الملك محمد السادس أول زعيم عربي يزور كوت ديفوار بعد الحرب الأهلية

الرئيس واتارا: يمكن لبلادنا أن تنهض من جديد بمساعدة الأصدقاء

أفراد الجالية المغربية في كوت ديفوار في استقبال الملك محمد السادس لدى وصوله إلى مطار أبيدجان مساء أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

يزور العاهل المغربي الملك محمد السادس حاليا أبيدجان (عاصمة كوت ديفوار) في زيارة هي الأولى من نوعها لهذا البلد الأفريقي، غير أن زيارة ملك المغرب لهذا البلد الذي يكمن فيه نصف الناتج القومي لدول غرب القارة مجتمعة لا تأتي من فراغ، فقد سبقته صلات قوية عززتها التجارة والعلاقات الوطيدة وسمعة اثنين من قادة أفريقيا الكبار.

لقد كان فليكس هفويت بوانييه، الزعيم الراحل لكوت ديفوار الحديثة، من المقربين إلى الملك الراحل الحسن الثاني، وكان بينهما من الود ما جعل أبيدجان في مقدمة مؤيدي قضايا كثيرة تبناها المغرب، ضمنها قضية الصحراء، غير أن رسالة التاجر المغربي في أبيدجان لها صداها أيضا، ولا يمكن تجاهله فيما سيتم بحثه بين الوفدين.

منذ عقود طويلة جعل تجار مدينة فاس المغربية من كوت ديفوار وجهتهم المفضلة، ولم يقطع تلك الصلة سوى الحرب الأهلية التي دامت عقدا من السنين، حيث هاجر معظم المغاربة بشكل قسري، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى عادوا من جديد إلى مربط خيلهم السابق، وكأن ماضي الذكريات الدامية ليس إلا سحابة صيف.

في شارع 12 بحي «اتريش فيل» يبيع المغاربة للإيفواريين منذ عقود القماش والطرابيش والجلابيب التي أضحت جزءا من ملبسهم، خصوصا للمسلمين الذين غدوا يشكلون اليوم أكثر من 60 في المائة من سكان هذا البلد.

سمعة تاجر «اتريش فيل» جلبت العشرات من رجال الأعمال وأصحاب الشركات المغربية للاستقرار في كوت ديفوار، والاستفادة من الرخاء الاقتصادي لهذا البلد الغني في غرب القارة، فتوجه المغاربة إلى الاستثمار في قطاع المعلوميات والبناء والقهوة، حيث لا تزال كوت ديفوار تتربع على هرم سوقي البن والكاكاو.

ولأن البلاد خارجة من خراب الحرب المدمرة، فإن زيارة العاهل المغربي قدمت منافع كثيرة للفاعلين الاقتصاديين المغاربة، وجلبت لهم جزءا من كعكة يتقاتل الجميع للظفر بها في عصر الأزمة الخانقة التي ضربت أطنابها في أوروبا.

وأشرف العاهل المغربي والرئيس الإيفواري الحسن واتارا في قصر «فليكس هفويت بوانييه» على توقيع عدة اتفاقيات سيستفيد منها عدد كبير من رجال الأعمال المغاربة الذين ينوون فتح فروع لمقاولاتهم في كوت ديفوار، مما سيكون له الأثر الإيجابي على تعزيز حجم التبادل المتنامي بين البلدين.

شملت هذه الاتفاقيات عدة مجالات، على رأسها مذكرة تفاهم بين وزارتي الشؤون الخارجية في البلدين، وتشجيع الحماية المتبادلة للمستثمرين من البلدين، إضافة إلى توقيع وثيقة تنص على تطوير التعاون بينهما في مجالي الصيد وزراعة الأسماك، والنقل الجوي، والتكوين المهني في مجال السياحة والحماية المدنية.

وفي السياق نفسه، أعلنت شركة «إسمنت أفريقيا» المغربية دخولها للسوق الإيفوارية اعتبارا من يونيو (حزيران) المقبل، وقال المدير العام للشركة خالد بن خياط، إن الشركة تشيد مصنعا في منطقة يوبوغو الصناعية بمدينة أبيدجان، مؤكدا أنها ستحدث «ثورة» في أسعار الإسمنت داخل السوق المحلية.

وجد الملك محمد السادس الترحيب الكبير في كوت ديفوار، وهو الزعيم العربي الوحيد الذي وطئت قدماه هذا البلد في زيارة رسمية بعيد الحرب الأهلية.

ولا تزال كتيبة من القوات المسلحة الملكية المغربية تحرس، إلى جانب كتائب أخرى من قوات الأمم المتحدة، السلم في كوت ديفوار، في مسعى لفرض التعايش بين مكونات الجمهورية الثالثة التي قامت من رماد الحروب.

على امتداد الطريق الطويل الفاصل بين المطار وقصر فليكس هفويت بوانييه الرئاسي في أبيدجان، سمع المغاربة من الإيفواريين عبارتهم الشهيرة «أكوابا»، التي لا تعني فقط الترحيب ولكن الشكر كذلك لمن أعطى الثقة - مثلما يقولون - لهذا البلد الخارج من أتون الحرب الطويلة أن يستقبل ضيفا في ظل الحساسيات الأمنية المعروفة، وأن يحصل على شهادة حسن التدبير.

وقال شاب من بين آلاف الإيفواريين الذين استقبلوا العاهل المغربي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن سعداء بهذه الزيارة الرسمية التي يؤديها ملك المغرب لبلادنا، ومرتاحون لأن التعاون بين كوت ديفوار والمغرب سيصبح أقوى، فمن المهم تطوير التعاون بين الدول الأفريقية من أجل خلق تطور أفريقي حقيقي».

ويأمل الإيفواريون أن يثبتوا للعالم أنهم يستطيعون خلق فرص أكبر للتعايش بالتنمية والاقتصاد، كما يقول الرئيس واتارا، وهو يعدد مزايا أن يكون العاهل المغربي في بلاده، معتبرا ذلك حسن سيرة وسلوك، ونجاحا في امتحان الاستقرار، مرددا أمام العاهل المغربي العبارة ذاتها التي رددها الناس بالشارع لدى مرور الموكب الملكي في شوارع أبيدجان، إنه في بلاد «الأكوابا»: «يمكن لبلاده أن تنهض من جديد بمساعدة الأصدقاء».