راشد الغنوشي: لو اخترنا الآيديولوجيا لحكمنا وحدنا.. لكننا اخترنا السياسة

قال لـ «الشرق الأوسط» : ندعو إخواننا في السعودية والخليج للسياحة والاستثمار في تونس.. وقوانيننا جذابة

TT

نفى الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة (الحزب الحاكم بالأغلبية في تونس) أن حركته تريد فرض آيديولوجية معينة على المجتمع التونسي، وأوضح أن الدليل على ذلك هي حكومة الترويكا المؤلفة من ثلاثة أحزاب هي «النهضة» و«التكتل» و«المؤتمر»، والتي لا تمثل تحالفا آيديولوجيا بل هو تحالف سياسي، وهو ضد الآيديولوجية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لو نحن اخترنا الآيديولوجيا لاخترنا الحكم وحدنا مع بعض المستقلين الذين يوافقوننا في الآيديولوجيا، لكننا اخترنا السياسة».

كما وجه الغنوشي دعوة «إلى إخواننا في السعودية والخليج لزيارة تونس للسياحة والاستثمار وقوانيننا الاستثمارية جذابة، وهي تعدل الآن لجعلها جذابة أكثر خاصة أن تونس قد ألغت تأشيرات الدخول للزوار من الخليج العربي».

وأشار زعيم الحركة إلى أن حكومة العريض ستفتح ملف الفساد والمحاسبة، وأضاف: «حمادي الجبالي سيكون في مساعدة علي العريض وأعلن أنه سيضع كل تجربته وإمكانياته على ذمة خلفه، وحتى في مجلس شورى الحركة هو من بادر بدعم علي العريض وتحريض الإخوة على انتخابه، فهو يتحمل مسؤولية خلفه». وأوضح أن حركته «لم تخسر الجبالي كما كان يظن بعض الناس الذين راهنوا على شق الحركة، ولكن الحركة حافظت على الجبالي وتحسن موقعه».

«الشرق الأوسط» التقت زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في مقر حزبه في تونس وكان لها معه حوار هذا نصه:

* الحكومة الجديدة كيف تختلف عن الحكومة السابقة؟

- أبارك للشعب التونسي هذه الحكومة وهي الثانية التي خلفت حكومة الأخ الجبالي هي امتداد متطور لها وليست قطيعة، ولكن هذا الامتداد يستفيد من حكم سنة ونيف، الحكومة السابقة حققت إنجازات ستتواصل وتتحسن خاصة في المستوى الاقتصادي، حكومة الجبالي تسلمت اقتصاد تونس تحت الصفر برقمين من حيث مستوى النمو وسلمته بمستوى 3.6. وهذه الأرقام محل اتفاق الجميع كما هناك انخفاض رقمين في مستوى البطالة من 18% إلى 16% وتوفر 100 ألف موطن شغل وتحسن في مجالات التصدير والاستثمار، هذا سيتواصل تحسنه.

وهنالك تحسن أمني أيضا ولكن دون المطلوب، وتقصير في جوانب أيضا ستستدرك في موضوع العدالة الانتقالية بمعنى محاسبة جرائم الماضي وهذا لم يحصل في حكومة الجبالي كونت وزارة للعدالة الانتقالية وأعدت قانون للعدالة الانتقالية، ومطروح اليوم على المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) ولكن الشعب التونسي لم ير، ولم يكشف له ما حصل حيث حكومة العريض ستفتح ملف الفساد والمحاسبة، وهذا ما يراد وهذا الفرق، هي امتداد متطور يحافظ على المكاسب التي حصلت ويطورها ويتجاوز جوانب القصور سواء في المستوى الأمني أو في مستوى مقاومة الفساد أو العدالة الانتقالية.

* ما هي أهم التحديات، حسب الأولويات التي ترونها أمام الحكومة الجديدة؟

- التحدي الأول هو السياسي، هو تحقيق وفاق وطني في البلاد، وإدارة حوار وطني يتناول المشكلات الكبرى في البلاد في اتجاه حصول توافق حول القضايا الأساسية وأجوبة لاتفاق حول جدول أعمال البلاد، والرزنامة من الآن وحتى تاريخ الانتخابات، أيضا الحسم في اللجان والهيئات التعديلية كهيئة القضاء وهيئة الإعلام والقانون الانتخابي وأيضا موضوع الدستور، وحكومة علي العريض بدأت بداية جيدة إذ أعلنت عن موعد للانتخابات وموعد للانتهاء من سن الدستور حسبما أعدته لجان المجلس وهذا ما سيجعل الحياة السياسية من هنا فصاعدا تتجه إلى قطب جذب كبير الذي هو الموعد الانتخابي في أكتوبر (تشرين الأول) القادم، ويعني كل الأحزاب ستعيد ترتيب وإعداد نفسها للمعركة الانتخابية.

التحدي الثاني أمني لا يمكن إجراء انتخابات في ظل اضطرابات أمنية، فصحيح أن الوضع الأمني تحسن لكن دون المطلوب يعني هناك قدر من التطاول على الدولة والقانون بحيث مطلوب من هذه الحكومة أن تكون أكثر حزما وعزما على فرض سلطة القانون، على الجميع دون استثناء لأنه لا يمكن إجراء انتخابات دون تثبيت الجانب الأمني وضبط دقيق للحدود.

التحدي الثالث هو الاقتصادي ويتلخص في موضوع الأسعار، فالتونسي يشعر بأن هناك باستمرار تصاعد لأسعار السلع وخاصة في المواد الغذائية، وهذا لا مناص أمام الحكومة إلا أن تواجهه. فـ«سلة» المواطن هي التي يقيم من خلالها الحكم وعلى الدولة، هل يشتري بأسعار تستجيب لطاقتها أو الأسواق تشتعل أكثر، مطلوب معالجة هذه المسألة من خلال ضبط الحدود لأن جانبا من المشكل هو التهريب للسلع المدعومة لدول الجوار، عصابات التهريب التي تغولت، وضرب الاحتكار وشبكات الفساد، وكذلك تنزيل مشاريع التنمية للمناطق المحرومة على اعتبار أن الميزانية السابقة لم تصرف كلها، فلم يصرف إلا نصفها حاليا، يعني هناك أموال مرصودة لمشاريع، لكن المشاريع لم تقم والسبب هو البيروقراطية الإدارية، والبطء، فالمطلوب من هذه الحكومة أن تكون أكثر صرامة في تطبيق القانون أن تكون أكثر ثورية بمعنى أن لا تتوقف أمام ضغوط الإدارة وتعقيدات القوانين، فهذه حكومة ثورة، فهي حكومة ثورة أسقطت دستورا سابقا فمن باب أولى أن لا تتوقف أمام القوانين إذا كان الأمر يتعلق بمصالح الناس وتحقيق أهدافهم. فالشعب يشعر بأن أهداف الثورة لم تتحقق سواء في مستوى محاسبة الفاسدين ووضع حد للأموال المنهوبة واسترجاع الأموال المنهوبة، ومحاسبة من أجرموا في حق الشعب مطلوب محاسبة على طريق المصالحة، فنحن لا نريد انتقاما بل نريد تنظيف جروح الماضي وخياطتها والانطلاق معا لصنع مستقبل مشرق لتونس التي تتسع لجميع أبنائها الإسلامي منهم والعلماني.

* بالنسبة لترتيب الأولويات، عندما نتحدث للتونسيين لاحظنا أن التونسي يرتب الأولويات عكس ترتيبكم، فهو يقول أريد «سلتي» في الأول (في إشارة إلى أسعار المواد الغذائية والأساسية)، ثم أمني، ثم السياسة هي آخر همي، ما ردكم على هذا؟

- التونسي حريص على الأمن و«سلته» وربنا سبحانه وتعالى من على المؤمنين فقال: «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» حيث التونسي محق أن الأمن على حياته ولكن هما مرتبطان فإذا فقد الأمن انهار الاقتصاد، ولا مجال للاستثمار ولا السياحة، ولا لمقاومة البطالة، ولكن الأمن لا يتحقق بالوسائل الأمنية البحتة فهو جزء من معادلة كاملة، فلا بد للخطاب السياسي أن يهدأ، ولا بد من وفاق سياسي حتى لا نكل الأمن إلى رجال الأمن بمفردهم، هو محصلة معادلة كاملة تشترك فيها السياسة وأن لا يكون هناك خطاب تحريضي، فالإعلام له دور أيضا

* ما رأيكم في رئيس الحكومة علي العريض الذي غالبا ما وصف برجل المهمات الصعبة، هل تعتقدون أنه في مهمته الجديدة (رئيسا للوزراء) سيكون أكثر كفاءة من حمادي الجبالي؟

- حمادي الجبالي سيكون في مساعدة علي العريض وأعلن أنه سيضع كل تجربته وإمكانياته على ذمة خلفه، وحتى في مجلس شورى الحركة هو من بادر بدعم علي العريض وتحريض الإخوة على انتخابه، فهو يتحمل مسؤولية خلفه، فهو لم يغادر السلطة ويفكر أنه لا يهمه بعده من يكون بل حرص على أن يكون علي العريض وهو من أقرب الناس إليه خليفته وأعلن أنه سيكون بجانبه يدعمه.

* هل تثقون في أداء أحسن؟

- الأداء سيتحسن لأن علي العريض هو جزء من التجربة الماضية وسيستفيد من هذه التجربة، وأخذ منها دروسا لأنه كانت هناك ملاحظات حول البطء والتردد في أخذ القرارات، فالمنتظر من علي العريض أن يتغلب على هذه الصعوبة وأن تكون جرأته أكبر على اتخاذ القرار وعلى الاندراج أكثر في طريق الثورة وتحقيق أهدافها.

* ترددت آراء متابعين للوضع السياسي في تونس حول حكومة التكنوقراط التي كونها الجبالي ورفضها المجلس التأسيسي (البرلمان)، بأن كل ما حدث تمثيلية ليكتسب الجبالي شعبية أكثر في خطة منكم لترشيحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة، خاصة أنه من المتوقع أن تصبح للرئيس صلاحيات أكبر. وحسب سبر لآراء خطتكم حيث صعدت شعبية الجبالي بشكل كبير الآن في تونس؟ لعبة! - هذا التأويل يسرنا لأنه يعبر عن إعجاب بالنهضة وبأن لنا قدرات خارقة على إدارة العمل السياسي وحقيقة الأمر ليس في مناورة وهو حقيقي، الأخ الجبالي فعلا وبقرار فردي منه أعلن عن حكومة التكنوقراط.

* ألم يكن خلافا مصطنعا؟

- لا هو كان خلافا حقيقيا وقال بنفسه بأن هذا قرار اتخذه على مسؤوليته، مؤسسات الحركة عارضت هذا القرار وأسقطته وأن الجبالي رضي بحكم المؤسسات وساهم في المرحلة التي تليه بعيد انتخاب علي العريض، هذه كلها حقائق وليس فيها أي سيناريو فلم تخسر النهضة الجبالي كما كان يظن بعض الناس الذين راهنوا على شق الحركة، ولكن الحركة حافظت على الجبالي وتحسن موقعه وهذا يسر النهضة بحيث خرجت النهضة منتصرة وبينت الحركة أنها ليست حركة يقودها الرأي الواحد ولكنها حركة حديثة تحكمها المؤسسات حيث القرار النهائي هو قرار الأغلبية، وبينت أن هذه المؤسسات أنها أقوى من أي فرد فيها ولكنها بينت قدرة أيضا في أنها تحافظ على رجالها فلا تخسرهم حتى وإن عارضت سياساتهم وبين الجبالي أنه سياسي حديث ونزيه فحينما لم ينجح مقترحه قدم استقالته من الحكومة وهذا تقليد جديد في عالمنا العربي، ولكنه مع ذلك لم يستجب للرهانات عليه لشق الحركة وبين بأنه ابن الحركة البار وبأنه قائد من طراز رفيع تفخر به الحركة.

* الوزراء الجدد، رغم حيادية وزراء السيادة هناك من يشكك فيهم وفي ولائهم الآيديولوجي للحركة رغم عدم انتمائهم لـ«النهضة»؟

- دائما سيناريو المؤامرة مطروح، والأصل أن السياسة هي تعامل مع الوقائع وليس مع الافتراضات والسيناريوهات، الواقع أن «النهضة» تخلت عن وزارات السيادة وفعلت ذلك استجابة لطلب ملح من المعارضة، وهذه هي الديمقراطية التي خلافا للنظام الديكتاتوري الذي يظل ماضيا في الطريق، ومهما عورض يظل ماشيا إلى نهايته فإما يقضي على المعارضة أو تقضي عليه، النظام الديمقراطي له قدرة على التفاعل مع المتغيرات، والنظام الديمقراطي قدرته أنه الحاكم يستمع لمعارضيه وإذا قدر أن مطالبهم معقولة يستجيب لها. فالنهضة استجابت لمطلب ملح توسع في المعارضة حتى انطلق إلى شركائها ولم يكن أمامنا خيارات فإما أن نسلك سلوكا ديكتاتوريا وكان يمكننا أن نحكم وحدنا وهو ديمقراطي أيضا يعني أن تستكمل 20 نائبا من قبل المستقلين، وهناك من يمكنهم دعمها فتحصل على حكومة حزب واحد وهذا جائز في الديمقراطية ما دام عندها الأغلبية لكن هذا سيقسم المجتمع التونسي إلى قسمين إسلاميين وعلمانيين، سيعزل النهضة داخليا وخارجيا وهذا ليس لمصلحة التحول الديمقراطي في البلاد ولذلك عالم السياسة هو عالم الخيارات الصعبة ونحن لم نتنازل لأعداء، نحن تنازلنا للمصلحة العامة، تنازلنا لشخصيات ذات كفاءة ونظيفة، وهذا ما يهمنا، يهمنا أن تكون شخصية ذات كفاءة ونزاهة، ويهمنا أن يكون في الداخلية رجل قوي نزيه وليس عندنا ملفات في النهضة نتستر عليها ونخشى أنه إذا أتى محايد سيكشفها، نحن نريد رجلا قويا يكشف عن ملفات ولا نزال نقود الحكومة وحريصون على الحفاظ على الخصوصية التونسية بأن البلاد تقاد من طرف الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين وهذا تميز وخصوصية تونسية نحن حريصون على المحافظة عليها ومستعدون لتقديم التنازلات المطلوبة للحفاظ عليها.

* غالبا ما تتم مقارنة «النهضة» بالنظام الإيراني، فمن أهم أهدافها تثبيت آيديولوجيتها في المجتمع التونسي وليس اتباع سياسة ما وتحقيق الديمقراطية كما تعتقد؟ تريد في تونس بلدا إسلاميا بمفهومها، ماذا تقولون في هذا؟

- الترويكا ليس تحالفا آيديولوجيا بل هو تحالف سياسي، وهو ضد الآيديولوجية، ولو نحن اخترنا الآيديولوجيا لاخترنا الحكم وحدنا مع بعض المستقلين الذين يوافقوننا في الآيديولوجيا، بل اخترنا السياسة، أي نجاح التحول الديمقراطي في تونس بما يحقق أهداف الثورة وبما يحقق المصلحة الوطنية وبالتالي اخترنا الائتلاف وهو أصعب أنواع الحكم، لأنه هو الذي يحقق مصلحة الثورة والمصالح الوطنية ويدرأ عن البلاد سيناريو الاستقطاب الآيديولوجي، لأنه في الاستقطاب الآيديولوجي تضيع السياسة، ويتحول البلد إلى معسكرين يستعدان للمواجهة، بينما نحن اخترنا السياسة أي التحالف على أرضية سياسية، أرضية تحقيق الثورة في التنمية والحرية والكرامة والتشغيل. لا نعتقد أن دور الدولة هو فرض نموذج حياة معين على مواطنيها بل دور الدولة هو توفير الأمن والعدالة والخدمات للمواطنين، أما نموذج الحياة فهذا متروك لكل مواطن ليختاره إذ «لا إكراه في الدين».

* تونس أبوابها مفتوحة منذ نهاية الثورة، والحرية التي حصل عليها الشعب فتحت الأبواب أمام الكثير من الآيديولوجيات أنها تحاول الدخول، ومن الخارج وأن هناك أناسا من الخارج يدعمون جماعات معينة، من فرنسا أو جهات أخرى؟

- ليس لنا دليل على هذا، ومن دور أجهزة الأمن أن تقوم بدورها لأن هذا يمنعه القانون، وأجهزة الأمن هي المخولة للإجابة عن هذا السؤال حول إمكانية وجود دعم خارجي لبعض الأطراف.

ما أعلمه هو أنه يوجد دعم لمنظمات مجتمع مدني، ومنظمات حقوقية، ومنظمات للمرأة وللبيئة، وللطفولة، والعدالة الانتقالية وهذه يجب أن تخضع جميعها لسلطة القانون.

* نداء تونس والنهضة، أصبح مسلسل «الحرب الباردة» «الحرب الساخنة»، «الحرب المعلنة»، «الحرب الخفية»، هل هناك فعلا حرب بينكما؟

- هناك تبشير، هناك جبهات مثلما يحصل أثناء الحروب فهناك تجار للحرب، هناك تجارة اسمها «التحريض على الحرب» هناك حتى تجارة إعلامية، فالصحف لتبيع تعتمد الإثارة باستعمال عناوين مثل «الحرب بين الغنوشي والسبسي».. «الحرب بين النهضة واتحاد الشغل» تبشر، وهذا في الحد الأدنى منه سبيل لجذب القراء وقد تكون وراءه خلفيات لضرب الثورة بدفع القوى السياسية والاجتماعية للصدام.

* لماذا كل هذا الإصرار في الفترة الماضية من طرف النهضة على رفض الحوار والتعاون كليا مع نداء تونس؟

- الحوار هو أسلوب من أساليب العمل السياسي بل هو أهم أسلوب ويحصل بين طرفين عندما يقتنعان بوجود أرضية للحوار أو مصلحة للحوار.

* ألا ترون مصلحة في الحوار مع «نداء تونس»؟

- نحن لم نقرر هذا الحوار الثنائي، فهو حزب حديث بصدد بلورة آيديولوجيته وتحديد برنامجه، وضبط مؤسساته ونحن حزب عريق عمره 40 سنة، فنحن نتحاور مع أحزاب توجد في الساحة وأصبحت لها هويتها وبرامجها وتطوراتها، وننحن نتعامل مع تطورات الساحة فليست لدينا محرمات مطلقة، فعالم السياسة ليس عالم المحرمات وإنما عالم المصالح. عندما تتبين الملامح قد نفعل ذلك، أما على المستوى الوطني فقد شاركنا في لقاءات حزبية جمعت 20 حزبا تحت إشراف الجبالي كان فيها نداء تونس.

* هل صحيح أنكم الشيخ راشد الغنوشي تجلسون على عرش تونس، والقرارات الحاسمة تعود لكم؟

- هذا واحد من الانصراف عن الظاهر بحثا عن صور خفية للسياسة مثلما يحدث في الدين، الانصراف عن ظاهر النص إلى التأويل، إنها محاولة البحث عن أن كل ما نراه ليس صحيحا والصحيح هو ما خفي، وكله وراء فكرة المؤامرة والقوى الخفية، وكل ما نراه من أحزاب مسرح دمى لكن هناك من يحرك، وكأن البلاد ليس فيها رئيس دولة، ومجلس تأسيسي، وحكومة، وأحزاب وصحافة كل هذا تبسيط لما قد يكون معقدا. رسم مسرح للدمى تحركه خيوط من الخارج.

الغنوشي هو رئيس حزب هو الأكبر في البلاد ويمارس دوره، وتحكمه مؤسسات كل من يلتزم بها يظل فيها وكل من يخرج عنها يجد نفسه مهمشا، وهذه المؤسسات لا يحكمها شيخ وإنما قوانين، واتخاذ القرار فيها صعب جدا يمر بدوائر كثيرة وفي النهاية الأغلبية هي التي تقرر، والغنوشي أحيانا يجد نفسه في الأغلبية وأحيانا في الأقلية لأننا نتعامل بالسياسة وهي تقدير للمصالح والناس يختلفون في تقديرها.

* تمنيتم لو أن الباجي قائد السبسي لم ينه تاريخه مع «نداء تونس»؟

- هذا قراره، كيف ينهي تاريخه ومع من، وهي مسؤوليته.

* لماذا موقف فرنسا مختلف من تونس مختلف عن مواقف الاتحاد الأوروبي وأميركا في الكثير من المناسبات؟

- تقديري أن فرنسا عضو فاعل في الاتحاد الأوروبي الذي يؤيد الحكومة التونسية والترويكا، ونستقبل باستمرار ضيوف فرنسا وبعثات برلمانية فرنسية، وأكبر الجالية التونسية في فرنسا والنهضة نفسها لما هاجرت هاجرت إلى أوروبا، وأكبر عدد من لاجئي الحركة كانوا من فرنسا فليس بيننا قطيعة، كما أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يقفان بقوة مع التحول الديمقراطي في تونس ويرون أن وجود النهضة ضمان استقرار في تونس وخروجها فتح أبواب الاضطراب والإرهاب على أوروبا نفسها.

ورغم التصريحات التي أتت من بعض الجهات الفرنسية فقد تم تصحيحها من طرف وزير الخارجية الفرنسية، وسنستقبل الشهر المقبل الرئيس الرئيس هولاند. نحن نريد أن نبني علاقات وثيقة مع فرنسا ومع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة، علاقات مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. توقع بعض المحللين قبل نجاحنا في الانتخابات أن الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة فإنهم سوف يغلقون أبوابهم على الغرب ولكن ما حدث كان عكس ذلك إذ تم توقيع اتفاقية الشراكة المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي. علاقاتنا أيضا بالقوى الأوروبية الأخرى ألمانيا هي أيضا علاقة متميزة وقد زار وزير الخارجية الألماني تونس البارحة كأول مسؤول أوروبي يزور تونس بعد الحكومة الجديدة وذلك للتعبير على دعمهم لتجربة انتقال الديمقراطي في تونس ودعمهم لتجربة التآلف بين القوى الإسلامية المعتدلة والقوى العلمانية المعتدلة. نحن نريد أن نبقي باب علاقاتنا الخارجية مع الغرب مفتوحا بل نعمل على توسيعه ولكن أيضا نعمل على أن نفتح وعلى أن نوسع أبوابا أخرى مهمة في علاقاتنا الخارجية مثل باب اتحاد المغرب العربي مع جيراننا وباب العلاقة مع مصر وتركيا وبقية العالم العربي. كما نريد أن تتطور علاقاتنا ببلدان الخليج على جميع الأصعدة ومن خلال جريدتكم المحترمة نوجه دعوة إلى إخواننا في السعودية والخليج لزيارة تونس للسياحة والاستثمار ونقول لهم إن الوضع مستقر ومتجه للمزيد من الاستقرار وإن قوانيننا الاستثمارية جذابة وإنها تعدل الآن لجعلها جذابة أكثر، خاصة أن تونس قد ألغت تأشيرات الدخول للزوار من الخليج العربي.