العراق بعد 2003.. من الدولة المركزية إلى مركزية الطائفة

سياسيون: الخطأ ليس في المحاصصة بل في طريقة تطبيقها.. وعقلية ما قبل التغيير لم تتغير

جندي أميركي يمر أمام تمثال الرئيس السابق صدام حسين غداة إسقاطه في ساحة الفردوس وسط بغداد في 9 مارس 2003 (أ.ف.ب)
TT

في المؤتمرات التي كانت قد عقدتها قوى المعارضة العراقية طوال ربع قرن من عملها في المنافي فإنها لم تتفق على صيغة لنوع الحكم وشكله في العراق ما بعد التغيير. وحيث إن تركيبة المعارضة العراقية ضد نظام صدام حسين كانت تتكون في الغالب من الشيعة والأكراد فإنها بعد سقوط النظام واجهت هذه الحقيقة في ظل عدم تبلور قيادات سنية معارضة لأسباب تاريخية معروفة تقف في المقدمة منها كون تركيبة الأنظمة العراقية وعلى امتداد ثمانية عقود كانت سنية. ولذلك فإنها عندما تم تشكيل «مجلس الحكم» كإطار لنظام سياسي جديد فإنها وطبقا لما يقوله السياسي والمفكر العراقي والنائب الحالي في البرلمان حسن العلوي فإن «الاختلال السياسي بدا واضحا منذ تركيبة مجلس الحكم حيث منح عرب العراق 18 مقعدا أعطي الشيعة فيه 13 مقعدا بينما أعطي العرب السنة 5 مقاعد بينما توزعت باقي المقاعد (مجلس الحكم تكون من 25 مقعدا) إلى الأكراد والتركمان والكلدواشوريين. ويرى العلوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المحاصصة التي تم البدء بتطبيقها في العراق بعد عام 2003 ليست أمرا خطأ بحد ذاته بل إن العيب يكمن في طبيعة التطبيق ذاتها وإلا فإنها كنظام حكم موجود في العالم لأنه يحفظ التوازن شريطة أن تتحقق العدالة فيه. ويضيف العلوي أن «الخطأ الذي تم ارتكابه هو نوع من القسمة غير العادلة بين عرب العراق على صعيد توزيع المقاعد فمن غير المنصف التعامل مع العرب السنة الذين يحكمون منذ قرون في بغداد كونهم أقلية»، معتبرا أن «هذا الأمر هو الذي خلق ما ترتب على ذلك من مشكلات وصعاب». وبشأن التحولات التي تلت ذلك وما ترتب عليها من ضياع هوية الدولة المركزية باتجاه مركزية الطوائف والأعراق رغم ما أعلنته الولايات المتحدة الأميركية عزمها إقامة نظام ديمقراطي يقول العلوي إن «المشكلة أن الطبقة السياسية العراقية لم تكن مؤهلة لقيادة العراق الديمقراطي الليبرالي الجديد لأن منشأ هذه المعارضة ليس ديمقراطيا حيث إن الإسلاميين ليسوا ديمقراطيين والقوى الأخرى من منابت مختلفة لكنها في الغالب ليست صاحبة مشروع ديمقراطي». وبشأن رؤية مستقبل الدولة العراقية بعد عقد من التغيير يقول العلوي إن «المؤشرات كلها تدل على أن الأكراد ذاهبون إلى إقليم وهو قائم حاليا وقد يتجه نحو الاستقلال والسنة ذاهبون إلى الإقليم أيضا ويبقى الشيعة العرب الذين لم يكن أمامهم سوى أن تنفتح عليهم إيران وهذا هو حلمها من قديم الزمان والمتمثل بأن يأتي الإيراني من قم إلى المزارات الشيعية المقدسة دون أن يعترضه أحد».

صورة المستقبل لدى سياسيين آخرين تكاد لا تختلف كثيرا عما يراه العلوي خصوصا على صعيد الثمن المدفوع من أجل التغيير. عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية مظهر الجنابي يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «ما دفعناه من ثمن باهظ لا يساوي ما حصدناه من الأم وحروب أهلية ومصائب وأنه لا يساوي حفظ ماء الوجه لأن ما حصل بالنسبة لنا ليست الديمقراطية التي وعدونا بها بل هي ذبح وقتل وتدمير لكل شيء بدءا من مؤسسات الدولة إلى النفوس».

غير أن القيادي في ائتلاف دولة القانون عدنان السراج يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأميركيين عملوا في العراق أشياء سيئة جدا لكن الأسوأ منهم كان صدام حسين». ويشير السراج إلى ما حصل في العراق من تحولات على صعيد بناء تجربة سياسية تمثلت في دستور جديد (تم إقراره عام 2005) وانتخابات برلمانية وفصل في السلطات وتداول سلمي للسلطة.

لكن القيادي الكردي شوان محمد طه يقول من جانبه إن «ما حصل كان أمرا مهما على صعيد التغيير لكن ما نواجهه أن العقلية التي كانت تحكم قبل التغيير لم تتغير حيث كل ما حصل هو ديمقراطية لكن على الطريقة العراقية». في حين يرى رئيس الكتلة البيضاء في البرلمان العراقي جمال البطيخ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «قدر العراقيين كان أحمق الخطى والذي تمثل بمجيء الأساطيل الأميركية لإحداث الدمار الشامل في كل شيء والأمر الأكثر إيلاما أن الزعامات السياسية التي تولت الحكم حولت العراق وبمساعدة الأميركيين من دولة إلى ركام بينما كان المفروض إسقاط صدام وليس انهيار الدولة التي لا تزال تبحث عن خارطة طريق للمستقبل ولم تجد».