إلقاء القبض على 3 قيادات ليبية سابقة في مصر أبرزهم ابن عم القذافي

حبس قذاف الدم شهرا في القاهرة على ذمة التحقيق في فساد مالي

أحمد قذاف الدم يبتسم لحظة اعتقاله من طرف الشرطة المصرية أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد تبادل لإطلاق النار، أمضى أحمد قذاف الدم المنسق السابق للعلاقات المصرية الليبية والمبعوث الشخصي السابق للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، أكثر من ساعتين متحصنا في غرفة مصفحة ومضادة للرصاص داخل منزله في ضاحية الزمالك بالقاهرة، رافضا تسليم نفسه لقوات الأمن المصرية، إلى أن اضطر في نهاية المطاف، ومع ساعات الصباح أمس، إلى الاستسلام والخروج ليتجه به رجال الأمن إلى مكتب النائب العام المصري، ونقله في سيارة شرطة بعد ذلك إلى نيابة وسط القاهرة، ليصدر قرار بحبسه لمدة شهر في سجن طرة على ذمة التحقيق في قضايا فساد مالي في ليبيا. وفي تلك الأثناء كانت قوات الأمن قد ألقت القبض أيضا على اثنين آخرين من القيادات الليبية السابقة قرب القاهرة، هما سفير سابق ومسؤول مالي كبير، وإحالتهما للنيابة.

وبدت على الباب الخارجي لشقة قذاف الدم ثقوب لطلقات رصاص، بينما يوجد في مدخل الشقة الفارهة بقايا لحطام الزجاج والخشب. وقال قذاف الدم لـ«الشرق الأوسط»، إن «التهم الموجهة ضده من الجانب المصري تتعلق بتهمتين، الأولى عن عملية شراء لشركة ليبية مصرية قيمتها نحو 160 مليون دولار، والثانية، حصولي على جواز سفر مزور من ليبيا» وقال، إن «هذا لم يحدث».

وتأتي ملاحقة رموز النظام الليبي السابق بناء على قانون أصدره الحكام الجدد في ليبيا العام الماضي وينص على تجميد واستعادة مليارات الدولارات من نحو 240 شخصية ليبية بينهم أقارب للقذافي وموظفون كبار عملوا في أجهزة الأمن والاستخبارات والاستثمارات الليبية الخارجية وفي مجال الإعلام والسكرتارية الخاصة بالعقيد الراحل وغيرها.

ويرتبط قذاف الدم بعلاقات واسعة مع عدد من عمد وشيوخ القبائل العربية المصرية التي لها امتداد في ليبيا، وعلى رأسها قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها وقبيلة المقارحة التي كانت تؤازر حكم القذافي طيلة نحو أربعة عقود. وتتخوف بعض القبائل في مصر من أن يكون قذاف الدم، وهو من مواليد مدينة مرسى مطروح المصرية القريبة من الحدود مع ليبيا، ضحية لصفقة مساعدات مالية من ليبيا، وهي دولة نفطية غنية، إلى مصر التي تعاني من مصاعب اقتصادية كبيرة. وترددت تسريبات عن مساع لاتفاق ليبي مصري بمنح القاهرة مساعدات قدرها 4 مليارات دولار.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية مصرية أن الاستثمارات الليبية في مصر ما زالت مسجلة بأسماء شخصيات وشركات لرموز من نظام القذافي، وتبلع قيمتها مليارات الدولارات وموزعة بين فنادق وقرى سياحية على البحر الأحمر والقاهرة والساحل الشمالي، إضافة إلى مشروعات زراعية كبيرة في الفيوم والبحيرة، وشركات إعلامية وتجارية، إلى جانب أرصدة مالية ضخمة في عدد من البنوك العاملة في مصر.

وصرح مهدي أبو زريبة عمدة السلوم وهي بلدة تقع على الحدود المصرية الليبية، قائلا لموقع «اليوم السابع» الإلكتروني: «القبائل العربية بمصر ترفض أي ممارسات تتخذ من قبل الحكومة المصرية تجاه قذاف الدم أو التضحية به في صفقات بين مصر وليبيا»، محذرا الجانب المصري من الخضوع للضغوط الليبية وتسليمه في مساومة لتحسين العلاقات بين البلدين.

واحتفظ قذاف الدم بعلاقات واسعة أيضا مع النظام المصري السابق، ومع جماعة الإخوان المسلمين. وكان يحل ضيفا في بعض زياراته للقاهرة على المنزل الخاص بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في شرق القاهرة. ولعب دورا في تلطيف العلاقات بين طرابلس الغرب والقاهرة أثناء بعض الأزمات التي تسببت فيها تصرفات وتصريحات من جانب القذافي ضد مصر في عهد مبارك. وقال مسؤول سابق لـ«الشرق الأوسط» إن مبارك عبر لقذاف الدم في إحدى الجلسات عن عدم رضاه على حضوره حفل إفطار في شهر رمضان قبل خمس سنوات، نظمته جماعة «الإخوان»، وظهر فيه قذاف الدم مع مرشد الجماعة السابق حين كانت جماعة «الإخوان» خصما لدودا لنظام مبارك.

وقالت مصادر قضائية إن المستشار كامل سمير جرجس المحامي العام ورئيس مكتب التعاون الدولي بالنيابة العامة، أمر أمس بحجز قذاف الدم لمدة 30 يوما، وإنه سيمضي مدة الحجز في سجن طرة المحبوس فيه أيضا عدد من قيادات النظام المصري السابق، وذلك في ضوء ما هو منسوب إليه من اتهامات قدمتها السلطات الليبية للنيابة العامة المصرية، والتي تشير إلى ارتكابه لجرائم فساد مالي بليبيا، مشيرة إلى أن قرار حجز قذاف الدم يستند إلى اتفاقية تعاون قضائي بين مصر وليبيا تجيز حجز المتهمين بارتكاب جرائم والمطلوب تسليمهم لأي من البلدين لمدة 30 يوما قابلة للتكرار والتجديد، إلى حين البت بصورة نهائية في طلبات تسليمهم.

وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية: إن «المستشار جرجس أمر بمخاطبة السلطات الليبية لسرعة استيفاء المستندات والأوراق والإيضاحات المطلوبة، والتي تقطع بارتكاب قذاف الدم للاتهامات المسندة إليه، والمتعلقة بارتكاب جرائم الفساد المالي».

وأصيب في الاشتباكات بين حرس قذاف الدم وقوات الأمن المصرية فجر أمس ضابط إضافة إلى حارسين من حراسه. وأعلن مصدر أمني رفيع المستوى أن القبض على قذاف الدم، ابن عم القذافي، تم بناء على مذكرة وردت للإنتربول المصري من الإنتربول الليبي لضبط وإحضار قذاف الدم وتسليمه للسلطات الليبية لمحاكمته هناك، مشيرة إلى أن قذاف الدم سلم نفسه لأجهزة الأمن في القاهرة بعد اشتباكات في داخل وفي محيط منزله في ضاحية الزمالك.

وقالت المصادر إن قوات الإدارة العامة لمباحث القاهرة وقطاع مصلحة الأمن العام والعمليات الخاصة قامت بمحاصرة منزله وألقت القبض عليه لتسليمه للسلطات الليبية لمحاكمته، مشيرة إلى أن قوات الأمن ضبطت في منزله أيضا ثلاثة مسدسات ماركة وبندقية خرطوش. وأضافت المصادر إن إقناع قذاف الدم بتسليم نفسه تم عبر عدد من المحامين المصريين الذين يعملون لصالحه. واستغرقت عمليات المقاومة والتفاوض بين قذاف الدم وقوات الأمن والوسطاء نحو 11 ساعة بدأت من الساعة الواحدة فجر أمس حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا.

ووصل قذاف الدم، وسط حراسة أمنية مشددة، لمقر مكتب النائب العام المصري المستشار طلعت إبراهيم، في مبنى دار القضاء العالي بالقاهرة. وقالت مصادر قضائية إن المستشار كامل جرجس، رئيس مكتب التعاون الدولي المصري التابع للمكتب الفني للنائب العام، هو من تولى التحقيق مع قذاف الدم، بعد أن قدمت السلطات الليبية طلبا إلى مصر للقبض عليه وتسليمه لها باعتباره من القيادات التابعة لنظام القذافي.

وكان قذاف الدم أعلن بعد وصوله للقاهرة في خضم الانتفاضة المسلحة ضد القذافي استقالته من جميع المناصب الرسمية التي كان يشغلها في ذلك الوقت.

وقالت مصادر في الحكومة المصرية إن القاهرة وطرابلس بينهما اتفاقية لتسليم المطلوبين، وأن هذه الاتفاقية تشمل تسليم المطلوبين من قيادات النظام السابق ممن فروا إلى مصر أثناء الانتفاضة المسلحة ضد حكم القذافي منذ 17 فبراير (شباط) 2011، حتى مقتل القذافي في خريف العام نفسه.

وقالت مصادر مصرية مطلعة إن القاهرة وطرابلس الغرب توصلا بعد محادثات مطولة لتسليم عدد من رموز النظام الليبي السابق، مشيرة إلى أن آخر هذه المباحثات كانت أثناء زيارة الدكتور علي زيدان، رئيس الوزراء الليبي إلى القاهرة الأسبوع قبل الماضي.

وتزامنت عملية القبض على رموز النظام الليبي السابق في مصر مع زيارة يقوم بها إلى ليبيا نائب مساعد وزير الخارجية المصري يوسف الشرقاوي كمبعوث خاص لرئيس الوزراء المصري هشام قنديل.

وتقدمت السلطات الليبية بطلب للقاهرة لتسلم عشرات من قيادات النظام الليبي السابق منذ أكثر من سنة. وفي الأسابيع الأخيرة استقبل النائب العام المصري نظيره الليبي لبحث قضية تسليم المطلوبين، إلا أن مصادر أمنية قالت إن مصر لم تتمكن من الوصول إلا إلى نحو 15 (من بينهم قذاف الدم) ممن ثبت فعليا وجودهم على الأراضي المصرية، مشيرة إلى أن غالبية القيادات الليبية إما توجد بأسماء وهمية أو مختبئين لدى أقارب لهم في مصر.

وقال قذاف الدم في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أثناء عملية القبض عليه في منزله إن «عناصر مسلحة اقتحمت منزلي واشتبكت مع الحراسة الخاصة بي وتمكنت من الوصول إلى داخل مسكني الخاص». وأضاف: «لا أعرف من هم.. وجاءت شرطة نقطة الجزيرة التي تؤمن منطقة الزمالك لمعرفة مصدر إطلاق النار، لكنها لم تلق القبض على العناصر المسلحة التي دخلت بيتي».

وأضاف أن الهجوم المسلح بدأ يأخذ طابعا آخر، حيث استقر رجال الشرطة في المنزل وبدأ الحديث عن طلبي للتحقيق معي، وأوضح قذاف الدم أن التهم الموجهة ضدي من الجانب المصري هي حصولي على 160 مليون دولار لشراء الشركة الزراعية الاستثمارية والشركة اليوم يصل ثمنها إلى أكثر من ذلك بكثير، وهى مناصفة مصرية ليبية مشتركة.. والأمر الثاني حصولي على جواز سفر مزور من ليبيا، وهذا لم يحدث.

وتابع قذاف الدم قائلا إنه ترك ليبيا ورفض العمل مع النظامين السابق والحالي، مشيرا إلى أن هذا هو ما أدى إلى ملاحقته في القاهرة من قبل النظام الليبي الحالي لأنه لم ينضم إليهم، حسب قوله.

ويرى قذاف الدم أن مؤسسات ليبيا لم تكتمل ولا توجد أي عدالة، ومن ثم فإن الهجوم عليه والضغط على مصر يتناقض، وفقا لما قاله، مع حقوق الإنسان الدولية، مستنكرا أن يتم تسليم أبرياء إلى دولة (ليبيا التي) ليس بها مؤسسات حتى يتم التحقيق معه بشكل عادل.

وزعم أحد المقربين من أحمد قذاف الدم ممن كان في موقع الحدث إن المسلحين الذين هجموا على بيت قذاف الدم ينتمون إلى «عناصر إسلامية»، قائلا: إنهم «اقتحموا المنزل قبل وصول رجال الشرطة»، مشيرا إلى ما سماه «أمرا غريبا في عملية القبض على قذاف الدم».

ومن جانبها أوضحت مصادر كانت في موقع الحدث في ضاحية الزمالك أن أحمد قذاف الدم حاول فك الحصار الأمني الذي فرض عليه من قبل العناصر الأمنية وحقن الدماء بقيامه بطلب تسليم نفسه إلى النائب العام المصري للتحقيق فيما حدث ولمعرفة التهم الموجه إليه. وتوجه قذاف الدم إلى مكتب النائب العام مستخدما سيارة خاصة وليس في سيارة شرطة. وقام وفد من نقابة المحامين المصرين للدفاع عنه.

وبالتزامن مع عملية القبض على قذاف الدم قالت مصادر أمنية مصرية إنه تم أيضا إلقاء القبض على كل من علي مارية القائم بأعمال السفير الليبي السابق بالقاهرة، في أحد فنادق مدينة الشيخ زايد القريبة من العاصمة، ومحمد علي إبراهيم القذافي، مدير إدارة التمويل الإنتاجي في ليبيا وهو أيضا شقيق أحمد إبراهيم آخر من كانوا يلقون بيانات نظام القذافي أثناء الانتفاضة عليه. وقال المصادر إنه تم إلقاء القبض على مدير إدارة التمويل السابق في مكان إقامته قرب العاصمة، وذلك بناء على طلب من الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) في ضوء التعليمات الصادرة بهذا الشأن من المستشار جرجس لاتهامهم بارتكاب جرائم تتعلق بالفساد المالي خلال حكم نظام القذافي.

واستمر التحقيق مع كل من مارية ومحمد علي إبراهيم القذافي إلى وقت متأخر من الليلة الماضية. وقال المستشار جرجس لوكالة «رويترز» عن المحتجزين الليبيين الثلاثة: «التهم المطلوبون فيها كلها فساد مالي.. طلبنا أن توافينا ليبيا باتفاقيات التبادل الموقعة بينها وبين مصر وأن ترسل أدلة تثبت الاتهامات لنتخذ أو لا نتخذ قرار التسليم لليبيا».

وسبق للسلطات الليبية العام الماضي القبض على اثنين من القيادات الليبية السابقة من كل من تونس وموريتانيا للتحقيق معهما في تهم بالفساد وسوء استخدام السلطة في عهد القذافي، هما البغدادي المحمودي رئيس وزراء ليبيا الأسبق الذي كان محتجزا في تونس وعبد الله السنوسي الذي تم توقيفه عند وصوله للمطار في موريتانيا.