المرأة العراقية بعد 2003.. من حضور قوي في الشارع إلى «دعاية انتخابية»

تتمثل في 25% من مقاعد البرلمان.. وحقيبة واحدة في الحكومة

نائبة في البرلمان العراقي تنتظر بدء إحدى الجلسات (أ.ب)
TT

ألغت الطبقة السياسية العراقية التي تسلمت مقاليد السلطة بعد عام 2003 المصطلح الذي كرسه الإعلام العراقي على مدى 35 عاما في زمن النظام السابق، وهو «الماجدة»، الذي كان يحلو لصدام حسين استخدامه في خطبه وأحاديثه. وكلما ازداد عدد الأرامل والثكالى بسبب الحروب التي خاضها ذلك النظام، كان مصطلح «الماجدة» يتقدم على ما سواه من مصطلحات سياسية وتعبوية. وإذا كانت المرأة قبل التغيير ضحية مثل الرجل لنظام مركزية الدولة وما ترتب عليها من انحسار شبه كامل للحريات العامة والخاصة، فإن المرأة بعد التغيير تحولت في الكثير من مفاصل العمل والحياة إلى إحدى ضحايا الديمقراطية، رغم أن التغيير مثل تطورا إيجابيا باتجاه التعامل مع حقوق المرأة التي كان يجري التعبير عنها من وجهة نظر رسمية مركزية شمولية عبر منظمات نسوية، هي عبارة عن واجهة للحزب الحاكم آنذاك.

بعد عام 2003 تغير الوضع جذريا بفضل انتشار منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة وظهور أعداد مهمة من الناشطات في مجال حرية المرأة والدفاع عن حقوقها، غير أن المتغير الأهم في هذا المجال هو أن جهود نقل المرأة من حال إلى حال بدا وكأنه يمثل مفارقة بين ما هو مجتمعي في سياق الأنشطة الجماهيرية العامة، فضلا عن الحريات في مجال الإعلام وإسهامات المرأة فيها التي تبدو واسعة، وبين البعد السياسي في إطار نيل المرأة حقوقها، حيث تم التعبير عن ذلك من خلال نظام «الكوتا» الانتخابي، وهو ما تم تكريسه في الدستور العراقي.

وبينما يبدو هذا النظام هو الأكثر تطورا في مجال حرية المرأة في الجانب السياسي من خلال انخراطها في العمل السياسي والبرلماني بالدرجة الأولى، فإن وضع نسبة ثابتة لها جعلها تنخرط في نظام المحاصصة، لكن هذه المرة من وجهة نظر ذكورية؛ فالمرأة العراقية التي أصبحت لها وزارة بعد التغيير تحتل ربع مقاعد البرلمان العراقي طبقا لنسبتها وفق نظام الكوتا (25 في المائة من عدد المقاعد). وحيث إن البرلمان العراقي يتكون من 325 عضوا فإن ربع هؤلاء من النساء، والأمر نفسه ينطبق على مجالس المحافظات، حيث ينسحب نظام الكوتا هناك أيضا. لكن على صعيد مجلس الوزراء فإنه لا يطبق نظام الكوتا على المرأة هنا.. فمن بين 32 حقيبة وزارية في الكابينة الوزارية الحالية التي يرأسها نوري المالكي فإن هناك امرأة واحدة تحتل منصبا وزاريا وهو المنصب المخصص للمرأة، وهو وزارة المرأة الذي تحول من وزارة دولة إلى حقيبة.

ومع أن المتحدث الرسمي باسم وزارة المرأة محمد حمزة يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تذبذبا على صعيد المشاركة السياسية للمرأة في العملية السياسية، حيث تم اختزال دورها في البرلمان ومجالس المحافظات، بينما في الحكومة فليس لدينا سوى وزيرة واحدة، فإن هذا لا يعد مؤشرا بحد ذاته طبقا للتطورات الإيجابية التي تحققت للمرأة خلال السنوات الماضية». ويضيف حمزة قائلا إن «أهم تغيير حصل على صعيد وضع المرأة العراقية بعد التغيير هو هامش الحرية الذي تمتعت به، وهو ما أدى إلى تأسيس منظمات المجتمع المدني وظهور الكثير من الناشطات في مجال حقوق المرأة، فضلا عن أن الدولة اهتمت بقضايا المرأة إنسانيا واجتماعيا وأسريا، حيث تم تأسيس وزارة خاصة للمرأة، فضلا عن الانفتاح العالمي للعراق في هذا المجال».

الناشطة والأديبة العراقية عالية طالب مديرة تحرير مجلة «نرجس» التي تعنى بالمرأة، كان لها رأي آخر في مسألة ما حصل للمرأة في العراق، وتقول إن «هناك من يحفل بما تحقق للمرأة العراقية، خصوصا على صعيد المشاركة في العملية السياسية بالدرجة الأولى، فإني أرى أن هذا ليست معيارا، بل تكاد تكون عملية واهية»، معتبرة أنه «لولا نظام الكوتا الانتخابي الذي أوجده الرجل لكي يوهم بوجود حرية للمرأة لما تمكنت من تحقيق شيء، بل حتى هذا الشيء، فإن أبرز ما نلاحظه على صعيد وجود النساء في البرلمان أنهن يتوارين خلف رئيس الكتلة النيابية أو السياسية». وأشارت إلى أن «المرأة العراقية كانت في الثمانينات رغم أن النظام آنذاك أقوى مما عليه اليوم لأنها تحملت غياب الرجل في الحروب وكنا نجد لها وجودا ونشاطا في الشارع رغم التقييد السياسي، أما اليوم فمع كل الحريات المتاحة فإنها مسلوبة الإرادة حتى عندما تتصرف كناشطة أو إعلامية أو غيرهما، خائفة من المجتمع الذكوري الذي منحها حرية موهومة».

ولا يختلف رأي الناشطة النسوية المعروفة هناء ادور، رئيسة جمعية الأمل المعنية بحقوق المرأة، كثيرا عن رأي عالية طالب، حيث تقول إن «هناك تراجعا في شأن المرأة خلال السنوات الأخيرة، وذلك بأن تحولت إلى مجرد دعاية انتخابية للكتل من أجل الحصول على أصوات انتخابية للسياسيين». وتضيف ادور أن «المرأة رغم أنها تمثل 25 في المائة من البرلمان فإن مشاركتها في صنع القرار السياسي غير موجودة؛ لأنها لم تحتل مناصب سيادية».

ومن مؤشرات هذا التراجع تقول ادور إن «لدينا الآن وزيرة واحدة في الحكومة، بينما كان لدينا عام 2005 خمس وزيرات وعشر وكيلات وزارة، والسبب في ذلك يكمن في سيطرة العقلية الذكورية من جديد».