«إخوان الجزائر» يعقدون غدا مؤتمرا تأسيسيا لحركة البناء الوطني

يهدف إلى لم شمل المؤمنين بالمنهج الوسطي المعتدل الذي يمثله الراحل محفوظ نحناح

TT

تعقد حركة البناء الوطني مؤتمــرها التأسيسي غدا (الجمعة)، ويهدف هذا المشروع السياسي الإسلامي إلى إيجاد مظلة جديدة يفيء إلى ظلها «إخوان الجزائر»، في محاولة للم الشمل، بعدما عصفت بـ«الإخوة الفرقاء» رياح الخلاف على تركة المؤسس الراحـــل محفوظ نحناح، وهو الصراع الذي برز بحدة بين أبو جرة سلطاني وعبد المجيد مناصرة، فاستأثر الأول بـ«حركة مجتمع السلم»، فيما أسس الثاني «حركة الدعوة والتغيير». وإذا كان مشروع مناصرة قد فشل في المهد، فإن حركة مجتمع السلم لم تشهد ضعفا كالذي شهدته خلال فترة رئاسة سلطاني، وهو ما أدى إلى ظهور فريق ثالث «ولد من رحم» حركة التغيير، رأى في مصطفى بلمهدي الوريث الشرعي لنهج الراحل نحناح فكريا وسياسيا وتربويا، باعتباره المؤسس الثالث لحركة المجتمع الإسلامي سابقا، وحركة مجتمع السلم حاليا.

وأفاد قيادي سابق في حركة الدعوة والتغيير، التي يتزعمها وزير الصناعة الأسبق عبد المجيد مناصرة لـ«الشرق الأوسط» بأن «99 في المائة من منتسبي حركة التغيير قرروا الانضمام إلى حركة البناء الوطني، إيمانا منهم بأنه لا سلطاني ولا مناصرة يمثل المنهج الفكري والتربوي والسياسي الصحيح لمؤسسة حركة المجتمع الإسلامي سابقا، وحركة مجتمع السلم حاليا».

وأضاف القيادي ذاته أن «المشروع الجديد يهدف إلى لم شمل من يؤمنون بالفكر والمنهج الوسطي المعتدل، الذي يمثله الراحل نحناح، وعلى من يؤمن برسالة هذا سواء في حركة الدعوة والتغيير أو في حركة مجتمع السلم فعليه أن ينضم إلى هذا المشروع وإلى هذا الحزب».

وعن سبب اختيار مصطفى بلمهدي رئيسا لحركة البناء الوطني قال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»: «الشيخ بلمهدي هو صديق للشيخ محفوظ نحناح، وكان معه في السجن، ويعتبر من المؤسسين الثلاثة لحركة المجتمع الإسلامي سابقا وحركة مجتمع السلم حاليا»، ويقصد بذلك نحناح ومحمد بوسليماني رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، الذي اغتالته الجماعات الإرهابية بتاريخ 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993، إلى جانب بلمهدي، لذلك هو الأحق بـ«خلافة الراحل نحناح، وهو من يمثل بحق منهجه التربوي والسياسي والفكري».

وإلى جانب كون بلمهدي من بين المؤسسين الأوائل لحركة مجتمع السلم فإن من بين أسباب اختياره لرئاسة الحركة «أنه لا يملك نوايا للترشح للرئاسيات بحكم سنه المتقدمة».

وكانت للأزمة الداخلية في حركة مجتمع السلم، وانشقاق قيادات منها، وتأسيس حزب جديد هو «حركة الدعوة والتغيير» برئاسة مناصرة، تداعيات سلبية كبيرة على مستقبل وانتشار الحزب، فبعد أن كانت حركة مجتمع السلم القوة السياسية الثالثة في البلاد خلال ولاية نحناح، فإنها تقهقرت وسجلت نتائج مخيبة خلال مختلف المواعيد الانتخابية السابقة، في فترة ولاية سلطاني، ولم يتمكن هذا الحزب من تحقيق نتائج إيجابية مماثلة لتلك التي حققت في عهد الراحل نحناح حتى مع تكتله مع أحزاب إسلامية أخرى، وهي حركة النهضة وحركة الإصلاح فيما يسمى بـ«تكتل الجزائر الخضراء».

في المقابل، كانت مشاركة حركة الدعوة والتغيير في الانتخابات التشريعية الأخيرة كارثية بكل المقاييس، وهو ما تسبب في اختفاء قياداتها إعلاميا وسياسيا.

وقبل أن تندمل جراح حركة مجتمع السلم بفعل الانشقاقات، تلقت ضربة موجعة أخرى بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعد إعلان وزير الأشغال العمومية المنتمي للحركة عمار غول انشقاقه، وتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم «تجمع أمل الجزائر».

ويرى مراقبون أن هناك عدة أسباب فجرت الصراع داخل البيت «الحمساوي»، وأن هذا الصراع لا يكتسي طابعا سياسيا أو فكريا أو تنظيميا، لكنه أخذ أبعادا شخصية من خلال محاولة كل طرف استغلال الحركة كمطية للحصول على مكاسب تتعلق بالحقائب الوزارية التي كانت «السلطة» تتكرم وتجود بها على هذا الحزب، وهو ما يطلق عليه في أبجديات الحركة «الاستيزار»، سواء ما تعلق بتولي سلطاني لحقيبة وزارية، وهو ما رفضته بعض قيادات «حمس» رفضا قاطعا، أو ما تعلق بصراع بين قيادات الحزب، خاصة أعضاء المكتب الوطني، بالظفر بمناصب وزارية في الجهاز التنفيذي.

وبسبب هذا الصراع قام المرشد العام للإخوان المسلمين الأسبق في مصر، مهدي عاكف، بتجميد الصلة مع إخوان الجزائر «حتى يتصالحوا»، ورغم المحاولات الكثيرة لإصلاح ذات البين فإنها باءت كلها بالفشل.

وكان بلمهدي قاد مبادرة في هذا الإطار من خلال «نداء البدار» كمشروع يعيد الأمور إلى سابق عهدها، والذي اعتبر خطا ثالثا أمام «حمس»، للتوحد على نهج نحناح من جديد، وهي مبادرة لم تجد أي صدى لدى الفرقاء.

وثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها عشية المؤتمر التأسيسي للحركة، تتعلق بجدوى دعوة رئيس حركة مجتمع السلم سلطاني المنشقين عن الحركة إلى طاولة الحوار والعودة إلى الحزب، كما تطرح تساؤلات تتعلق بمصير مبادرة مناصرة من خلال مراسلته لسلطاني، وهي الرسالة التي تتضمن شروط عودته إلى حركة مجتمع السلم.

وفيما يعتقد أنها حرب معنوية أعلنت مؤخرا صحيفة جزائرية أن «مكتب الإرشاد العالمي التابع للإخوان المسلمين في مصر، قرر تعيين مصطفى بلمهدي مراقبا عاما جديدا للإخوان المسلمين في الجزائر»، إلا أن نائب المرشد العام جمعة أمين نفى ذلك في تصريح نقلته صحيفة «الحرية والعدالة» التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. وقال جمعة في تصريحه بأن «الخبر عار تماما من الصحة، ووضع الإخوان في الجزائر ما زال كما هو، والحركة في الجزائر هي من ستختار مراقبا لها عبر الانتخاب».