البابا يعد برعاية المحرومين.. ويبدأ حبريته بلبس الدرع والخاتم

3 معضلات دبلوماسية خلال التنصيب: الفوكلاند والنزاع الصيني ـ التايواني واستقبال موغابي

الكاردينال الإيطالي أنجيلو سودانو (يمين) يضع «خاتم الصياد» في إصبع البابا فرانسيس خلال قداس تنصيبه أمس (أ.ف.ب)
TT

تسلم البابا فرانسيس إشارات السلطة البابوية في مراسم تنصيب ضخمة، أمس، وتعهد برعاية «المحرومين والضعفاء» بين الناس. وتجمع قرابة مائتي ألف مؤمن لتحية البابا المتحدر من الأرجنتين ملوحين بأعلام الكثير من الدول، بينما تعهد البابا الجديد بأن حبريته ستركز على «التواضع والإيمان الحقيقيين».

وفي عظة تأثرت إلى حد كبير بتعاليم فرانسيس الاسيزي القديس الذي اختار البابا أن يتخذ اسمه، حث الحبر الأعظم المسؤولين الاقتصاديين والسياسيين على عدم السماح «لعلامات الدمار والموت بأن تواكب تقدم العالم».

وأكد الحبر الأعظم (76 عاما) بتأثر واضح أن على البابا أن «يستقبل الجميع بعطف وحنان، خصوصا المحرومين والضعفاء والمهمشين».

وتابع البابا الذي جال في ساحة القديس بطرس على متن سيارته المكشوفة تحت سماء مشمسة ووسط هتافات «يعيش البابا» أنه «وسط كل هذا الظلام علينا أن نرى نور الأمل».

وكان رئيس أساقفة بيونس آيرس السابق خورخي برغوليو من منتقدي صندوق النقد الدولي والأسواق الرأسمالية التي لا تخضع للرقابة، وهو موقف يمكن أن يجعل منه صوتا مهما في أوروبا التي تمر بمرحلة تقشف.

وتسلم البابا وهو الحبر الأعظم الـ265 شارة الحبرية، وهي درع يلبس فوق البطرشيل ويرمز إلى دور البابا الراعي، و«خاتم الصياد»، وهو عبارة عن خاتم يضعه الباباوات تكريما للقديس بطرس الذي كان صيادا في الأساس. وأشرف عميد الكرادلة أنجيلو سودانو على عملية إلباس الخاتم للبابا.

وحيا البابا الحشود خلال طوافه في الساحة، وتوقف ليقبل بعض الأطفال، كما خرج من سيارته ليبارك أحد المعوقين. وكتب على لافتة رفعتها راهبات برازيليات «فرانسيس امض قدما.. نحن معك أينما تذهب».

وأشار الفاتيكان إلى أن عدد المشاركين في القداس تراوح بين 150 ومائتي ألف شخص. وكسب البابا، وهو نجل عامل سكك حديد هاجر من إيطاليا، ود السكان بأسلوبه غير المتكلف، والذي تناقض مع المراسم الفخمة أمس. كما أشار الفاتيكان إلى أن 132 وفدا أجنبيا شاركوا أيضا في قداس التنصيب.

وشكل اختيار برغوليو مفاجأة خلال مجمع الكرادلة الأسبوع الماضي لاختيار خلف للبابا بنديكتوس السادس عشر (85 عاما) الذي استقال فجأة في 28 فبراير (شباط) بداعي التقدم في السن. وهو البابا الأول الذي يستقيل من منصبه منذ العصور الوسطى.

ودعا البابا فرانسيس إلى «كنيسة فقيرة تخدم الفقراء»، محذرا الكرادلة في العالم من السعي وراء الأمجاد قائلا إن الكنيسة الكاثوليكية ما لم تمر بتجدد روحي عميق «ستنهار كقصر من الرمال».

وطرح وصول قادة من العالم المعضلة الدبلوماسية الأولى عندما تلقى من رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر طلبا بالتوسط مع بريطانيا في الخلاف حول السيادة في جزر فوكلاند. ولا تزال تلاحق البابا فرانسيس انتقادات اليساريين في الأرجنتين الذين يأخذون عليه عدم تحركه ضد تجاوزات الحكم العسكري في الأرجنتين بين 1970 و1980، كما أعلنت الصين أنها لن ترسل أي موفد بعد أن أعلن رئيس تايوان ما يينغ جيو عن مشاركته.

من جهته، تجاهل رئيس زيمبابوي روبرت موغابي حظرا على السفر يفرضه عليه الاتحاد الأوروبي بسبب اتهامه في قضايا حقوق الإنسان، لأن الحظر لا يشمل الفاتيكان.

وتمثلت أميركا اللاتينية بحضور كثيف لقداس تكريس البابا الأول الذي ينتخب من خارج أوروبا منذ 1300 سنة تقريبا، إذ شارك رؤساء الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكوستا ريكا والمكسيك وباراغواي. ومن بين الحضور أيضا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي ورئيس الوزراء الفرنسي جان - مارك ايرولت ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي. وحضر أيضا مندوبون عن الكنائس الشرقية، بينهم بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول.

وأعلنت إذاعة الفاتيكان أنها المرة الأولى التي يحضر فيها بطريرك القسطنطينية قداس التنصيب منذ 1054 الذي شهد الانقسام بين الكنيستين. وفرض الفاتيكان إجراءات أمنية مشددة بمناسبة الحدث، وتم نشر ثلاثة آلاف عنصر أمن بينهم قناصة على السطوح، بالإضافة إلى خبراء في تفكيك القنابل.

وحث مسؤولون في الكنيسة البابا الجديد على عدم التباطؤ في إصلاح الإدارة المركزية للكنيسة، التي تعاني من الفساد، وستكون التعيينات التي سيقوم بها البابا في الأسابيع المقبلة محط أنظار الجميع.

وأشار البابا إلى أنه سيسلك خطى أكثر اقترابا من الناس العاديين، وأكثر إحقاقا للعدالة الاجتماعية، مع أنه من غير المتوقع أن يقوم هذا البابا المعتدل المحافظ بأي تغييرات جذرية في العقيدة الكاثوليكية.

واعتبر خبراء في الفاتيكان أنه أشار أيضا إلى أنه سينتهج أسلوب إدارة أكثر «شمولية» مع الكرادلة والأساقفة.

وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، تجمعت حشود كبرى أمام كاتدرائية بيونس آيرس لحضور قداس التنصيب. وردد تلاميذ الثانويات الكاثوليكية شعارات تشيد بالبابا، بينما لوح طلاب اللاهوت وراهبات بأعلام الفاتيكان ولافتات تدعم البابا الجديد. وقالت سيليا فارياس (33 عاما): «لقد أيقظ هذا البابا مشاعر قوية في داخلي، ليس فقط لأنه من الأرجنتين، بل لأنه شخص ودود». وأضافت: «لقد جدد لي إيماني».