هولاند يضحي بوزيره للمالية منعا لاستغلال فضيحته سياسيا

كاهوزاك اضطر للاستقالة بعد طلب النيابة فتح تحقيق في امتلاكه حسابا سريا في سويسرا

الوزير المستقيل كاهوزاك خلال حفل تسليم مهامه إلى خلفه برنار كازنوف (غير باد في الصورة) في باريس أمس (أ.ب)
TT

القصة - الفضيحة أقرب إلى الروايات السينمائية. بطلها، وزير الخزانة الفرنسي حتى بعد ظهر الثلاثاء، ليس سياسيا عاديا. جيروم كاهوزاك في الأساس طبيب قلب تحول لاحقا إلى جراح تجميلي، جمع مع زوجته ثروة لا يستهان بها من عمليات زرع الشعر. أسس قبل عشرين سنة شركة «كاهوزاك للاستشارات» التي تخصصت بالعمل لصالح شركات صناعة الأدوية ما ساعده على زيادة أرقام ثروته. لكن هذه الثروة أو بالأحرى محاولته إخفاءها عن عيون مصلحة الضرائب الفرنسية هي التي أطاحت به وأنزلته عن كرسيه الوزاري والأرجح أنها ستسوقه أمام القضاء الفرنسي بتهمة تبييض الأموال والتهرب من دفع الضرائب. والمفارقة أنه، من موقعه السابق كوزير للخزانة، كانت من بين مهماته ملاحقة الأثرياء وأصحاب الثروات المتهربين من دفع الضرائب الذين دأبوا على عبور الحدود الفرنسية - السويسرية ليجدوا لأموالهم ملجأ آمنا في خزائن البنوك في جنيف أو زيوريخ.

القصة بدأت عندما نشرت صحيفة «ميديا بارت» الإلكترونية المتخصصة بالتحقيقات الساخنة خبرا يفيد بأن جيروم كاهوزاك الذي دخل حكومة جان مارك أيرولت وزيرا للخزانة امتلك حسابا سريا في مصرف «يو بي إس» في جنيف حتى عام 2010. وفي العام المذكور عمد كاهوزاك إلى نقله، بواسطة عمليات معقدة لا يظهر اسمه فيها، لسنغافورة بعد أن أخذت سويسرا تتخلى شيئا فشيئا عن سرية الحسابات المصرفية تحت ضغط دول الاتحاد الأوروبي. وعندما كذب الوزير الفرنسي ادعاءات الصحيفة، عمدت هذه الأخيرة إلى نشر شريط صوتي مسجل يعود لعام 2000 زعمت «ميديا بارت» أنه يعود لكاهوزاك وفيه يشكو من امتلاكه حسابا سريا في بنك سويسري. ولما نفى الأخير أن يكون الصوت صوته، عمدت الأجهزة الفرنسية إلى الاستعانة بخبراء ومختبرات وشهود. وجاءت النتيجة أن الشريط لم يعبث به وأن الصوت هو للوزير المستقيل. أما من أين جاء الشريط، فقد أميط اللثام عن هذا السر ليعلم أنه كان بمعية محام اسمه ميشال غونيل هو غريم كاهوزاك السياسي.

والسائد أن السبب الذي قد يكون دفع كاهوزاك لفتح حساب سري هو حصوله على عمولات ضخمة من شركات الأدوية التي كان مستشارا لها. وبعد أن قامت النيابة العامة أول من أمس بطلب تحقيق قضائي بحق كاهوزاك وتعيين قاضيين لذلك، لم يعد أمام كاهوزاك من مهرب سوى تقديم استقالته إلى رئيسي الجمهورية فرنسوا هولاند والحكومة أيرولت. وقام رئيس الجمهورية بوضع حد لمهمته وزيرا للخزانة «بناء على طلبه» ثم عمد إلى تعيين برنار كازنوف، الوزير المكلف الشؤون الأوروبية، بديلا عنه في محاولة منه لتطويق الأزمة وسحب البساط من تحت أرجل اليمين وتحديدا جان فرنسوا كوبيه، رئيس حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية». وكان الأخير قد تقدم بطلب طرح الثقة أمام البرلمان بحكومة جان مارك أيرولت. غير أن تمكن الحزب الاشتراكي من الأكثرية النيابية المطلقة تحمي الحكومة من السقوط في أي مناورة من هذا الشكل.

دخل كاهوزاك السياسة من بابها الواسع مستفيدا من انتمائه للحزب الاشتراكي ومن صداقات متشعبة ومن عمله مع رئيسي حكومة اشتراكيين سابقين هما ميشال روكار وليونيل جوسبان. وفي عام 1997 دخل الندوة البرلمانية وأعيد انتخابه في عام 2007 وانتخب نائبا لرئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان وفي عام 2010 أصبح رئيس اللجنة المالية في البرلمان حيث حظي باحترام اليمين واليسار على السواء لكفاءته وخبرته في هذا المجال ما أهله ليكون وزيرا للخزانة في عهد هولاند.

من هذا المنظور تتبين أهمية الجانب السياسي لهذه الفضيحة التي تبدو وبأشواط أهم من الجانب القانوني. ذلك أن كاهوزاك المعروف بصرامته كان أحد أركان حكومة أيرولت ومتولي المهمة الصعبة المتمثلة في خفض الإنفاق العام والتوصل إلى ميزانية لعام 2014 تحترم المحددات الأوروبية التي تتطلب حصر العجز بعتبة 3%.

وتجيء هذه الفضيحة في أوقات صعبة بالنسبة للرئيس هولاند ما يفسر رغبته في الإسراع للتخلص منها بقلب صفحتها وإن كان الثمن التضحية بوزير كفء وكامل الولاء له. فالصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتراكم بوجه الحكم الاشتراكي وشعبية الرئيس والحكومة مستمرة في التراجع إلى حد مقلق.

وتركز المعارضة اليمينية على فشل هولاند وحكومته في خمسة مجالات رئيسية هي ارتفاع معدلات البطالة، وغياب النمو الاقتصادي، واستفحال العجز الاقتصادي، وزيادة الضرائب على كل القطاعات وأخيرا الفشل في المجال الأوروبي. ولذا لم يكن أمام الرئيس الفرنسي الذي أراد أن يكون عهده «نموذجيا» من خيار آخر سوى التخلي عن كاهوزاك. فالأخير كان بصدد التحول إلى عالة إضافية لم يكن قادرا على تحملها في هذه الأزمنة حيث موقع الصداقات يتراجع أمام مستلزمات السياسة.