها ومسؤولياتها، وتلتزم بالقرار الذي أصدره مجلس النواب العراقي بخصوص تعريف ما تعرض له الكرد بإبادة جماعية، فهذه الكارثة مفجعة جدا وتترك آثارها النفسية حتى على الأجيال المقبلة، وهذا أمر يستوجب القيام بأداء المهام وكذلك تعويض أبناء شعب كردستان». وحمل بارزاني المجتمع الدولي جانبا من المسؤولية بقوله «لهذه الكارثة مسؤولية دولية أيضا، لأن كثيرا من الدول قدمت العون والمساندة للنظام الديكتاتوري، وكثير من شركات تلك الدول ساعدت ذلك النظام لصنع السلاح الكيماوي، ذلك السلاح الذي استشهد جراء استخدامه 5000 من نساء وأطفال حلبجة في لحظات، فهذه مسؤولية جسيمة، وحملات الإبادة كانت كارثة كبيرة تم تتويجها في حلبجة».

في غضون ذلك كشفت مصادر محلية أن «أجواء المدينة وبعد مرور ربع قرن على تنفيذ جريمة القصف الكيماوي فيها، ما زالت مسمومة». فقد كشف رئيس جمعية ضحايا القصف الكيماوي بحلبجة لقمان عبد القادر وهو أحد الناجين من الجريمة أنه أراد في الفترة الأخيرة تربية عدد من الدواجن بقبو منزله، ولكنه بعد فترة وجيزة وجدها قد نفقت، وعندما كرر المحاولة مرة أخرى خرج بنفس النتيجة، وحاول التحقق من الموضوع باستقدام عدد من الفرق الطبية التي تأكدت أن منزله ما زال تحت تأثير الغازات التي استخدمت أثناء القصف الكيماوي قبل ربع قرن.