خبراء أميركيون: نجحنا في إسقاط صدام حسين وفشلنا في إقامة نظام ديمقراطي

دينيس روس: أميركا أعطت العراقيين الفرصة ليحققوا الديمقراطية مستقبلا > ديفيد أوتاواي: العراق اليوم أكثر استبدادية

صورة للسرجنت في الجيش الأميركي أليخاندرو بلوتينو تستند إلى جذع شجرة في القسم المخصص للجنود الأميركيين الذين قضوا في العراق في مقبرة أرلينغتون بفرجينيا (أ.ف.ب)
TT

إذا كانت الولايات المتحدة أرادت بقيادتها الغزو للعراق عام 2003 إقامة عراقي ديمقراطي مستقر وآمن فإن هذا أبعد ما يكون عن صورة العراق اليوم. ولعل الإحصائية التي نشرتها أمس منظمة «إراك بودي كاونت» البريطانية المعنية بالضحايا المدنيين الذين قتلوا في العراق منذ الغزو يؤكد هذا الاستنتاج: 112 ألفا على الأقل. وبإضافة العسكريين والمسلحين فإن مجموع القتلى حسب المنظمة يصل إلى نحو 170 ألفا.

الخبراء والمحللون الأميركيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» يبدون متفقين، ولكن بدرجات، على أن الغزو لم يحقق أهدافه. فدنيس روس، المستشار السابق للرئيس الأميركي، يقر بأن ثمن التخلص من الرئيس العراقي السابق «كان باهظا» بالنسبة للعراقيين والأميركيين على حد سواء. ويضيف روس: «للأسف لا يزال العنف سائدا وتتحكم الصراعات الطائفية في تشكيل السياسات بدلا من المصالح الوطنية». ويتابع روس: «أعتقد أنه من الإنصاف القول إن تحقيق هدف بناء ديمقراطية مستقرة لا يزال بعيدا».

ديفيد أوتواي، الباحث بمعهد وودرو ولسون كان أكثر صراحة في حكمه السلبي على الغزو إذ يقول: «لقد اعتقد بوش أنه بالحرب على العراق يروج للديمقراطية.. وقد ثبت أنه إما كان ساذجا أو جاهلا إلى حد كبير». ويرى أن العراق الآن «أقل ديمقراطية وأكثر عنفا وطائفية وأكثر استبدادية».

لا تزال الحرب على العراق تشكل أكثر القضايا المثيرة للجدل داخل الولايات المتحدة. واليوم، وبعد عقد من الزمن، ما زال البعض يهاجمها ويصفها بالحرب الكارثية، والبعض الآخر يدافع عنها ويعتبرها كانت ضرورة لإنهاء نظام ديكتاتوري في إطار ما سمي في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بـ«الحرب على الإرهاب». «الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من الخبراء السياسيين والأكاديميين في واشنطن حول دوافع الولايات المتحدة لشن الحرب على العراق ونتائج الحرب بعد مرور قرن من الزمن، وتقييمهم لوضع العراق الآن، والدروس المستفادة من تلك الحرب.

يقول المستشار السابق للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دينيس روس «إن صناع القرار في إدارة الرئيس بوش نظروا إلى صدام حسين من خلال عدسة الحرب على الإرهاب. وكان لديهم اعتقاد بأنهم يجب عليهم أن يتخذوا موقفا دراماتيكيا في ردهم على الإرهاب ومن يدعم الإرهاب، وقد اعتقد الرئيس بوش وآخرون من حوله خلال الشهور التي تلت هجمات 11 سبتمبر أن لصدام حسين علاقة بالهجمات، وحتى لو لم تثبت علاقته بالهجمات فإن إزالة نظام صدام حسين (من وجهة نظر إدارة بوش) كانت تعد ضربة ضد الإرهاب وتعزيزا للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعزيزا لقضية الديمقراطية التي لم تعرفها المنطقة من قبل».

ويضيف روس «ركزت الإدارة الأميركية في عهد بوش على أسلحة الدمار الشامل لدى صدام، وهذا أيضا تم ربطه بالحرب على الإرهاب، وإبراز مفهوم أنه من الضروري إبعاد الأسلحة الخطرة عن الأيدي الخطرة، لكن بعد ثبوت أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل تضررت صورة الإدارة الأميركية في دوافعها للحرب».

وعن نتائج الحرب على العراق بالنسبة للولايات المتحدة، يقول المستشار السابق للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط «أبرز النتائج هي زوال نظام صدام حسين الوحشي والقمعي، فقد قتل نظام صدام حسين مئات الآلاف من العراقيين. نعم ذهب نظام صدام حسين، لكن ثمن ذلك كان باهظا جدا، وفرضت الحرب ثمنا باهظا على العراق، فقد أفضى الصراع الطائفي إلى عشرات الآلاف من القتلى، ومزق البلاد وأدى إلى تشريد جزء كبير من السكان، ونحن أيضا (الأميركيين) دفعنا ثمنا باهظا من الدماء والأموال». ويضيف روس الذي يعمل حاليا باحثا بمركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى «العراق اليوم لديه انتخابات وحركة سياسية حقيقية، لكن للأسف لا يزال العنف سائدا، وتتحكم الصراعات الطائفية في تشكيل السياسات بدلا من المصالح الوطنية، ويعاد بناء العراق ببطء شديد، ولا تزال قضايا أساسية لم تجد طريقها للحل، ويحدوني الأمل أن يبني العراق مستقبلا ناجحا». ويؤكد روس «أعتقد أنه من الصعب أن ننظر إلى العراق اليوم ونتكلم عن النتائج التي حققتها الولايات المتحدة من الحرب، فلدينا علاقات مع الحكومة العراقية ورئيس الوزراء نوري المالكي وقطاعات مهمة من المجتمع العراقي، ونواصل العمل مع العراقيين في مكافحة الإرهاب، لكن هذه ليست مزايا للولايات المتحدة، بل تعكس المصالح العراقية أيضا، وهناك قضايا نختلف حولها ولا نراها بنفس المنظور سواء سوريا أو إيران».

وحول تقييمه لوضع العراق الآن، يقول روس «أعتقد أنه من الإنصاف القول إن تحقيق هدف بناء ديمقراطية مستقرة في العراق لا يزال بعيدا، وإذا كان السؤال «هل أعطت الولايات المتحدة فرصة للشعب العراقي ليحقق ذلك في المستقبل؟.. هنا ستكون الإجابة نعم، لكن في النهاية لم يكن في قدرة الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، بل العراقيون هم الذين يتحكمون في مستقبلهم». ويطرح روس عدة تساؤلات وتحديات حول وضع العراق اليوم، ويقول «هل يستطيع العراقيون صياغة هوية وطنية وليس هوية طائفية؟ لقد قام العراقيون ببناء مؤسسات، لكن هل تملك المؤسسات البرلمانية والقضائية المصداقية بحيث تكون رقيبا على السلطة التنفيذية؟ هل يمكن للسلطة أن تحتضن كل الفئات السياسية؟ هل يمكن لقادة العراق حل قضايا الحدود الداخلية وتقاسم ثروة البلاد؟ كل هذه الأسئلة يتعين الرد عليها، وربما بعد 10 سنوات من الآن سيكون لدينا فهم أفضل لنوع الدولة التي سيكون عليها العراق. والعراق يملك إمكانات كبيرة لم تكن لتتحقق تحت حكم صدام حسين الاستبدادي، وآمل أن يستغل العراق إمكاناته بعيدا عن النفوذ الإيراني وممثليه، وأن يحقق حكما شاملا وفعالا، وأمامه طريق طويل ليفعل ذلك».

وحول الدروس المستفادة من الحرب على العراق يقول روس «ببساطة، الدرس المستفاد أن تغيير النظام يجب أن يأتي من الداخل، وليس من الخارج، فعند تغيير نظام سلطوي - كما رأينا بصفة عامة في الشرق الأوسط - تنتج حالة من الفراغ، وحتى بإقامة نظام من الداخل فإنه يصعب إقرار الأمن والحكم، لكن تغيير الحكم من الخارج يجعل قضية الشرعية محل تساؤل أساسي». ويضيف «يمكن للولايات المتحدة، بل ويجب عليها، دعم أولئك الدين يسعون لتغيير الأنظمة القمعية الوحشية، وإذا كان هناك درس مستفاد يأتينا من العراق، فهو أننا ينبغي ألا نحاول فرض التغيير من الخارج، وألا نعتمد على أشخاص ليست لهم قاعدة شعبية أو مصداقية في الداخل، وأن نفكر مليا في من هو قادر على التأثير في ما سيأتي لاحقا».

ويتفق ديفيد أوتاواي، الباحث بمعهد وودرو ولسون، على أن الهدف الوحيد الذي حققته الولايات المتحدة من الحرب على العراق هو التخلص من صدام حسين، ويقول «الهدف الوحيد الذي حققته واشنطن هو التخلص من ديكتاتور رهيب، وفي وقت لاحق بدا واضحا أن قرار إدارة بوش غزو العراق كانت له عواقب وخيمة على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى العالم العربي نفسه، وأدى إلى تشكيل حكومة متحالفة مع إيران ومنعزلة عن العالم العربي، وأدت إلى وضع العراق على شفا التفكك، مع اتجاه كردستان إلى الاستقلال أكثر من أي وقت مضى، واتجاه السكان السنة إلى التمرد ضد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، وهو ما ساعد في اشتعال الصراع الطائفي بين السنة والشيعة والذي يجتاح منطقة الشام والخليج الآن ويمزق سوريا». ويضيف أوتاواي «حتى اليوم لا تزال إدارة الرئيس أوباما تدعم رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو يسعى إلى فرض حكومة أكثر استبدادا وطائفية من أي وقت مضى، بما يدفع الأكراد والسنة في العراق إلى التمرد».

وحول وضع العراق الآن يقول أوتاواي «لقد اعتقد بوش أنه بالحرب على العراق يروج للديمقراطية في العالم العربي، وقد ثبت أنه إما كان ساذجا أو جاهلا إلى حد كبير، لأن العراق الآن أقل ديمقراطية وأكثر عنفا وطائفية وأكثر استبدادية، ولا تزال الولايات المتحدة والعالم العربي يعانيان العواقب الوخيمة لقرار بوش بالحرب على العراق قبل عشر سنوات».

بدورها، تشير باربرا سلافين، كبير الباحثين بمركز جنوب آسيا في معهد أتلانتيك، إلى أن الحرب على العراق لم تكن تستحق الثمن الباهظ الذي تكبده الأميركيون والعراقيون، وتقول «يحب أن يتم النظر إلى الصورة بشكل كامل كقصة تحذيرية.. كيف يمكن أن تندفع قوة عظمى أعماها الخوف وتلاعب بها فصيل صغير من داخل الأمن القومي الأميركي وأصبحت قوة متغطرسة؟».

وتقول الباحثة بمركز أتلانتيك حول وضع العراق اليوم «العراق خاض انتخابات حرة نسبيا، لكن رئيس الوزراء نوري المالكي منذ عام 2006 استلهم الكثير من الخصائص الديكتاتورية ممن سبقوه، وبدلا من ديكتاتورية سنية أصبحت للعراق ديكتاتورية شيعية، ولا يزال العنف والفساد مستشريين».

وتشير سلافين إلى أن التداعيات المؤلمة للحرب على العراق هي التي أتت بالرئيس المنتخب باراك أوباما إلى الحكم، وانعكست على سياساته الحذرة اليوم تجاه الشرق الأوسط، وتبدو ردود فعل أوباما مبالغة أكثر في الاستجابة للتدخل بالقوة في سوريا رغم أن التمرد جاء من السوريين أنفسهم وليس من الخارج.