قتلى وحالات اختناق بهجوم كيماوي في محافظة حلب

النظام السوري والمعارضة يتبادلان الاتهامات

دبابة تابعة للجيش السوري النظامي تشتعل في الطريق السريع الجنوبي المؤدي الى دمشق أمس (رويترز)
TT

سقط أمس صاروخ في منطقة خان العسل في محافظة حلب (شمال سوريا)، ما أدى إلى مقتل 16 شخصا وإصابة 86 من المدنيين والعسكريين، «أغلبهم في حالة خطيرة»، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا)، مؤكدة أن الصاروخ الذي اتهمت المعارضة بإطلاقه كان يحمل رأسا كيماويا.

وتبادل نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية الاتهامات بشأن المسؤول عن إطلاق الصاروخ الذي لم ينف أي طرف أنه كيماوي؛ ففي حين قال وزير الإعلام السوري عمران الزعبي إن «إرهابيين» قاموا بإطلاق صاروخ بمواد كيماوية على المنطقة، قالت مصادر معارضة إن «صاروخ (سكود) أصاب المنطقة وتسبب بسقوط ضحايا وحالات تسمم». وأضاف الزعبي في تصريح نقلته «سانا» أن «قيام إرهابيين بإطلاق صاروخ يحتوي مواد كيماوية من كفر داعل في منطقة النيرب على منطقة خان العسل بحلب.. تصعيد خطير».

لكن مقاتلي الجيش الحر سرعان ما نفوا اتهامات نظام الأسد، وقال لؤي المقداد المنسق السياسي لقيادة الجيش السوري الحر لوكالة رويترز إن «قتالا اندلع في خان العسل هذا الصباح (أمس)، وإن جيش النظام قصف البلدة بصاروخ طويل المدى مزود برأس حربي كيماوي». وقال بيان عسكري صادر عن كتيبتي «القدس» و«خان العسل» «المرابطتين في المنطقة ما تناقلته» وسائل إعلام النظام عن استخدامهم للأسلحة الكيميائية: «داعيا الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية للتحرك بأسرع وقت ممكن لأن استخدام نظام الأسد لأسلحة كيميائية سيؤدي إلى حدوث كارثة إنسانية ضخمة».

وعن احتمالية استحواذه أو اغتنامه أسلحة غير تقليدية، نفى العقيد عارف الحمود، نائب رئيس أركان الجيش الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» امتلاك «الجيش الحر» صواريخ «سكود»، مؤكدا أن «كل ما نملكه هو صواريخ محلية الصنع لا نستطيع تحميلها مواد كيميائية، إضافة إلى أننا لم نستطع أن نسيطر على أي مركز يحوي مواد كيميائية خلال معاركنا مع النظام». وأشار إلى أن «الصواريخ التي يستخدمها النظام تقليدية وقديمة، الأمر الذي يرفع احتمالات الخطأ في إصابة الهدف عند إطلاق هذه الصواريخ، وهذا تحديدا ما حصل في حلب يوم أمس، حيث أطلق النظام صاروخ (سكود)، مستهدفا المناطق المحررة، لكنه سقط في منطقة يتجمع فيها قوات نظامية وبقايا مدرسة الشرطة التي تم اقتحامها منذ فترة من قبل المعارضة المسلحة».

وفي سياق متصل، بث التلفزيون السوري صورا ظهرت فيها سيارات إسعاف تابعة لمنظمة «الهلال الأحمر» السوري وهي تسعف الجرحى. وأظهرت بعض الصور مسعفين يضعون على وجوههم أقنعة قماشية، فيما بدا في صور أخرى عدد من أهالي المصابين وعلى وجوههم علامات الحزن والغضب.

وقال أحد الأطباء المشرفين على علاج الجرحى للتلفزيون إن الصاروخ «يحتوي على مواد سامة فوسفورية تسبب أعراضا حادة، مثل الغثيان وحالات غيبوبة».

يذكر أن بلدة خان العسل كانت تحت سيطرة الجيش النظامي حتى 3 مارس (آذار) الماضي، اليوم الذي تمكن فيه مقاتلو الجيش الحر من السيطرة عليها بعد معارك ضارية تركزت في محيط مدرسة الشرطة في البلدة، وقتل فيها أكثر من 120 عنصرا من قوات النظام وأكثر من 60 مقاتلا معارضا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي تفاصيل الحادثة قال بيان الجيش الحر الصادر أمس إن «النظامي» وبعد أسبوع من شنه لهجوم مضاد للسيطرة على البلدة من جديد، حاول استهداف مدرسة الشرطة «المحررة» بصاروخ يعتقد أنه «سكود»، إلا أن الصاروخ، يتابع البيان: «أخطأ هدفه ووقع في الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في البلدة، التي تتمركز بها قواته والشبيحة».

وحملت السلطات السورية تركيا وقطر المسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي، وأضاف الزعبي أن «حكومتي رجب طيب أردوغان وحمد بن جاسم بن جبر آل ثاني تتحملان المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية عن هذه الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون في خان العسل».

واعتبر وزير الإعلام السوري أن «هذه الجريمة هي أول مفاعيل قرار مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري». وأضاف أن «الجريمة التي وقعت اليوم استخدم فيها الإرهابيون سلاحا محظورا وفق قواعد القانون الدولي وهي برسم المجتمع الدولي والدول التي تمول وتسلح وتؤوي الإرهابيين».

وردا على كلام وزير الإعلام السوري الذي أشار إلى دخول صاروخ «سكود» من «دولة مجاورة»، في إشارة إلى تركيا، قال الحمود: «هل يمكن لعاقل أن يصدق أن دولة تشكل حيزا مهما من المجتمع الدولي مثل تركيا تسهل مرور صاروخ محمل بالأسلحة الكيميائية؟».

وطالبت «القيادة المركزية للجيش الحر» المجتمع الدولي بـ«القيام بمسؤولياته تجاه ما اعتبرته (خطا أحمر) في استخدام النظام للسلاح الكيماوي»، مشيرة في بيان لها إلى أن «إطلاق صاروخ محمل بالمواد الكيميائية على المدنيين في حلب يأتي في إطار استخدام السلاح الكيماوي من قبل قوات النظام السوري، فقد سبق وأن استخدم النظام مثل هذا النوع من الأسلحة الكيماوية في حيي البياضة والخالدية في مدينة حمص وفي مدينتي داريا والمعضمية في ريف دمشق». وتزامنت هذه الاتهامات مع ارتفاع عدد قتلى هجوم الطيران الحربي على حي المرجة بالمحافظة ذاتها أول من أمس إلى 40 قتيل منهم 17 امرأة و15 طفل.

ووصفت روسيا استخدام الأسلحة الكيماوية في معارك خان العسل بأنه «تطور مقلق وخطير للغاية»، وذلك بعدما تبنت الخارجية الروسية موقف النظام، واتهمت المعارضين لحكم الأسد بتدبير هذا الهجوم، مضيفة: «نشعر بقلق بالغ لوقوع أسلحة دمار شامل في أيدي المتمردين.. الأمر الذي يزيد الوضع في سوريا تدهورا ويصعد المواجهة في الدولة إلى مستوى جديد». أما منظمة انتشار الأسلحة الكيماوية فقد أشارت أمس على لسان رئيسها أحمد أوزموغو أنه ليست هناك معلومات من جهة مستقلة عن أي استخدام للأسلحة الكيماوية في سوريا كما تزعم الحكومة السورية ومقاتلو المعارضة.

يشار إلى أن مسؤولين غربيين وأميركيين حذروا غير مرة نظام الأسد من استخدام السلاح الكيماوي لمواجهة خصومه، وقد اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما ذلك خطا أحمرا قد يستدعي إجراءات أكبر منهم قد تصل إلى عسكرية. وتعقيبا على الحادثة، كررت واشنطن أمس تحذيرات أوباما من عواقب استخدام أسلحة كيماوية، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أنه ليس لديه دليل يدعم اتهام المعارضة السورية باستخدام أسلحة كيماوية، مضيفا: «ندرس بعناية المعلومات الواردة إلينا، وقد أوضح الرئيس بشكل واضح أننا نولي أهمية كبرى لهذه المسألة».