جازان.. أعين ساهرة لضبط الحدود

«الشرق الأوسط» تقف ميدانيا على أوسع الأبواب والنوافذ الحدودية السعودية مع اليمن

TT

يحدق شاب اكتفى بتعريف اسمه الأول بـ«بالغيث»، وهو جندي سعودي يعمل في حرس الحدود بجازان من ارتفاع 2500 متر صوب سيارتين، بعدما ضبطت دورية يستقلها زملاؤه للتو مجموعة من مهربي المواشي، بيد أن معلومة استخباراتية تؤكد وجود مهربات أخرى لديهم.

تقدمت السيارتان، الأولى عسكرية في قبضتها أشخاص حاولوا التسلل والدخول بطريقة غير شرعية، والأخرى السيارة التي استخدمها المهربون تحمل في صندوقها الخلفي 7 رؤوس من الأغنام، وبعد التفتيش الدقيق، اتضح أن المواشي كانت مجرد تمويه، إذ اتخذ المهربون طبقة مصنوعة من مادة «الفايبرغلاس» على أرضية الصندوق، وصنعوا مخبأ مقصوصا بالحديد لشحنة أسلحة، وصدقت المعلومة التي كانت تشير إلى حملهم مهربات خطرة. ولم يتجاوز المشهد ساعة من الزمن، خلال ضبط حرس الحدود للمهربين على الحدود المتاخمة لجازان (أقصى جنوب غربي البلاد) مع اليمن، واكتشافهم حقيقة الخديعة التي كان يضمرها الخارجون عن القانون.

ولم يحصر التضييق الذي تتخذه السعودية تجاه حدودها البرية والبحرية شابين قطعا مسافة واسعة من المياه الإقليمية انطلاقا من اليمن، والتفافا لمسافة تربو على 400 كيلومتر، لمحاولة تهريب شحنة تحمل نحو 800 كيلوغرام وحسب، من مادة القات، في حين سيطرت قوات حرس الحدود المرابطة في عرض البحر على زورق يبلع طوله سبعة أقدام، وأعادته وصاحبه إلى المرفأ تمهيدا لمحاسبته بعد تسليمه إلى الجهات المعنية.

وكشفت جولة نفذتها «الشرق الأوسط» بمحافظة جازان على أجزاء من الشريط الحدودي السعودي الفاصل بين البلاد واليمن الأسبوع الماضي، عن جملة مضبوطات ومخالفات أحبطتها قوات حرس الحدود السعودية، لم تقتصر على محاولة تهريب آلاف الكيلوات من مادة القات أو الذخائر الحية أو الأسلحة، بل امتدت لتطال إحباطهم مئات من المطلوبين جنائيا وقضائيا وهاربين من العدالة، حاولوا الوصول إلى خارج البلاد. وما إن وضعت الحرب أوزارها وانتهت عمليات التطهير السعودية من تسلل الحوثيين عبر الحدود المتاخمة لليمن مكتملة بنجاح ساحق، حتى شرعت الرياض في تشييد وتعزيز كافة الحدود التي تقيها شرور نتاج الانفلات الأمني للجارة اليمن.

ولمسافة تتراوح بين 1450 و1500 كيلومتر، يتقاطع البلدان اللذان لطالما يتسم تاريخهما بسنوات طويلة من الصداقة والشراكة الاجتماعية والثقافية. هذا الوفاق لا ينفي بالضرورة حق كل منهما في حماية أبوابه ونوافذه، وكما يقول راعٍ أضاع رعيته في جزء من الحدود المتداخلة للعقيد عبد الله بن محفوظ وهو مدير الشؤون العامة الذي رافق «الشرق الأوسط» طوال الرحلة: «عندما يريد الشخص الدخول على بيت أحدهم، فالأفضل استخدام الباب وليس النافذة»، في إشارة إلى أن الدخول غير الشرعي ممقوت حتى في الأعراف القبلية وبين أهالي القرى الواقعة هناك. ويفصل بين السعودية واليمين، شريط حدودي متداخل التضاريس، يضيف إليه البحر والمياه الإقليمية فاصلا وهميا آخر يثقل كاهل الطرفين في الحفاظ والسيطرة على الدخول والخروج الآمنين من البلاد، مع اختلافهما القاطع في كل ما يتعلق بالعمليات والقوى البشرية والآليات والمعدات المستخدمة لذلك.

ويقول عبد القادر قحطان وزير الداخلية اليمني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» حول قبض السلطات السعودية على متسللين من جنسيات عربية وأفريقية، إن «هذه معاناة حقيقة وكبيرة وسواحلنا واسعة جدا، ولم يتم إحكام السيطرة الكاملة عليها، والدخول غير المشروع لدينا من القرن الأفريقي يتم بصورة مترددة والجمهورية اليمنية من أكبر المتضررين من هذا الدخول». ويضيف «نرحّل ما لا يقل عن مائة شخص خصوصا من إثيوبيا، وهدف غالبية من يحاول الدخول غير المشروع يبحث عن العمل، لكن في المقابل هناك من يدعمهم للأسف».

ويجري القبض بشكل يومي على جملة متسللين من مختلف الجنسيات التي تأتي عن طريق اليمن، ويتوافد الغالب من المتسللين رغبة في العمل، وهذا هو الغالب، بحسب العميد محمد الغامدي المتحدث باسم حرس الحدود السعودية، «وتسجل الجنسية اليمنية أعلى النسب التي تتوافد هربا من الحياة الصعبة، تليها الجنسيات الأفريقية الأخرى، ويواجه حرس الحدود جملة مواقف إنسانية بين الفينة والأخرى مع كل هذا الكم الهائل من البشر». ويقول العميد الغامدي لـ«الشرق الأوسط» إن معدل المحبط تسللهم إلى السعودية يتراوح بين 800 و1200 شخص بشكل يومي. ويضيف «إن عدد الأشخاص المحبط تسللهم إلى السعودية خلال الشهور الأربعة المنصرمة، بلغ نحو 106 آلاف شخص، بينهم 85 ألف يمني، و17 ألف أفريقي، والبقية يتوزعون بنسب أقل من مجموع عشرين جنسية مختلفة». عازيا ذلك إلى «ضعف الرقابة في الطرف الآخر»، في إشارة إلى الجانب اليمني.

وبدت ملامح الإعياء على شاب قال إنه إثيوبي الجنسية، قبض عليه محاولا التسلل قبل تسليمه، وقال لـ«الشرق الأوسط» قبل تسليمه رسميا واحتجازه في مركز «الطوال» «أتيت إلى هنا من اليمن بالتنسيق مع مهرب لم يوصلنا إلى منطقة قريبة من الحدود، وتلقينا ضربا مبرحا من قبل عناصر أمنية يمنية لم تتركنا إلا وقد دفعت لها مبالغ مالية تقارب 800 دولار»، بيد أن الشاب نفسه لا يعد أحد الداخلين الجدد، لا سيما أن الحاسب الآلي أظهر عبر التأكد من بصمته أنه أحد الداخلين إلى البلاد قبل نحو شهر من يوم القبض عليه. ويقول العقيد عبد الله بن محفوظ إن عددا واسعا من المتسللين المقبوض عليهم، يعاودون الكرة محاولين التسلل مرة أخرى. ويضيف أن نسبتهم تقترب من 60 في المائة في بعض المناطق الحدودية.

بينما يقول العميد محمد الغامدي إن أحد الأشخاص من الجنسية اليمنية كسر الرقم القياسي في عدد مرات التسلل بنحو 36 محاولة. ويستخدم المهربون حيلا حديثة دوما، خصوصا عندما يدفعون أطفالا إلى التهريب نظير علمهم بأن القانون السعودي لا يحاسب الأطفال، وفي أحيان أخرى يستخدم المهربون القوة لدفع شبان يافعين إلى دخول الحدود تحت تهديد السلاح.

كما يفضل غالبية المهربين والمتسللين الدخول في أوقات الليل، لأن المواجهة مهما بلغت القوة والعتاد، لن تكون سهلة في فحمة الليل الحالك، إذا ما قورنت بجذوة النهار، ويسهل على المهرب المراوغة والاختباء بشكل أكبر منه في النهار.

لكن الأجهزة الحرارية الحديثة لم تتح للمخالفين أي فرصة لزيادة نسبة نجاح تسللهم أو إدخالهم المواد غير المشروعة إلى البلاد، فضلا عن التجهيزات والخطط الخاصة التي يتدرب عليها وينفذها حرس الحدود قلصت كثيرا من تلك الفرص، وباتت أشبه ما تكون بالمستحيلة التي لا يمكن تجاوزها.

وخلال الأسبوع الماضي، قبضت دوريات حرس الحدود على مجموعة سيدات، أربع مقبلات من سوريا ومصريتين، ثلاث منهن بصحبة أطفال أكبرهم يبلغ أربعة أعوام، احتال عليهن أشخاص في اليمن، تحت غطاء تهريب مشروع، ودفعن مبالغ تتراوح بين 1.5 ألف إلى ألفي دولار على الشخص، وفي المقابل يؤكد وزير الداخلية اليمني «إن التنسيق مستمر بيننا وبين السلطات السعودية في هذا الإطار، ونعترف بأن الناحية الأمنية لدينا في تلك المنطقة شحيحة، وفي المقابل يعاني أبناء اليمن من الفقر والعوز ويحاولون الدخول غير المشروع إلى المملكة، ونتفق مع المملكة في مكافحتها بالأساليب المعقولة التي تحفظ سلامة أبناء اليمن، وتحفظ سلامة السعودية». وفي معرض رد الوزير على سؤال «الشرق الأوسط» المتمثل في قبض السلطات السعودية على متسللين من جنسيات عربية وأفريقية تدخل عبر اليمن، علق اللواء قحطان قائلا «هذه معاناة حقيقة وكبيرة وسواحلنا واسعة جدا، ولم يتم إحكام السيطرة الكاملة عليها، والدخول غير المشروع لدينا من القرن الأفريقي يتم بصورة مترددة والجمهورية اليمنية من أكبر المتضررين من هذا الدخول». وأضاف «نرحّل ما لا يقل عن مائة شخص خصوصا من إثيوبيا، وهدف غالبية من يحاول الدخول غير المشروع البحث عن العمل، لكن في المقابل هناك من يدعمهم للأسف».

وزاد بالقول إن نوعية الجرائم لا تصل إلى وصفها جريمة منظمة في الاتجار بالبشر لكن هناك تهريب للبشر، وعمليات التهريب وما يصاحبها من استغلال وتعريض الناس للخطر، لأن الكل يريد الدخول إلى السعودية بحثا إلى العمل.

مضيفا «إن هناك عصابات منظمة تساعدهم وتنقلهم وتعمل قبلها بإيهامهم بأنهم إذا ما وصلوا إلى اليمن فإنهم في السعودية، ويكتشفون أخيرا أنهم في اليمن ويتم ضبطهم محاولين التسرب إلى المملكة ويتم إعادتهم إلى اليمن.. في الحقيقة نحن نعاني كثيرا بالنسبة للمقبلين من القرن الأفريقي».

«المتسللون من المخالفين يتم إعادتهم إلى نفس المنطقة التي حاولوا التسلل منها»، يقول مدير الشؤون العامة بحرس الحدود بجازان «هذا الأمر بحسب الاتفاقيات الدولية، لكن المهربين يخضعون للأحكام السعودية التي تتخذ جملة إجراءات ويحاكمون».

ويستخدم حرس الحدود في السعودية إمكانات وقوى بشرية هائلة للحفاظ على أمن الحدود، فهم يؤدون تقريبا كل شيء بأنفسهم، أعمال البناء للمراكز والنقاط المتناثرة، يعبدون الطرق بآلياتهم، ويجرون دوريا أعمال صيانة للسيارات والدوريات الخاصة بهم، بل وابتكروا سيارات خاصة جهزوها بآلات الصيانة، تصل إلى نقاطهم التي لا يمكن حصرها بالمئات والمتناثرة على كافة أجزاء الشريط الحدودي، واستخدموا كافة التجهيزات الإلكترونية والحديثة في سبل المتابعة للشريط الحدودي، إلى جانب تمكن غالبية الأفراد والضباط من الطرق التقليدية لتقفي الأثر والتي يكتسبونها ويطورونها أيضا بطريقة يصفها العميد أحمد مرواني وهو قائد قطاع الخوبة في حرس الحدود في جازان بـ«الدقيقة» ويقول «كلما تزيد عمليات الضبط والاستدلال عليها بالطرق التقليدية، يرتفع الحس لدى العاملين، ليصلوا إلى مراحل متطورة جدا يصلون بعدها إلى مهارات تمكنهم معرفة متى وأين وكيف يتنقل المهرب عبر أثر بسيط». ومع اختلاف التضاريس، شيد حرس الحدود سياجا أمنيا في المنطقة الواقعة على تضاريس يسيرة، على أن تكمل شركة «بن لادن» المتعاقدة مع الحكومة السعودية على تمهيد وإكمال إحكام العزل لضمان وتعزيز منع التسلل على الحدود.

ويتخذ حرس الحدود حزمة عوازل استراتيجية، تحكمها خطط استراتيجية ومعلومات استخباراتية داخل حرس الحدود، وتتعدل دوريا بحسب المتغيرات، ويقول مدير الشؤون العامة لحرس الحدود بجازان «إن الخط الأول للحدود يتمثل في الأسلاك الشائكة والعقوم الترابية التي نفذها حرس الحدود بآلياته وقواه البشرية»، ورصدت كاميرا «الشرق الأوسط» أعمالا ينفذها أفراد من حرس الحدود باستخدام المعدات الثقيلة، تتمثل في إنشاء عقم ترابي في الطريق المتجهة صوب محافظة الطوال التي تبعد 80 كيلومترا عن جازان، إلى جانب تشييد مجرى للسيول أثقل كاهل الحرس كلما هطلت أمطار على المنطقة، والتني تنجم عن سيلان وادي تعشر من الجنوب إلى الشمال، واستخدم حرس الحدود أنابيب ضخمة مدعمة بأسلاك حديدية على الأطراف، ذلك أن السيل إذا ما جرى يجرف العقوم ويحتم على حرس الحدود إعادة إنشائها.

وعلى بعد 15 مترا من الأسلاك الشائكة، يشكل «شبك» حديدي أكثر متانة من الأسلاك الشائكة، خط دفاع ثانيا، وبين الشبكين، تتناثر أبراج المراقبة التي يتوزع فيها رجال حرس الحدود، بينما تنفذ دوريات عمليات تمشيط تقسم على شكل مربعات تتناوب عليها الدوريات، وتعتبر المنطقة برمتها حرما حدوديا يحظر دخوله دون إذن من حرس الحدود.

وفي الخط الخلفي تتوزع مراكز مراقبة تشمل العمليات والمراقبة الحرارية، وفي المقابل، تبدو مراكز الجانب اليمني شبه خاوية، وعلى مسافة 40 كيلومترا في طريق جولة «الشرق الأوسط»، لم يتم رصد أي دورية يمنية، أمام سيل من الأفراد وأبراج المراقبة في الجانب السعودي، لا يفصل بين اثنين منها أكثر من عشرين مترا، إلى جانب الدوريات العامة والدوريات المقسمة على مربعات. وتختلف المضبوطات في قطاعات حرس الحدود على حسب الأنشطة وطبوغرافية المكان المجاور، ففي المواقع التي تكثر فيها النتوءات والجبال، ينشط تهريب المخدرات والقات، وتسهل عمليات الهرب نظير وجود الغابات والأشجار والمرتفعات والمنخفضات. نظرا لصعوبة ووعورة المنطقة التي تقع عليها الحدود، بينما تكثر عمليات التهريب الأخرى في المناطق المنبسطة.

أمام ذلك، تكثر عمليات تهريب السلاح نتيجة وجود سوق يمنية بقرب قطاع حرس الحدود في منطقة بني مالك الداير التي تمثل امتداد جبال السروات التي تتحدر من غرب السعودية إلى جنوبي غربها، ويستغرق الوصول إلى المنطقة الحدودية نحو ساعتين، إلى جانب 45 دقيقة بالسيارة في مسافة لا تتجاوز 70 كيلومترا، وتفصل جبال المنطقة أودية عميقة في توزيع أعمال الحدود التي تقع في الجزء الجنوبي منها. وتتمركز قوات حرس الحدود على الجزء الجنوبي المتاخم للمحافظة مع اليمن، وتغطي المراكز التابعة لقطاع الحدود في المنطقة مختلف التضاريس، فهناك المراكز المطلة على السهول المنبسطة التي سهلت وصول كاميرا «الشرق الأوسط» لعلامة حدودية سعودية يمنية، إلى جانب مراكز أخرى تابعة للقطاع تعلو الأرض بـ2500 متر عن سطح البحر، ولا يعدو الوصول إلى تلك المناطق سوى نوع من المخاطرة، لأن الطريق التي كانت في السابق وعرة بشكل أكبر مما هي عليه كما يقول مدير الشؤون العامة في قيادة حرس الحدود بجازان، إذ كانت غير ممهدة البتة، وكانت السيارات تواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى تلك المناطق، «بل كان جبل فهران وهو أعلى جبال المنطقة، يستغرق نصف يوم كامل للوصول».

وتنقسم المواقع التي تنفذ أعمال المراقبة في حرس الحدود إلى قيادة عامة في المحافظة، تتبعها قطاعات بحسب المحافظات والموقع، وتنقسم أنواع القطاعات إلى بري، وبحري، وساحلي، كل قطاع تنتمي إليه مراكز عمليات، وكل مركز ينتمي إليه جملة نقاط مراقبة. هذه التشكيلة تعمل بشكل يشبه خلية النحل، ويتخلل التقسيمات عدد واسع من القطاعات اللوجيستية، كالاستخبارات وقطاعات الإنشاء والصيانة والإنقاذ.

وتستخدم مراكز حرس الحدود جملة تعليمات يصدرها مدير العمليات الذي يتواصل بدوره مع مركز العمليات في المنطقة.

ويحبط حرس الحدود بشكل يومي عددا واسعا من العمليات، لكنه في الوقت نفسه، لا يعطي منتجا مباشرا للمواطن، لذا يتسم عمل حرس الحدود في المنطقة بالسرية والهدوء والعمل الصامت.

وتشبه أعمال رجال حرس الحدود، مهام المدافعين في كرة القدم، إذ يعدون الأقل شهرة أمام المهاجمين ومسجلي الأهداف، حيث تتركز النجومية دائما على من يصيب الهدف ليس من يحميه.

بيد أن ذلك لا يقف عثرة أمام الحراس الذين يقضون أعمالهم بشكل مريب وخطر، وفي الجولة، تحدث أفراد عن أيام العمل التي يقضونها في مناطق بعيدة عن أهليهم، ما يحدوهم إلى المكوث فترة طويلة تتراوح بين العشرة والعشرين يوما على اختلاف وتقسيم القطاعات، وذلك نظرا لبعد الموقع، على أن تكون إجازتهم طويلة أيضا تمتد بين 7 و12 يوما، ليعودوا إلى أعمالهم مجددا.

ويعيش الأفراد والضباط بشكل يصفه العميد مرواني بالأخوي، لأن الظروف تحتم عليهم ذلك، ويتعاونون فيما بينهم في كافة الأمور اللازمة لمزاولة العمل على أكمل وجه، وتخفيف وطأة الوحشة التي يعيشونها، مستدركا، إن ما يشحذ همم الشبان هو عمليات القبض على المتسللين أو المخدرات، لأن ذلك يزرع فيهم شعورا لا يقارن ولا يوصف، فحماية الوطن بالكلام تختلف إطلاقا مقارنة بالذود عن حماه بالأفعال، وتعريض النفس إلى المخاطر، وربما لا يعرف كثيرون عن الأبطال الذين يواجهون المجهول في سبيل تأدية واجبهم.. إنهم فخورون بذلك، ونحن نفخر بهم كل الفخر.

وباختلاف المناخ وتغيراته، يواجه حراس الحدود على الدوام، عنصرا مجهولا، وتختلط المعايير لديهم في أحيان يرغبون المواجهة السلسة التي لا يتأثر فيها أي طرف، وبين أحيان أخرى يتعرضون فيها لخطر الإصابة نتيجة تبادل إطلاق النار، أو الاعتداء بالأسلحة البيضاء، ولذلك يبقى العسكري القابض على متسلل أو مجموعة متسليين تحت وطأة ضبط الأعصاب من جهة، والنباهة لأي حركة قد تعرضه للإصابة خلال أجزاء من الثانية.

حيال ذلك، يقول العميد أحمد مرواني إن التحكم يكتسبه الأفراد والضباط بتواتر المواقف والخبرة، حتى يصل الشخص إلى مرحلة يستطيع خلالها التحكم بتسيير مجموعة تمشي سيرا على الأقدام بطريقة حازمة من جهة، وإنسانية من جهة أخرى. وفي جانب الأعمال اللوجستية التي ينفذها حرس الحدود، تلعب المعلومات الاستخباراتية دورا مهما في تقصي والتحقيق وجلب المعلومات، ولا يقتصر دورها على العمليات الاستخباراتية الدارجة، بل يمتد ليطال تكوين العلاقات الجيدة مع القرى والقبائل المتداخلة والتي تطل على الجانب الآخر.

ويتعامل حرس الحدود مع المهربين والمتسللين بطرق غاية في الإنسانية، ويقول العقيد بن محفوظ إن هناك حالات حمل وعلاج للمصابين، خصوصا أنهم يقطعون طريقا وعرة، وهناك حالات متعددة من لدغات الحيات والعقارب، ويضيف «هناك توجيهات عليا بالتعامل بكل إنسانية مع المقبوض عليهم، وفحصهم طبيا، بل إن هناك حالات تعالج في مستشفيات المنطقة بناء على التوجيهات».

وفي الجانب البحري، تقبع مساحة كبيرة من البحر تحت مسؤولية حرس الحدود، تقارب 400 كيلومتر، وتنفذ الدوريات البحرية التي تستقل زوارق ومراكز تراقب البحر ونحو 250 جزيرة في أرخبيل فرسان.

ويقول العقيد يحيى جباري قائد قطاع فرسان بحرس الحدود «إن طبيعة المقبوضات في البحر تتراوح بين القات والحشيش المخدر والأسلحة، إلى جانب تهريب المتسللين»، لكن العمليات البحرية تعد غاية في الصعوبة بسبب طبيعة المواجهات، إلى جانب أوضاع الطقس، ويضيف العقيد جباري «في كثير من الأحيان يعد القبض على المهرب عملية تستغرق وقتا طويلا، والاعتداء الناري يصعب تفاديه في المواجهات البحرية» مستدركا «بيد أن رجال حرس الحدود ينفذون تدريبات ويتم تأهيلهم بشكل دوري على التعامل مع كافة الأوضاع».

ومن داخل زورق تابع لحرس الحدود يبلغ طوله 15 قدما، قال قائد قطاع فرسان «إن الجنود والضباط الموجودين في المراكز البحرية، يتحملون عبئا واسعا من المشقة، خصوصا في ناحية التموين، فبعض الشهور في السنة، البحر قد يعيق وصول الإعاشة، ما يضطرهم إلى البقاء وانتظار هدوء البحر»، وزاد «يقضي أفراد وضباط حرس الحدود في جزيرة رامين التي تبعد نحو 30 كيلومترا عن جازان في جزيرة خاوية إلا منهم، ويراقبون حركة الملاحة وكافة المحركات التي قد تدخل منطقة مراقبتهم، وهم في كل حال، جملة من منظومة مقسمة في البحر (نتحفظ على ذكر أعدادها بالتحديد)»، وتنفذ خطط واستراتيجيات تتغير وفق المعطيات والتطورات الميدانية. وخلال تنفيذ الجولة، رصدت كاميرا «الشرق الأوسط» عملية إحباط تهريب 800 كيلوغرام من القات المحظور تداوله ودخوله البلاد، وذلك عبر زورق اتخذه شابان يمنيان الجنسية قاطعين مسافة بعيدة جدا تقترب من 400 كيلومتر من المياه الإقليمية، وذلك فقط لمجرد إدخال هذه الكميات.

يقول العقيد جباري «إنهم يعرضون أنفسهم لخطر شديد جدا في إمضاء أيام كثيرة حتى يستطيعوا الوصول»، ونهض إلى خريطة بحرية يشرح من خلالها، التفافهم بعدما قطعوا المسافة الكبيرة إلى منطقة توقعوا أنهم لن يجدوا فيها حراسة نظير ابتعادها عن الشواطئ والجزر التي يتخذ منها حرس الحدود مقار للمراقبة. وتملك القطاعات البحرية أجهزة متطورة في المراقبة، وتتقسم بشكل رتيب في تنفيذ أعمالها، وتملك أسطولا بحريا يتراوح بين الزوارق الكبيرة والمتوسطة التي تبلغ 15 قدما، و7 أقدام. وأضاف العقيد جباري أن المواطنين يساهمون في عمليات الإبلاغ عن المعتدين من زوارق.

من جانب آخر، قال عبد الله حكمي وهو أحد الصيادين في المنطقة إننا نستخدم حتى الصوت في عملية التفريق بين الزوارق السعودية والأخرى اليمنية أو الأفريقية، وأضاف «يغلب وجود محركات قوية على زوارق صغيرة الحجم على المعتدين، لأننا في الصيد لا نحتاج إلى المحركات القوية التي تكون تكلفتها ضخمة مقارنة بحاجتنا إلى قوارب الصيد». ويعود العقيد الجباري ليقول إن المنطقة مغطاة بالكامل بمراقبة حرارية، وأجهزة تعقب حديثة تستطيع كشف الأجسام الداخلة إلى الحدود، «ونراقبها لنصب كمين يغلب علينا اتخاذ الحذر وقت تنفيذه، كاختيار المكان المناسب والتغطية المناسبة تحسبا لوقوع أي مكروه»، لافتا إلى تسليح القوارب بأسلحة لا تستخدم سوى عندما يبدأ المجهول في الاعتداء، أو عندما يبادر في المقاومة.

وعلى بعد بسيط من عرض البحر، تتخذ دوريات حرس السواحل عمليات تمشيط دائمة للمنطقة الساحلية، وتحمل على عاتقها مهمتين رئيستين، الأولى مراقبة السواحل من عدم دخول أي زوارق بشكل غير شرعي، وحراسة ميناء جازان، وتتخذ بعدا إنسانيا يتمثل في مراقبة السواحل والمناطق التي تحظر السباحة فيها، إلى جانب حماية أشجار الشورى المزروعة خلال مشروع ضخم من قبل شركة يابانية.

* الأرقام تتحدث

* كشف لـ«الشرق الأوسط» الرقيب ولي حكمي المسؤول الإعلامي في حرس الحدود بجازان عن إحباط تهريب 274 ألف متسلل خلال عام واحد فقط، و4240 مهربا، بانخفاض يصل إلى 30 في المائة مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية، كما سجلت القيادة مضبوطات بلغت 146.5 ألف ذخيرة حية، و1648 سلاحا متنوعا، وذلك خلال العام المنصرم، إلى جانب ضبط نحو 400 ألف طن من مادة قات، و15 طنا من الحشيش المخدر، كما ضبطت 2.6 مليون ريال سعودي نقدا، ونحو 6 آلاف رأس من المواشي تمت محاولة تهريبها إلى البلاد. وسجلت إحصائيات حرس الحدود بشكل عام في السعودية خلال العام الماضي 338.6 ألف شخص حاولوا التسلل، و4986 من المهربين، 28.5 طن من الحشيش، وعدد 753 ألف حبة مخدرة، ومليوني كيلوغرام من القات، و2475 سلاحا متعددا و16 قذيفة من نوع «آر بي جي» 189 ألف قطعة ذخيرة حية.

* نظام البصمة يحبط هروب مطلوب اختلس 17 مليون ريال

* لا تقتصر أعمال حرس الحدود في القبض على المهربين والمتسللين إلى السعودية وحسب، فالعميد حسن عميش قائد قطاع حرس الحدود في الطوال كشف لـ«الشرق الأوسط» عن إحباط محاولات هروب متعددة كان آخرها لمطلوب قضائيا، اختلس أموالا بقيمة 17 مليون ريال من إحدى الشركات السعودية. وألقت قوات حرس الحدود القبض على المتهم خلال محاولته التسلل إلى الجانب الآخر (اليمن)، وفي البداية حاول الإنكار، لكن نظام البصمة كشف سره وساعد الجهات الأمنية في التعرف على المطلوب.

وأضاف العميد عميش أن نظام البصمة يزيل الغطاء عن كثير من المتسللين من الجانبين، وظهرت نتائج البرنامج المضاف حديثا إلى السلطات السعودية في المنافذ وعلى الحدود في اختصار جهد واسع على القطاعات وساعد في تعزيز أداء الجهات الأمنية على أكمل وجه.

ووفرت أجهزة حرس الحدود في المراكز المترامية كافة التجهيزات الإلكترونية التي تحتاجها أنظمة البصمة، وفي حالات أخرى، وفرت وزارة الداخلية حافلات ضخمة مدمجة بعدد من الأنظمة التي تحتوي على أقمار صناعية وحواسيب تساعد في إجراء عملية البصمة والتحقق من المتسللين والمهربين.