بعد «التغيير».. العراقيون يسمعون بالمليارات لكنهم لا يرونها

نسبة البطالة 11% طبقا للأرقام الحكومية و35% لغيرها

TT

عوامل كثيرة سهلت على الولايات المتحدة الأميركية غزو العراق كان في مقدمة هذه العوامل صدام حسين نفسه. ففي الفترة الفاصلة بين الضربة الأولى يوم التاسع عشر من مارس (آذار) عام 2003 وبين التاسع من أبريل (نيسان) من العام ذاته، يوم سقوط النظام، كانت هناك مفاجأتان الأولى تمثلت في التقدم الأميركي السريع حيث تزامن بدء الغارات الجوية مع الحرب البرية والثانية في الظاهرة الدفاعية العراقية المتمثلة بوزير الإعلام محمد سعيد الصحاف الذي قدر له أن يكون آخر مسؤول عراقي كبير يختفي من المشهد الإعلامي والسياسي يوم الثامن من أبريل بعد أن أصبحت الدبابات الأميركية في مواقع قريبة من القصر الجمهوري «المنطقة الخضراء» حاليا.

مسؤولية صدام حسين المباشرة تمثلت في أنه لم يعد بمقدور أي عراقي الدفاع عن نظامه بعد أن أغرق البلاد في سلسلة من الحروب بعد سنة من توليه السلطة عام 1979 مع إيران فالولايات المتحدة فالكويت ومن ثم الحصار الذي استمر 13 عاما. بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي اعترف فيما بعد كبار قادتها بأنهم كانوا ضحايا معلومات سطحية أدلى بها زعماء عراقيون كان في مقدمتهم أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي تصوروا أن إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس عصر التاسع من أبريل كان بمثابة مرحلة فاصلة. القرارات التي اتخذها الحاكم المدني للعراق بول بريمر اتخمت العراقيين بالوعود البراقة والتي لم يتحقق منها الكثير على أرض الواقع وفي المقدمة منها البطاقة التموينية. ففي الأيام الأولى للغزو الذي نظر إليه الكثيرون على أنه «تحرير» سرت شائعة في الأوساط الشعبية أن البطاقة التموينية التي كانت تحتوي على 8 مفردات في زمن صدام حسين أصبحت بعد التحرير 40 مفردة تشمل كل شيء تقريبا مما تحتاجه العائلة ويحتاجه الفرد. لكن كل شيء تبخر حسبما أكد لـ«الشرق الأوسط» معظم من شملهم هذا الاستطلاع.

الدكتور طارق الحديثي (أستاذ جامعي) يقول إن «المشكلة الكبرى تتمثل في أن العراقيين باتوا يسمعون سنويا بمئات مليارات الدولارات بسبب ما يسمونه بالشفافية عند إعلان الميزانية ولكنهم لم يروها باستثناء الرواتب والأجور التي تحسنت بالفعل». ولكن «معدلات التضخم المرتفعة فضلا عن النزعة الاستهلاكية وعدم التوجه إلى الإنتاج جعلت كل الزيادات في الرواتب والأجور تأكل كل ما يصيب الموظف من زيادة». وتضيف زميلته الدكتورة مها إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» أن «المسألة تبدو لي أكبر بكثير من مجرد حديث عن رواتب وأجور أو مستويات معيشة بل إن القضية الأكبر اليوم هي قضية الإنسان العراقي الذي يبدو أنه الآن بلا هوية وطنية جامعة بعد أن تم تغليب الهويات الفرعية مثل الطائفة والعرق والمذهب». وتضيف أن «التحولات التي مرت على العراق بعد عام 2003 لم تترك مجالا للحلم ببناء دولة ومجتمع فمن تشكيل الحكومات المتعاقبة على أسس طائفية وعرقية إلى محاربة الإرهاب ومن ثم الحرب الطائفية وانتهاء بالأزمات المتلاحقة وملفات الفساد التي أكلت الأخضر واليابس».

المواطنة رحاب عبود (ربة بيت) تقول «بعد سقوط النظام السابق كان حلمنا هو التغيير الفعلي في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية ولكن الآن لم نعد نفكر إلا في الأمان لنا ولأولادنا». وتضيف أنها «طوال يومي قلقة على أولادي وبناتي حال خروجهم إلى المدارس والكليات وعودتهم منها وهو أمر يتكرر يوميا وهو ما تعيشه العائلة العراقية». جبار علي (سائق سيارة أجر) يقول إن «المشكلة التي نواجهها كأصحاب مهن حرة وخاصة سائقي سيارات النقل العام أو التاكسيات هي كثرة السيطرات والازدحامات وهو ما يجعلنا غير قادرين على تأمين قسط السيارة الشهري فضلا عن احتياجات عوائلنا». ويضيف أنه «إذا كانت كل سيطرة تعني أن نتوقف عندها نصف ساعة وأحيانا أكثر فهذا يعني أننا لا نستطيع أن نحصل على مردود مالي كافٍ».

ويشاطر الشاب عادل نوري جبار علي إحساسه بما يجري قائلا إنه «خريج كلية علوم منذ عام 2005 ولكني لم أحصل على تعيين حتى الآن لأني لا أملك 25 ورقة (تعني 2500 دولار) أدفعها رشوة حتى أحصل على وظيفة حكومية لأن كل الوظائف إما بالواسطات أو الرشى».

وبحسب الأرقام والإحصائيات فإن نسبة البطالة في العراق 11% طبقا للأرقام الحكومية و35% طبقا للأرقام غير الرسمية من مجموع السكان البالغ عددهم 32 مليون نسمة حيث يفضل ما نسبته أكثر من 80% من الشباب العراقيين الهجرة إلى الخارج بعد أن شعروا باليأس من إمكانية إصلاح الأوضاع بما يؤمن لهم فرص عمل حقيقية سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.