ساركوزي حائر بين البقاء في السياسة أو العبور نهائيا إلى عالم المال

العرض القطري بترؤسه صندوقا استثماريا يثير جدلا حاميا في فرنسا

ساركوزي يحضر مباراة لفريق كرة القدم باريس سان جيرمان مع رئيس النادي القطري ناصر الخليفي بداية العام (رويترز)
TT

أكثر من مرة، أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أنه في حال خسر الانتخابات الرئاسية فإنه سينصرف إلى عالم الأعمال ليربح «الكثير من المال» احتذاء بأصدقائه من قادة الشركات الكبرى الذين يرافقونه في مسيرته السياسية منذ سنوات طويلة. وبالفعل، استعاد ساركوزي، المحامي السابق، نشاطه المهني وهو يقضي أوقاته بين إلقاء المحاضرات في مدن العالم (مائة ألف يورو للمحاضرة) وبين مكتبه، من غير أن يقلب نهائيا صفحة السياسة بحسب ما نقلت عنه مجلة «فالور أكتويال» اليمينية قبل أيام.

وفي عبارة متعددة المعاني، أكد ساركوزي أن «ساعة ستأتي حيث لن يعود السؤال المطروح علي: هل لي رغبة في العودة إلى السياسة، بل هل لي خيار آخر غير العودة؟»، وإذا ما حصلت «أحداث جسام» كاستفحال الأزمة الاجتماعية والمالية أو حصول «قلاقل سياسية»، فإن الأنظار ستتجه إلى «المنقذ ساركوزي» كما اتجهت قبل أكثر من نصف قرن إلى الجنرال ديغول بطل فرنسا الحرة.

هذه هي صورة ساركوزي اليوم، بعد أقل من سنة على خروجه من قصر الإليزيه: رجل في السياسة وأخرى في عالم المال والأعمال. يحث من جهة أصدقائه المخلصين على إبقاء شعلة العودة متوقدة خصوصا على خلفية تهافت شعبية خلفه فرنسوا هولاند التي هبطت إلى الحضيض (30 في المائة وفق آخر استطلاع للرأي)، ومن جهة أخرى يستثمر موقعه الجديد وعلاقاته السابقة ويوظفها لأغراضه الشخصية.

وإلى عشرة أيام خلت، كان الجدل فرنسيا يدور حول إمكانية عودته إلى عالم السياسة. ولكن منذ أن نشرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» خبرا يفيد بأنه قد يعهد إليه ترؤس صندوق قطري بقيمة 500 مليون يورو للاستثمار في بلدان مثل المغرب، وإسبانيا، والبرازيل، وغيرها، فإن النقاش اتخذ منحى جديدا. وها هو رئيس الوزراء الأسبق جان بيار رافاران ينبه ساركوزي إلى أنه سيكون «من الصعب عليه» التوفيق بين السياسة وعالم الأعمال، ولذا فإنه يتعين عليه «الاختيار» بين الاثنين. وفي رأيه، فإن السياسة «تبتلع» العامل فيها ولا تحتمل «النصف دوام». وما قاله رافاران يوافقه عليه وزير التربية الاشتراكي فانسان بيون الذي رأى أنه إذا قبل ساركوزي ترؤس الصندوق القطري فإنه يكون قد «تخلى نهائيا» عن السياسة. وفي رأيه، فإن «العمل لمصالح خاصة لا يتناسب مع الخدمة العامة والحاجة للاستقلالية التامة». وذهب المرشح الرئاسي الوسطي السابق فرنسوا بايرو أبعد من ذلك، إذ رأى أن قبول ساركوزي يعني أنه «سيكون مربوطا ببلد أجنبي لديه استراتيجية الانغراس في فرنسا».

ويأتي هذا الجدل ليعيد إلى الواجهة كل الانتقادات التي توجه لسياسة قطر الاستثمارية في فرنسا في قطاعات الاقتصاد والعقارات والرياضة والإعلام ويوجه الأنظار لـ«العلاقات الخاصة» التي تربط ساركوزي بالمسؤولين القطريين، وخاصة الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء حمد بن جاسم. ولم يتردد المعلقون في الربط بين العرض القطري والزيارات المتعددة التي قام بها ساركوزي إلى الدوحة في الأشهر الماضية واستقباله في القصر الأميري. كذلك عادت الألسن لتؤكد أن ساركوزي ساعد المستثمرين القطريين على الانغراس في فرنسا حيث يقدر إجمالي استثماراتهم بنحو 13 مليار يورو بما في ذلك شراء نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم وإنشاء صندوق مشترك من 100 مليون يورو لمساعدة أصحاب المشاريع من الشباب مخصص لضواحي المدن التي تتركز فيها الجاليات المهاجرة العربية والإسلامية.

حتى الآن، امتنع ساركوزي عن التعليق على الخبر، لكن محيطين به قالوا إنه «يتلقى الكثير من العروض ولكنه لم يتخذ بعد قرارا بشأنها». ويشاع أن ساركوزي تلقى عرضا مشابها من الإمارات العربية المتحدة لترؤس صندوق بأبوظبي. ويرد مناصروه بالقول إن ساركوزي «ليس أول رجل سياسي ذهب إلى عالم الأعمال»، ويذكرون حالة المستشار الألماني غيرهارد شرودر (الذي يعمل لمصالح نفطية روسية) ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، لكن الفرق بين ساركوزي وبين هذين السياسيين أن الأخيرين تخليا نهائيا عن السياسة، بينما ساركوزي لم يقدم على ذلك بشكل قاطع.

وتربط تقارير إعلامية من بينها موقع «بلادي» الإلكتروني المغربي بين عرض قطر على ساركوزي وبين رغبة شركة «قطر للاتصالات» في شراء حصة شركة «فيفاندي» الفرنسية في مجموعة الاتصالات المغربية «ماروك تليكوم» لعلاقة الصداقة التي تربط الرئيس السابق بالعاهل المغربي من جهة وبرئيس شركة «فيفاندي» جان رونيه فورتو من جهة أخرى. وترغب «قطر للاتصالات» في استكمال حضورها في بلدان المغرب العربي بالدخول إلى المغرب بعد أن دخلت إلى الجزائر عبر شركة «نجمة» وإلى تونس عبر «تونسيانا».