خبير في الـ35 كاتب خطابات أوباما

رودز بات شخصية محورية في صياغة الموقف الأميركي تجاه أحداث «الربيع العربي»

بنجامين رودز
TT

بينما يستعد لزيارة منطقة الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، يتوجه الرئيس باراك أوباما، كما يفعل كثيرا، إلى بنجامين رودز، نائب مستشار الأمن القومي، 35 عاما، صاحب الصوت الناعم والآراء القوية والمشهور في البيت الأبيض بكونه الرجل الذي يعرّف أوباما بالسياسة الخارجية. يعمل رودز على صياغة الخطاب الذي سيوجهه أوباما إلى الشعب الإسرائيلي في القدس كما هو مقرر، لكن يمتد نفوذه وتأثيره إلى ما هو أبعد من منصبه أو مسؤولية كتابة الخطابات. ساعد رودز، بفضل علاقته الشخصية بأوباما التي تعود إلى حملته الانتخابية عام 2008 والتقارب الفكري الفلسفي بينهما، في تشجيع رئيسه على تبني سياسة أكثر حماسا تجاه مصر وليبيا عندما اندلعت الثورة في البلدين عام 2011.

ويواجه هذا التأثير اختبارا آخر يتمثل في القضية السورية، التي يصر فيها الرئيس حتى هذه اللحظة على أن يكون التدخل الأميركي متواضعا رغم مرور عامين على الثورة التي خلفت 70 ألف قتيل. ويشعر رودز وأصدقاؤه وزملاؤه بالإحباط من السياسة التي لا تجدي نفعا، وأصبحوا داعمين بشدة للتدخل الهجومي من أجل دعم المعارضة السورية.

ويشير مسؤولو الإدارة الأميركية إلى أن رودز ليس هو الوحيد الذي يشعر بالإحباط من السياسة تجاه سوريا، حيث أوضح أن أوباما أيضا يبحث عن موقف أميركي مناسب يضع حدا للمأساة الإنسانية دون توريط الولايات المتحدة في صراع طائفي يقول عنه كثيرون في البيت الأبيض إنه يحمل الكثير من مواضع التشابه المقلقة مع العراق.

وفضّل ثلاثة مسؤولين سابقين في الإدارة، هم هيلاري كلينتون، وروبرت غيتس، وديفيد بترايوس، تسليح المعارضة، وهو موقف لم يكن رودز يؤيده في البداية. وقال دينيس ماكدونو، كبير موظفي البيت الأبيض الذي عمل عن كثب مع رودز عندما كان النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي: «هذا الأمر صعب على بن (بنجامين) مثلما هو صعب على الرئيس. إنه يهتم بالناس، ولا يمكن أن ترى ما يحدث في سوريا ولا تتألم، لكنه في الوقت ذاته إنسان واقعي».

من الطبيعي أن لا يكون ألم مسؤول في البيت الأبيض مؤثرا في توجه السياسة الخارجية الأميركية، لكن رودز يتمتع بقدرة على تأكيد وجوده، ليس فقط من خلال الطريقة التي يعبر بها الرئيس عن سياساته، لكن أيضا من خلال تشكيل السياسة. منذ عامين، عندما تجمع المتظاهرون في ميدان التحرير في القاهرة، حثّ رودز الرئيس أوباما على سحب الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للرئيس مبارك في مصر منذ ثلاثة عقود. وبعد ذلك بأشهر، كان رودز من بين الذين يشجعون الرئيس على تدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا في ليبيا من أجل وقف المذابح التي يرتكبها العقيد معمر القذافي.

وقال مايكل ماكفول، الذي عمل مع رودز في مجلس الأمن القومي: «لقد أصبح شخصية محورية في عملية كتابة الخطابات، ثم بعد ذلك في أحداث الربيع العربي الساخنة». ويعمل ماكفول حاليا كسفير أميركي لدى روسيا. وقالت سامانثا باور، أحد المسؤولين السابقين في مجلس الأمن القومي، والتي انضمت إليه في دعم التدخل العسكري في ليبيا: «إنه يتمتع بقدرة عالية على التكهن. لا أفهم من أين حصل بن على حكمة الرجل العجوز».

ويبدو أن رودز كوّن هذا النفوذ من دون إثارة استياء المستشارين الأكبر سنا والأكثر حنكة، وهذا دليل على أسلوب دبلوماسي ليس شائعا بين المقربين من أوباما، كما يقول زملاؤه. ومارس رودز نفوذه خارج منطقة الشرق الأوسط أيضا، إذ عمل مع جاكوب سوليفان، أحد أهم مساعدي وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، عام 2011 لإقناع أوباما بالتعامل مع الحكام العسكريين لميانمار (بورما سابقا) بعد الحصول على دعم أونغ سان سو تشي، الزعيمة المطالبة بالديمقراطية.

وقال كورت كامبيل، المساعد السابق لوزيرة الخارجية الذي أدار المفاوضات مع حكومة ميانمار: «الشخص، الذي وقف وراء الستار ولعب أكبر دور في الانفتاح على ميانمار والتعامل مع أونغ سان سو تشي، هو بين رودز».

ومن المرجح أن يكون إحداث تحول في سياسة أوباما تجاه سوريا أصعب من إقناعه بالتواصل مع ميانمار بالنظر إلى التعقيدات المحيطة بسوريا، والأوضاع الملتهبة في دول جوارها، والطبيعة الطاحنة للصراع، وحرص الرئيس الكبير على تجنب التورط في صراع عسكري آخر في منطقة الشرق الأوسط على حد قول مسؤولين. ولا تقصر الولايات المتحدة فقط دعمها لـ«الجيش السوري الحر» على الغذاء والمساعدات الطبية، بل وضع البيت الأبيض اسم إحدى الجماعات الثورية السنية الرئيسية، هي جبهة النصرة، على قائمة المنظمات الإرهابية، وهي سياسة تستعدي الكثير من السوريين لأداء الجماعة القوي في قتال الرئيس بشار الأسد.

ويقول زملاء رودز إنه عارض ذلك القرار، الذي دفع به مستشارون في الاستخبارات. كما يفضل تقديم دعم غير عسكري أكبر وتدريب يساعدهم في قتالهم ضد نظام الأسد، وهو موقف تتبناه بريطانيا وحلفاء آخرون.

ورفض رودز التعليق تفصيلا على دوره في المشاورات السياسية، وقال: «وظيفتي الرئيسة، التي طالما كانت كذلك، هي أن أكون شخصا يمثل رأي الرئيس في هذه القضايا». ويعد رودز من عدة أوجه مرشحا غير مرجح لشغل وظيفة في قلب جهاز الأمن القومي، فهو كاتب طموح من مانهاتن بدأ رواية لم تكتمل بعد ولا تزال حبيسة الأدراج باسم «Oasis of Love» «واحة الحب»، تدور أحداثها حول امرأة تتجه إلى كنيسة ضخمة في هيوستن مخلفة وراءها قلب حبيبها جريحا. إنه ابن لأب من تكساس ينتمي إلى الكنيسة الأسقفية ويميل إلى النهج المحافظ، وأم يهودية أكثر تحررا من نيويورك. وعمل لفترة قصيرة في الحملة الانتخابية لعمدة نيويورك رودولف جولياني عام 1997 وكان يعيش حياة الكتاب في حي كوينز عندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وشاهد من بروكلين انهيار مركز التجارة العالمي. ودفعته الصدمة من هذه التجربة إلى الانتقال إلى واشنطن عام 2002. وذهب للعمل لدى مستشار السياسة الخارجية الديمقراطي، والنائب السابق، لي هاميلتون، حيث ساعده في صياغة تقرير لجنة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فضلا عن تقرير مجموعة الدراسة عن العراق.

وبزغ نجم رودز عندما كتب خطاب أوباما التاريخي الموجه للعالم الإسلامي في القاهرة في يونيو (حزيران) 2009. ومن المرجح أن يركز رودز، عند كتابته لخطاب أوباما الأسبوع المقبل، على الدعم الأميركي الذي لا يتزعزع لإسرائيل. ومع ذلك إذا تطلعنا إلى التاريخ، سنرى أنه من المحتمل أن يزل عند الإشارة إلى مستقبل سوريا الديمقراطي. ويقول ماكفول: «طالما كان بن ممسكا بالقلم. ويمكن لبن دائما، نظرا لعلاقته الشخصية القوية بالرئيس، أن يضع السياسات من خلال خطابات وتصريحات الرئيس أوباما».

* خدمة «نيويورك تايمز»