بكين اختارت فريقا دبلوماسيا معدا لمواجهة الوجود الأميركي في آسيا

محللون يتوقعون توترا صينيا - أميركيا على خلفية قضية التجسس الإلكتروني المتصاعدة

TT

يشمل الفريق الجديد الصيني للسياسة الخارجية، الذي أعلن عنه، السبت الماضي، مسؤولين يوضح تاريخهم تركيز الحكومة على ترسيخ ما ترى أنه المكانة التي تستحقها الصين في قلب آسيا، حتى في ظل تصريحات الإدارة الأميركية عن تعزيز وجودها العسكري بالمنطقة.

يضم الفريق كبير الدبلوماسيين الجديد الذي لطالما اتخذ موقفا متشددا من الولايات المتحدة، ووزير خارجية جديدا يركز على اليابان وتايوان وكوريا الشمالية. ويفتقر هذا الفريق الدبلوماسي إلى سلطة ونفوذ الجيش الصيني، لكن مع ذلك، سيكون المسؤولون على خط المواجهة في المنافسة المتصاعدة التي تشهدها آسيا بين الصين والولايات المتحدة، وسيعملون على تنفيذ القرارات السياسية التي يتخذها الرئيس الجديد للبلاد تشي جينبينغ. وأبدى تشي اهتماما بالشؤون الخارجية واتخذ نهجا أكثر تشددا عن سلفه هو جينتاو.

وصرح البيت الأبيض الأسبوع الماضي أنه رغم خفض الإنفاق على الجيش، فإنه سيستمر في السعي تجاه «المحور الاستراتيجي» لآسيا، وهي سياسة يراها الصينيون محاولة لاحتواء مكاسبها الاقتصادية والعسكرية. وسيشغل وزير الخارجية المنتهية ولايته، يانغ جيتشي، منصب مستشار دولة مما يجعله كبير الدبلوماسيين وأرفع مسؤول ستتعامل معه الولايات المتحدة بشكل أساسي، بحسب تصريح صدر في قاعة الشعب الكبرى.

كثيرا ما انتهج يانغ خلال فترة شغله منصب وزير الخارجية، سياسة متشددة تجاه الولايات المتحدة. وأشار عشية تعيينه في منصبه الجديد إلى ضرورة أن لا تلعب واشنطن دورا كبيرا في النقاشات التي تدور بين دول منطقة آسيا والمحيط الهادي.

وقال خلال مؤتمر صحافي عقد في 9 مارس (آذار) الحالي: «ينبغي أن تناقش دول منطقة آسيا المحيط الهادي قضاياها وتتعامل معها بأنفسها». وفسر دبلوماسيو الدول الآسيوية هذه الإشارة بأنها رسالة مفادها أن لا تتدخل الولايات المتحدة في شؤونهم.

أما وزير الخارجية الجديد، وانغ يي، فهو دبلوماسي مخضرم وخبير في الشؤون الآسيوية وعمل سفيرا للصين لدى اليابان في الفترة من 2004 إلى 2007. لم يكن لدى وانغ، حتى تولى ملف تايوان مؤخرا، خبرة كبيرة في التعامل مع الولايات المتحدة، لكن يعرفه المسؤولون الأميركيون جيدا من الدور الذي اضطلع به في قيادة المحادثات السداسية حول كوريا الشمالية خلال فترة إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وكانت تهدف المفاوضات، التي قادتها الصين، إلى وضع حد لبرنامج كوريا الشمالية النووي، وكان وانغ يبدي سخطه وغضبه أحيانا من كوريا الشمالية، على حد قول مسؤولين أميركيين. وفشلت المحادثات عام 2008. وقال فيكتور تشا، المدير السابق للشؤون الآسيوية بمجلس الأمن القومي خلال إدارة بوش وشارك في المحادثات: «ينتمي وانغ يي إلى المدرسة التي لا ترى أن مستقبل الصين في شبه الجزيرة الكورية مرتبط بكوريا الشمالية».

سيكون السفير الجديد لدى الولايات المتحدة، هو كوي تيانكاي، الدبلوماسي الودود الضليع في الشؤون الأميركية وخريج كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن. ورغم عدم الإعلان عن تعيين كوي، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد السبت، فإنه سيتجه إلى واشنطن لمباشرة مهام منصبه الجديد في السفارة الصينية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بحسب مسؤولين صينيين وأميركيين. وسيصل في وقت تتراجع فيه التوقعات في واشنطن بشأن العلاقات الأميركية مع الصين.

وتدخل إدارة أوباما في مواجهة مع الصين على خلفية عملية تجسس على الإنترنت، وهي ما يتوقع كثيرون أن تصبح قضية بارزة بين البلدين. وطالب مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما في خطاب الأسبوع الماضي الحكومة الصينية بالتوقف عن عمليات سرقة البيانات من شبكات الكومبيوتر الأميركية. وقال كينيث ليبرثول، زميل بارز في معهد «بروكينغز»: «من الجيد أن يوجد كوي في قلب العلاقات الأميركية - الصينية؛ وليس هذا لأنه مؤيد للولايات المتحدة، بل لأنه مفكر بارع ومتعدد الثقافات، فهو يمثل مصالح الصين، ثم يدرك ما يمكن تحقيقه».

التقى كوي، خلال رحلته إلى واشنطن العام الحالي استعدادا لتولي مهام منصبه الجديد، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وهنري كيسنجر، في إشارة إلى معرفته بقيادات في دوائر صناعة السياسة الخارجية الأميركية. درس كوي في كلية هوبكنز عام 1986 على يد دوك بارنيت، العالم البارز في الشؤون الصينية الذي حث الرئيس ريتشارد نيكسون على فتح قناة اتصال مع بكين.

عمل كوي سفير سابقا لدى اليابان بين عامي 2007 و2009 عندما كانت العلاقات الصينية -اليابانية دافئة نسبيا، لكنه يعلم أيضا كيف ينتهج سياسة خشنة. ويرى أنه من الممكن التغلب على الجمود الذي يسود العلاقة بين الصين واليابان بشأن النزاع على السيادة على الجزر التي تقع في بحر الصين الشرقي فقط إذا أدركت اليابان القوة المحركة الجديدة مع الصين. وأخبر الصحافيين في السادس من مارس الحالي خلال إحدى جلسات اللجنة الاستشارية السياسية بالبرلمان الصيني: «تكمن المشكلة الرئيسية في ما إذا كانت اليابان تقبل تنامي قوة الصين». وفي إشارة إلى زيادة تركيز بكين على الدبلوماسية في آسيا، عين وزير الخارجية خلال الأسبوع الماضي للمرة الأولى مبعوثا خاصا للشؤون الآسيوية، هو وانغ ينغفان. وسيركز وانغ، نائب وزير الخارجية السابق، على العلاقات مع ميانمار، التي كانت يوما ما من أقرب أصدقاء الصين.

وتواجه الصين حاليا عداء من جهة المحتجين في ميانمار بسبب مشروعات البنية التحتية والتعدين واسعة النطاق. كذلك تواجه منافسة شرسة مع الولايات المتحدة، حيث احتضنت إدارة أوباما الناشطة السياسية داو أونغ سان سوكي، وفتحت قنوات اتصال مع الحكومة.

وتم تسليط الضوء على قوة الصين الاقتصادية الهائلة في المنطقة خلال الأسبوع الماضي عندما قال يانغ، وزير الخارجية المغادر منصبه قريبا، إن حجم تجارة الصين مع آسيا وصل إلى 1.2 تريليون دولار خلال العام الماضي، وهو ما يفوق إجمالي حجم تجارة الصين مع الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا يضع الصين تقريبا كتفا بكتف بجانب الولايات المتحدة من حيث حجم التجارة في المنطقة بحسب غريغوري بولينغ، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.

ورغم تعيين الفريق الجديد، الذي يضم الوجوه ذاتها لكن بتشكيل مختلف، فإنه لا تزال السياسة الخارجية الصينية تفتقر إلى التوجيه من قمة الحزب الشيوعي، على حد قول جين كانرونغ، الأستاذ في كلية الدراسات الدولية بجامعة رينمين، الذي أضاف أن الشؤون الخارجية لا تزال تأتي بعد الشؤون المحلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»