بعد «الشراكة».. الخصومة الشيعية ـ الكردية تهدد وحدة العراق

3 محاور أساسية للخلافات بين بغداد وأربيل.. ولا آفاق لحلها

TT

رغم أن القادة الكرد كانوا من أوائل من سارعوا إلى بغداد بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لإدارة شؤون البلاد من هناك بالتشارك مع بقية القوى السياسية التي ساندت الجهد الأميركي للإطاحة بذلك النظام ولكن مع تزايد طموحات بعض قادة الشيعة وتأثرهم بمغريات الحكم الذي جربوه لأول مرة في تاريخهم السياسي، وكذلك القادة الأكراد، ساءت تلك العلاقات وباتت في بعض الأحيان قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية.

وعلى العموم تتركز أهم المشكلات العالقة بين الإقليم والمركز على ثلاثة محاور أساسية، الأول هو المادة 140 من الدستور المتعلقة بتطبيع أوضاع كركوك والمناطق المتنازع عليها. تعرضت أثناء عهد النظام البعثي السابق إلى سياسات متعددة الأطراف تركز بمجملها على مسألة تعريب المناطق الكردية، وتهجير ساكنيها إلى خارج المحافظة، وتغيير حدودها الإدارية السابقة، وبعد سقوط النظام السابق سعى الأكراد إلى تثبيت مادة بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية عرفت بالمادة 58 تقضي بمعالجة مشكلة كركوك، وبعد عدة أشهر وحين شارك الأكراد بصياغة دستور جديد للعراق، ثبتوا مادة بهذا المنحى في الدستور عرفت بالمادة 140 والتي تقضي بإنجاز ثلاث مراحل متتالية لحل قضية كركوك تبدأ بتطبيع أوضاعها الإدارية وإعادة خارطتها الجغرافية إلى ما كانت عليها قبل وصول نظام البعث إلى الحكم، ثم تنظيم إحصاء سكاني عام لمعرفة الحجم السكاني للمكونات القومية بالمحافظة (الكرد والتركمان والعرب) ثم المرحلة الأخيرة وهي إجراء الاستفتاء الشعبي العام لتحديد مصير المحافظة من قبل سكانها، أي الاختيار بين البقاء كمحافظة ضمن المركز، أو الالتحاق بإقليم كردستان.

وبما أن الدستور حدد سقفا زمنيا لتنفيذ تلك المادة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ المصادقة على الدستور، ولكن بعد أن تلكأت الحكومات المركزية السابقة من تنفيذ تلك المادة لأسباب سياسية وفي بعض الأحيان لمساومة القيادة الكردية، بقيت هذه المادة بعد أكثر من سبع سنوات دون تنفيذ، وهذا ما يدعو التركمان والعرب الذين يعارضون أساسا تلك المادة إلى اعتبارها مادة دستورية ميتة ومنتهية الصلاحية، ولكن القيادة الكردية ما زالت مصرة على تنفيذها.

وبحسب شوان الداودي وهو رئيس مؤسسة «هه وال» الإعلامية ونائب نقيب الصحافيين في كردستان فإن «هذه المادة لا يمكن تنفيذها لا في الوقت الراهن ولا في المستقبل». ويضيف الداودي أنه كان بالأساس كمثقف كردي ومن سكان كركوك ضد إدراج هذه المادة بالدستور العراقي، وأنه رأى فيها ألغاما وصياغات لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع. المحور الثاني من مشكلات الإقليم مع المركز هو مسألة البيشمركة وكما يبين الفريق جبار ياور أمين عام وزارة البيشمركة والمتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حرس الإقليم «هذه القوات أصبحت جزءا من منظومة الدفاع العراقية وفق الفقرة الخامسة من المادة 121 من الدستور العراقي الذي ينص على أن قوات البيشمركة الكردية هي قوات خاصة بحماية إقليم كردستان، وتسمى بقيادة قوات حرس الإقليم، وستكون جزءا من المنظومة الدفاعية في العراق، ولكن الحكومات السابقة لم تتعامل مع هذه القوات كما تقتضي مواد الدستور، فمنذ أكثر من ست سنوات لا تصرف الحكومة الاتحادية ميزانية البيشمركة، كما تمتنع عن تجهيزها وتسليحها، وهذا مخالف للدستور، لأن أي قوة تكون ضمن المنظومة الدفاعية العراقية سيكون لها الحق في التجهيز والتسليح مثلها مثل بقية الأجهزة والتشكيلات الأمنية والعسكرية، ولكن ذلك لم يحصل لحد الآن، ولذلك أصبحت مسألة البيشمركة جزءا من المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد». وحول توقعاته لمستقبل هذه المشكلة وما إذا كانت هناك فرصة لحلها قال ياور «ليست هناك أي آفاق واضحة تبشر بالخير، لأن اجتماعاتنا كقيادات البيشمركة مع القيادات العسكرية العراقية توقفت تماما منذ أكثر من شهر ونصف، والمشكلات بين الإقليم والمركز تسير نحو مزيد من التعقيد، وتتفرع عنها مشكلات أخرى، الوضع العام في العراق متأزم عموما، ولذلك لا يلوح في الأفق أي مؤشر أو إشارة إيجابية لحل مشكلتنا العالقة هذه مع الحكومة الاتحادية».

المحور الثالث والأهم في مشكلات الإقليم والمركز هو العقود النفطية التي تبرمها الحكومة الإقليمية وتعارضها الحكومة المركزية. وتجرأت حكومة الإقليم مؤخرا بتصدير كميات كبيرة من نفط كردستان إلى الخارج عبر تركيا بدعوى مقايضتها بالمشتقات النفطية التي أوقفت حكومة بغداد تجهيز محافظات الإقليم بها. وتنوي حكومة الإقليم مد خط أنبوب نفطي مباشر من كردستان إلى تركيا لتصدير نفطها إلى الخارج، وهذا ما أغضب الحكومة الاتحادية التي حذرت تركيا من مغبة الإقدام على هذه الخطوة، في ظل العلاقة المتأزمة أصلا بين العراق وتركيا بسبب إيوائها نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي المحكوم غيابيا بالإعدام في العراق.

وفي حين يتحدث النائب بمجلس النواب العراقي وعضو لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية بالمجلس الدكتور بايزيد حسن عن افتقار العقود النفطية التي تبرمها الحكومة الإقليمية إلى الشفافية المطلوبة، فإنه يلقي باللائمة على الحكومة المركزية التي قال «إن العقلية المركزية ما زالت تتحكم ببعض أقطابها، وهذا ما يخالف أسس الدستور».