السلطات الجزائرية تخشى من مطالب بتغيير النظام وراء «وقفة الغضب» المرتقبة الجمعة في الجنوب

رئيس الوزراء يزور المنطقة لإخماد النقمة على سوء المعيشة

TT

تبدي الحكومة الجزائرية مخاوف كبيرة من تحول احتجاجات ينظمها عاطلون عن العمل في جنوب البلاد، إلى غضب عارم يحمل خلفية سياسية تهدف إلى تغيير النظام. وأعلنت ما يعرف «لجنة العاطلين» نقل المظاهرات الصاخبة التي جرت في ورقلة (800 كلم جنوب العاصمة) الأربعاء الماضي، إلى الأغواط (500 كلم جنوب) الجمعة المقبل.

وبدأ العاطلون عن العمل بالأغواط في التحضير لمسيرة كبيرة وسط المدينة، سترفع خلالها شعارات تطالب الحكومة بـ«وقف التمييز بين سكان الشمال والجنوب» بخصوص توزيع مداخيل النفط. وقال عضو في «لجنة العاطلين عن العمل» في اتصال هاتفي، إن منظمي المسيرة أطلقوا عليها «وقفة الغضب» وإنها ستبدأ من «ساحة المقاومة» التي تقع قبالة مقر «الولاية» (الجهة الإدارية التي تمثل الحكومة محليا).

وذكر نفس العضو، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن «الغاضبين يريدون استحداث وزارة تهتم بالجنوب، ويطالبون ببناء مستشفيات ومصانع والمرافق الضرورية المتوفرة في مناطق الشمال والهضاب العليا، وبناء المزيد من المساكن وإعطاء أوامر لكل الشركات الحكومية وحتى الخاصة لتوظيف سكان المنطقة بدلا من جلب الموظفين والعمال من الشمال. وبالمختصر نريد عدالة اجتماعية، فنحن لا لسنا أقل جزائرية من بقية مواطني هذا البلد». وأشار العضو ذاته إلى أن المظاهرة المرتقبة الجمعة «ستكون أقوى وأكبر من التي جرت في ورقلة». وقدر منظمو حركة الاحتجاج بورقلة، التي تسمى عاصمة النفط، مشاركة 10 آلاف بها. ويقول صحافيون تابعوا الحدث، إن ربع هذا العدد كان من رجال الأمن.

وزار رئيس الحكومة عبد المالك سلال، ولاية بشار (750 كلم جنوب غربي العاصمة) الأسبوع الماضي، في محاولة لنزع فتيل احتقان حاد بمناطق جنوب الغرب التي يعاني سكانها من البطالة والفقر ونقص كل المرافق، حتى أبسطها مثل مراكز البريد. وأبلغ أعيان بشار، عبد المالك سلال، ووزير الداخلية دحو ولد قابلية، أن «صبر شباب المنطقة نفذ» وأنهم يجدون صعوبة في إقناعهم بأن الحكومة تملك إرادة جادة لحل مشكلاتهم.

وزار سلال ولاية إليزي، القريبة من الحدود مع ليبيا جهة الجنوب، الشهر الماضي وسعى إلى إقناع سكانها بـ«التريث ريثما تأخذ مشاريع الرئيس طريقها إلى التنفيذ»، في إشارة إلى برنامج تنمية خاص بالجنوب سمي «برنامج دعم التشغيل والاستثمار» أمر به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ أسابيع، والذي لا يعرف قيمة الاعتمادات المالية التي رصدت له. وأعلن وزير المالية كريم جودي للإذاعة الحكومية أمس، أن المشاريع المعلن عنها لفائدة الجنوب تتطلب إعداد قانون مالية تكميلي. ويعكس هذا التصريح، بحسب خبراء في الاقتصاد، عجزا واضحا من جانب الحكومة عن التحكم في النفقات العمومية.

وحذر سلال في مقابلة مع وكالة الأنباء الجزائرية، نشرت الأحد الماضي، من «محاولات استغلال احتجاج الجنوب سياسيا»، وفي هذا التحذير بالذات يكمن مربط الفرس. فالسلطات تخشى أن يتحول الاحتجاج على سوء المعيشة، إلى غضب شعبي بخلفية سياسية تحمل مطلبا بتغيير النظام. حينها سيواجه أصحاب القرار في السلطة وضعا شبيها بما جرى عند الجارة تونس في شتاء 2011.

وسألت «الشرق الأوسط» أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة، قوي بوحنية، الذي يتحدر من الجنوب عن سبب شعور سكان المنطقة بالتمييز والإقصاء، فقال: «مرد هذا الشعور راجع إلى أن الجغرافيا قضت عليهم وغيبتهم عن ساحة الاهتمام الاقتصادي والتنموي والإعلامي، خصوصا وسائل الإعلام الثقيلة التي تعاملت معهم بمنطق مناسباتي وفلكلوري رغم أنهم جزء من هذا الوطن، سواء في الخطاب السياسي العام أو من المنظور السيادي، ولذلك تتزايد مطالب الفئات الشعبية والمحرومة في هذه المناطق بضرورة التخلص من عقدة الدونية مقارنة بسكان جهات الوطن الأخرى». وأضاف: «في هذه المناطق تتزايد يوميا المطالبة بالإدماج الحقيقي في الوظائف العامة ومناصب الشغل في الشركات البترولية، ودراسة ملفاتهم بشكل يشجعهم على الانخراط في الأسلاك الأمنية والعسكرية وفق آلية تمكنهم من المساهمة في حفظ الأمن في مناطقهم، وذلك في ظل تزايد التهديدات الأمنية.ويبلغ الشعور بالنقمة ذروته في الصيف عندما تشل بعض القطاعات الحساسة مثل الصحة، وتتعطل الخدمات المرتبطة بالكهرباء وتنعدم الخدمات المرتبطة بالترفيه والرياضة. ولعل الزائر لمناطق الجنوب يحس بحقيقة بضعف وسوء وبطء الإنجاز في شبكة الطرقات وخدمات البنية التحتية وخدمات النقل الجوي. وفي الآونة الأخيرة يتعزز لدى النخبة المتعلمة شعور بضرورة إعادة قراءة وكتابة التاريخ السياسي والثقافي لهذه المناطق، نظرا لحجم الإسهام الحضاري والثقافي الذي قدمته للجزائر عبر مختلف الحقب التاريخية».