مصر توقع رسميا على وثيقة دولية لوقف العنف ضد المرأة

البرادعي أشاد بها والإسلاميون وصفوها بـ«الفاسدة» والإخوان بانتظار الاطلاع على صيغتها النهائية

TT

وقعت مصر الليلة قبل الماضية رسميا على الصيغة النهائية لوثيقة أممية لوقف العنف ضد المرأة. وقالت السفيرة ميرفت التلاوي التي تترأس وفد بلادها في المؤتمر المنعقد بنيويورك، إن «الدول المشاركة في الدورة الـ57 للجنة الأمم المتحدة لوضع المرأة توافقت بالإجماع على الصيغة النهائية للوثيقة الدولية لوقف العنف ضد المرأة، بعد أن استجابت الدول المتقدمة لحذف 4 قضايا كانت محل خلاف».

وأضافت التلاوي التي تشغل أيضا منصب الأمين العام للمجلس القومي للمرأة في بيان لها أمس، أن «مصر وافقت على الوثيقة بعد اشتراط أن يتم تنفيذها طبقا للتشريعات والقوانين الخاصة بكل دولة مع مراعاة التقاليد الخاصة بكل مجتمع».

من جانبه، أشاد الدكتور محمد البرادعي، المنسق العام لجبهة الإنقاذ المعارضة، بإقرار الوثيقة، قائلا في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، «بالإجماع إقرار وثيقة مناهضة العنف ضد المرأة الذي لا يمكن تبريره بدعوى العرف أو التقاليد أو الدين.. تحية وتقدير لميرفت التلاوي ولكل نساء مصر».

وأثارت الوثيقة جدلا واسعا في البلاد، واعتبرتها قوى إسلامية، على رأسها جماعة الإخوان، بمثابة تهديد لقيم المجتمع. وسعت الجماعة إلى عرقلة الوثيقة وأصدرت بيانا من عشر نقاط لتفنيدها.

من جانبه، نفى الدكتور محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، اطلاعه على الوثيقة بصورتها النهائية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كلفت البعض بالحصول على الوثيقة للاطلاع عليها». وتابع: «لا أتصور مطلقا أن مصر توقع على الوثيقة بالصورة السيئة التي استنكرتها جماعة الإخوان. وقال إن «الأزهر نفسه رفض الوثيقة واستنكرها بشدة واتحاد علماء المسلمين ودار الإفتاء الليبية أيضا، فليس من المعقول أن توقع عليها هذه الدول وكل هؤلاء يستنكرونها».

من جانبه، رفض مسؤول بمؤسسة الأزهر الوثيقة، قائلا إنها تتصادم مع مبادئ الإسلام وثوابته المقررة بالقرآن والسنة والإجماع، مشيرا إلى أن مشيخة الأزهر تدرس إصدار وثيقة جديدة قريبا للرد على وثيقة الأمم المتحدة.

وشارك أكثر من ستة آلاف مندوب من المجتمع المدني في الدورة السابعة والخمسين للجنة الأمم المتحدة لوضع المرأة، والتي بدأت في الرابع من مارس (آذار) واختتمت فعالياتها الليلة قبل الماضية.

وقال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، إن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعهدت بـ«التحرك لمنع العنف وضمان العدالة والخدمات لضحايا» العنف ضد النساء الذي وصفه بأنه «تهديد شامل» و«عار أخلاقي»، فيما قال دبلوماسيون، إن إيران والفاتيكان وروسيا ودول مسلمة شكلت تكتلا لفرض معايير قاسية بشأن العنف ضد النساء والبنات. ورفضت هذه الكتلة أي إشارات إلى حقوق الإجهاض، وأي لغة تتحدث عن اغتصاب المرأة من قبل زوجها أو شريكها.

وقالت جماعة الإخوان إن الوثيقة منافية للإسلام، وحذرت من أنها يمكن أن تؤدي إلى «انهيار كامل للمجتمع». لكن الممثلة الرسمية لمصر أيدتها، وقالت إن الإعلان ضروري للتصدي «لتيار محافظ ولقمع النساء».

وأضافت التلاوي أن «الوثيقة الآن في الطريق لاعتمادها من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصبح التزاما أدبيا على الدول تنفيذها طبقا لقوانينها الوضعية الداخلية». وأوضحت أن أهم البنود التي جرى التوقيع عليها، كانت دعم تطبيق السياسات والتشريعات الوطنية لمكافحة العنف، والإسراع في تطبيق القوانين والتشريعات وتنفيذ الخطط الوطنية التي تعمل على خفض معدلات العنف ضد المرأة والفتيات. وتحديد أسبابه، ومعوقات التصدي له، وتطبيق القوانين والسياسات والبرامج التي تهدف إلى خفضه، والتأكيد على تحقيق المساواة في التعليم والصحة والتأمين الاجتماعي والحقوق الإنسانية، والعمل مع المجتمع المدني، ودعم الخدمات المقدمة لضحايا العنف، وتقديم خدمات متنوعة وشاملة لمواجهة كل أشكال العنف الموجه ضدها، وتحسين قواعد البيانات وإجراء البحوث والدراسات وتحليل أسباب العنف.

ورفض علماء بالأزهر تحدثت معهم «الشرق الأوسط» أمس بنود وثيقة المرأة، قائلين إنها تمنح الفتاة الحرية الجنسية، مع توفير وسائل منع الحمل للمراهقات وتدريبهن على استخدامها، وإباحة الإجهاض للتخلّص من الحمل غير المرغوب فيه، فضلا عن مساواة الزانية بالزوجة، ومساواة أبناء الزنا بالأبناء الشرعيين مساواة كاملة في كل الحقوق، وهو ما نفته التلاوي نفيا قاطعا.

وقال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن «الوثيقة التي يعدها الأزهر حاليا ستكون خير رد على وثيقة الأمم المتحدة، التي تسعى إلى هدم الأسرة المسلمة»، لافتا إلى أن وثيقة الأمم المتحدة مرفوضة لأنها ضد قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية، واصفا إياها بـ«الخبيثة»، نظرا لكونها تحرّض المرأة في المجتمعات الإسلامية على التحلل من قيمها، بدعوى أنها مهمشة ومواطنة من الدرجة الثانية.

وقالت مصادر بمشيخة الأزهر إن «مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر انتهى من دراسته لوثيقة المرأة وسلمها لهيئة كبار العلماء (أعلى هيئة إسلامية بالأزهر) لمراجعتها وإقرارها بشكل نهائي. وأضافت المصادر أن «السبب في تأخير إصدار وثيقة المرأة التي أعلن الأزهر عنها منتصف العام الماضي، يرجع إلى وجود نقاط خلاف حول إقرار الحجاب وجعله من الأمور الإجبارية أو الاختيارية للمرأة، ومسائل أخرى تتعلق بقضية الطلاق، وغيرها من النقاط الخلافية». وقالت هيئة كبار العلماء في بيان لها، إن «الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قرر الإعلان عن وثيقة جديدة للمرأة في هذا التوقيت ردا على ما جاء في وثيقة الأمم المتحدة، التي تتضمن ما قالت الهيئة إنه «مخالفات صريحة للإسلام ومنها مساواة النوع وحق ممارسة الجنس». وأشار بيان كبار العلماء إلى أن ما يقرب من 30 شخصية تمثل كافة التيارات السياسية والمجتمعية، وبينها حزب الحرية والعدالة الحاكم وعدد من المثقفين، شاركوا في مناقشة وثيقة المرأة التي وضعها الأزهر.

وأدان حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية الوثيقة. وقال هشام النجار عضو اللجنة الإعلامية بالحزب إن «الوثيقة تتضمن بنودا خطيرة من شأنها تفكيك بنيان الأسرة وتمزيق نسيجها، فهي تدعو لمنح الفتاة الحرية الجنسية الكاملة وحرية اختيار جنسها وحرية اختيار جنس الشريك مع رفع سن الزواج وتوفير وسائل منع الحمل للمراهقات وتدريبهن على استخدامها، وإعطاء الشواذ كامل حقوقهم وتعزيز مكانتهم في المجتمع مع إبداء كامل الاحترام لهم».

وأشار النجار إلى أن هذه القيم والمفاهيم المستوردة لا تناسب مجتمعاتنا المسلمة وتتناقض مع تعاليمنا الدينية وثوابتنا الأخلاقية، مضيفا أن «المنظمات الغربية تضطلع بمهمة خطيرة يتبناها أعداء الأمة وأعداء مصر على وجه التحديد، فهم بعدما نجحوا إلى حد بعيد في تفكيك الأمة جغرافيا وطائفيا ومذهبيا وتقسيمها إلى دويلات ومذاهب وفرق متناحرة متصارعة، يعمدون اليوم إلى الحصن الوحيد الذي بقي متماسكا، وهو حصن الأسرة المسلمة التي تتمسك بقيم وثوابت دينها».

وانتقدت الدعوة السلفية الوثيقة الدولية، وقال عبد المنعم الشحات المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية في مصر، إن «الوثيقة تهدم معنى الأسرة»، واصفا الوثيقة بـ«الفاسدة».