10 «سنوات عجاف» من الخدمات والكهرباء في العراق

فروقات كبيرة في الرواتب والغلاء يبتلع الزيادة فيها.. والمتقاعدون الأكثر تضررا

TT

تكاد تكون أزمة الكهرباء وسوء الخدمات القاسم المشترك لكل الأزمات في العراق منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وحتى اليوم.

وبلغة الأرقام فإن مجموع الموازنات المالية للعراق منذ عام 2004 وحتى اليوم بلغ أكثر من 800 مليار دولار. وطبقا لآخر موازنة (عام 2013) والبالغة 138 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ الدولة العراقية، فإن تقسيمها بين ما هو استثماري وتشغيلي يكاد يختزل الأزمة بكل أبعادها ومدياتها.

هذه الموازنة، مثلها مثل باقي موازنات السنوات التسع المنصرمة، لم تتمكن من تخطي التقسيم المعروف لها بين 70 في المائة تشغيلي (رواتب وأجور) و30 في المائة استثماري. وبلغة الاقتصاد، مثلما يرى الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، فإن «هناك فائضا متراكما منذ عام 2003 حتى 2009 بحدود 58 مليار دولار، بعد طرح السلف، فهذا دليل على أنه لا توجد رقابة فعلية على عملية تنفيذ الموازنة والأهداف المرتبطة بها».

ويضيف الصوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة أن طريقة بناء الموازنة في العراق خاطئة، وهي طريقة التعامل كصندوق، وهذا ليس الأساس في ترتيب الموازنة»، مؤكدا في الوقت نفسه أن «الموازنة يجب أن تكون لها أهداف استراتيجية واقتصادية واجتماعية ويجب الوصول إليها في فترة زمنية محددة».

وما دامت الموازنات المالية العراقية يضاف لها مجموع ما أنفق من أموال الدول المانحة تحت بند إعادة إعمار العراق والتي بلغت طبقا لآخر تقرير للمراقب الأميركي 60 مليار دولار، كان التركيز فيها على الرواتب والأجور وقضايا الصيانة والخدمات في مختلف الدوائر والوزارات، وهو ما يشكل ما نسبته 70 في المائة منها، فإنه لم يتبق للاستثمار سوى 30 في المائة.

وما دامت الكهرباء تكاد تكون هي العقدة في منشار التحول السياسي والاجتماعي العراقي طوال عقد من السنوات فإنه وطبقا لما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، مصعب المدرس، فإن مجموع ما أنفق على هذا القطاع الذي يعد الأكثر حيوية في البلاد «نحو 37 مليار دولار منذ عام 2003 وحتى عام 2012». ويضف المدرس أن «هذا المبلغ يتراوح بين 16 مليار دولار تشغيلية أي رواتب وأجور وخدمات صيانة، فضلا عن مبلغ شراء النفط من وزارة النفط والبالغ سنويا مليار دولار، يضاف إليه أيضا المبلغ الخاص بشراء الطاقة الكهربائية من إيران ومن البارجة التركية في أم قصر جنوب العراق». أما المبلغ المتبقي مثلما يقول المدرس «فإن نحو 7 مليارات دولار منه محجوزة حاليا في صندوق تنمية العراق، حيث كان قد منح كضمانات للشركات، والآن نحاول أن نخرجه من ذمة الوزارة لكي يعاد إلى وزارة المالية». ويصنف المبلغ المتبقي طبقا للمدرس أيضا «والبالغ نحو 14 مليار دولار على ثلاثة مستويات هي إنتاج الكهرباء ونقل الطاقة والتوزيع».

وردا على سؤال بشأن ما تحقق على صعيد الكهرباء طبقا للمبالغ المخصصة والوعود التي قطعتها الوزارة طوال السنوات الماضية لا سيما أن هناك شبهات فساد كثيرة جرى الحديث عنها على صعيد العقود قال المدرس إن «هناك مبالغات كثيرة في قضية الفساد في وزارة الكهرباء لا سيما أن العقود التي تبرمها الوزارة معروفة وعلنية، وقد تم طبقا لهذه العقود بناء مشاريع ومحطات خطوط نقل ومحطات ثانوية وتحويلية»، مشيرا إلى أنه «يوجد الآن 42 مشروعا، منها 20 محطات توليدية، وأن نسبة الإنجاز فيها تتراوح بين 50 في المائة و90 في المائة». وحول مجموع إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق اليوم يقول المدرس إن «مجموع إنتاج الطاقة الآن هو 8500 ميغاواط، وإن هناك عددا من الوحدات التوليدية هي الآن تحت الصيانة وسوف تدخل بعد 45 يوما تضاف إلى إمكانية إنتاج 3000 ميغاواط إضافية، بحيث يصبح مجموع إنتاج الطاقة حتى نهاية العام الحالي 12500 ميغاواط، وهو ضعف ما كانت عليه عام 2011».

وأكد المدرس أن «العام المقبل سيشهد نهاية مأساة الكهرباء في العراق، حيث يصبح مجموع الإنتاج 20 ألف ميغاواط وهو أكثر من الحاجة الفعلية». وقبل أن نختم فصل نهاية المأساة المتوقعة للكهرباء سألنا المدرس عن عدد ساعات القطع اليومي للكهرباء فقال إن «معدل ساعات القطع الآن وفي ضوء التحسن الواضح في المنظومة يتراوح بين 16 ساعة تجهيز إلى 24 ساعة، حيث إن بعض المحافظات مثل كركوك شمالا وميسان جنوبا معدل التجهيز فيها 24 ساعة في اليوم». وبالمقارنة بين ما كانت عليه ساعات القطع والتجهيز خلال الأعوام الماضية والتي كان وصل معدل التجهيز فيها إلى 3 أو 4 ساعات يوميا مقابل قطع 20 أو 21 ساعة، لا سيما في أشهر الصيف، فإنه في حال استمر التحسن فإن صيف عام 2013 ربما يكون هو الأقل سوءا بالقياس إلى الأعوام الماضية.

وإذا كان واقع الكهرباء طبقا للمؤشرات الحالية سوف يشهد تحسنا خلال الفترات القادمة فإن المعاناة العراقية تستمر على وتائر أخرى، لعل في المقدمة منها المفارقة بين الرواتب والأجور وفرص العمل.

ففي ظل ضعف الجانب الاستثماري في الموازنات المالية (30 في المائة فقط) مقارنة بالرواتب والأجور (70 في المائة) فإنه في الوقت الذي ازدادت فيه معدلات الرواتب بشكل كبير جدا بالقياس إلى زمن صدام فإن تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي فضلا عن عدم وجود رقابة على الأسعار خلق مثل المزيد من المفارقات. ففي زمن صدام كان معدل الرواتب والأجور يتراوح بين 5 و10 دولارات للموظف البسيط، بينما الآن حدود الرواتب متباينة تباينا كبيرا. ففي الوقت الذي تبدأ فيه الرواتب من 300 ألف دينار عراقي لأبسط درجة وظيفية، فإنها تستمر بالصعود لتصبح ملايين الدنانير لبعض الدرجات الوظيفية (مدير عام صعودا)، بينما لا تزال رواتب المتقاعدين متدنية بصورة عامة (الشريحة الأكبر تتقاضى 150 ألف دينار شهريا).

وفي وقت كانت فيه البطاقة التموينية على عهد النظام السابق تقدم للمواطن بمفردات كاملة (نحو 8 مفردات مثل الطحين والأرز والسكر والشاي والزيت والصابون وأنواع البقوليات)، فإنها اليوم لا تتعدى أربع مفردات ولا تجهز شهريا بانتظام. وبينما قنينة الغاز في العهد السابق بـ250 فلسا عراقيا فإن سعرها اليوم 6 آلاف دينار عراقي، وهو ما يعني عشرات الأضعاف.

وإذا قسنا معدل الرواتب والأجور العالية اليوم والتي تستهلك 70 في المائة من ميزانية الدولة بالقياس إلى الارتفاعات الهائلة في الأسعار فإن الغالبية العظمى من العراقيين يشعرون بأن الرواتب لا تكاد تكفيهم، خصوصا مع استفحال أزمة السكن الحادة (العراق يحتاج إلى مليونين ونصف المليون وحدة سكنية).

يضاف إلى ذلك أنه إذا كانت شريحة الموظفين هي الأفضل على الرغم من ذلك بسبب الرواتب الجيدة إجمالا فإن العراقيين من غير الموظفين تزداد معاناتهم حيث إنهم لا يتقاضون ما يكفي من أجور لسد نفقات الارتفاعات الهائلة في أسعار المواد الغذائية حتى الزراعية منها، حيث إنه بنظرة إلى سوق الخضراوات سنجد الباعة ينادون «خيار سوري، خس إيراني، برتقال مصري، طماطم أردنية»، مع عدم وجود أي محصول مكتوب عليه «زرع في العراق».