طبيب وأستاذ جامعي ومصرفي بارز ضمن أعضاء شبكة التجسس المقبوض عليها في السعودية

وزير الداخلية اللبناني لـ «الشرق الأوسط» : ننتظر المعلومات حول اللبناني المعلن عنه

صورة للعاصمة الرياض، حيث جرى اعتقال بعض الأشخاص أول من أمس ضمن خلية تجسس (تصوير: خالد الخميس)
TT

قال لـ«الشرق الأوسط» وزير الداخلية اللبناني، مروان شربل، إن التحقيقات التي تجريها السعودية مع رجل أعمال لبناني متورط في خلية التجسس المعلن عنها أول من أمس - «ما زالت سرية»، وأضاف في اتصال هاتفي: «لم تردنا حتى اللحظة أي معلومات حول المتهم»، مكتفيا بالقول: «نثق بالجهات الحكومية السعودية، وننتظر ما يتوافر من معلومات»، وذلك حول المتهم اللبناني، الذي أشارت المعلومات إلى أنه أحد رجال الأعمال الذين أقاموا في دولة أوروبية قبل انتقاله إلى السعودية.

من ناحيته، أشار الفريق ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي، إلى أن نشاط خلايا التجسس بمنطقة الخليج يعد متزايدا، وقال: «إنه أمر متوقع»، مستدركا: «من النادر تواطؤ مواطنين مع أجانب في التجسس على دولهم»، مضيفا أن تباين تخصصاتهم يعود إلى رغبتهم في الاستفادة من تنويع المصادر المعلوماتية في مجالات مختلفة.

من ناحية أخرى، كشفت معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عن أن أحد أعضاء خلية التجسس الـ18 يعمل بالفرع الرئيس لأحد البنوك المصرفية المهمة في العاصمة السعودية الرياض، وله من الخبرة المصرفية أكثر من 35 عاما، وقبيل تقدمه بطلب التقاعد منذ ثلاثة أشهر عمل في قسم خدمات التحويلات المالية الدولية global transaction service.

وشدد أحد الخبراء المختصين - الذي رغب في عدم الإشارة إلى اسمه - على وجود جزء من المسؤولية يقع على عاتق البنك المعني بالأمر، بالإضافة إلى جزء آخر مرتبط بمؤسسة النقد؛ كونها مشرفة على أداء البنوك، وقال المصدر إنه على اعتبار أن التحريات والتحقيقات ما زالت في بدايتها، فإنه لا يستبعد تورط أشخاص آخرين في الأمر.

وحسب فهد القاسم الخبير في الاستثمار المالي، فإن منصب التحويلات الماليةglobal transaction service يعني عمليات البيع والشراء كافة في الشركات العالمية، منوها إلى أن كافة صفقات بيع وشراء أسهم وحصص في الشركات العالمية، وعمليات التبادل الخاصة بالشركات الدولية تكون من خلال إدارة التحويلات المالية العالمية.

في المقابل، حصلت «الشرق الأوسط» على معلومات جديدة تتعلق بعمل أحد أعضاء خلية التجسس في الحقل الأكاديمي بإحدى الجامعات السعودية بالعاصمة الرياض في كلية التربية، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه بالولايات المتحدة في مجال التربية، وقام بتدريس عدد من المقررات، من بينها الأصول الفلسفية للتربية والأصول التاريخية والاقتصادية.

واشترك في عدد من اللجان على مستوى الجامعة كاللجنة الدائمة للتطوير الجامعي، ولجنة احتياجات القسم من القوى البشرية، ولجنة المؤتمرات والندوات، وشارك في إعداد التقرير الوطني عن التعليم العالي بالسعودية.

وشملت خلية التجسس طبيبا استشاريا يعمل بأحد المستشفيات الكبرى في العاصمة السعودية كاستشاري كلى بقسم الأطفال، مستغلا موقعه في تزويد معلومات عن الشخصيات المهمة الخاضعة للعلاج في المستشفى ذاته.

من جانبه، وصف زهير الحارثي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، محاولة استغلال ملف الحقوق في السعودية لتمرير أجندة سياسية أو اختراقات لسيادة الدولة، بـ«الاستغلال الرخيص»، في وقت تشابكت فيه نداءات مدعي نشاط حقوقي من مغبة اعتقال شخصيات متعددة أعقبها كشف الرياض أمس، عن نقاب شبكة تجسس مكونة من 16 سعوديا وإيرانيا ولبنانيا، وتقف وراءها دولة لن تكون سوى إيران، رغم عدم خروج ذلك بشكل رسمي حتى إعداد هذه القصة.

بينما حذر اللواء عبد الله السعدون، عضو اللجنة الأمنية بمجلس الشورى السعودي، من استهداف إيران وغيرها للسعودية، مركزا على استهداف أنظمة الاتصالات وبرامج الكومبيوتر الحساسة، وقال السعدون: «إن الحرب الإلكترونية تبدأ في وقت السلم، بجمع المعلومات وتحليلها، ومن ثم برمجة الدفاع أو الهجوم، وهناك حروب تمتد لسنوات، وهي في ازدياد وتوسع، ولكن بشكل وأساليب وأدوات مغايرة».

وقال مراقبون لـ««الشرق الأوسط»: «إن الكشف عن شبكة التجسس التابعة للاستخبارات الإيرانية في السعودية تسبب في إحداث صدمة وذهول، خصوصا في الوسط الاجتماعي والثقافي الذي تحدر منه المعتقلون، كما تسبب في ارتباك في كيفية التعامل مع هذه القصة في الأوساط التي ترفع شعارات تنادي بحقوق الإنسان والإصلاح بشكل مطلق ودون أي اعتبارات للأمن القومي للبلاد، حيث احتاروا في الموازنة بين فكرة الحقوق وفكرة الأمن»، حسب متابعين.

وقال الحارثي: «إن المواثيق الحقوقية الدولية تتضمن حقوقا محددة، تحتم على الدول ضرورة احترامها وإدخالها ضمن قوانينها المحلية، وإن أحدا لا يستطيع إنكار أو جحد ذلك، بيد أنها في الوقت نفسه تفقد هذه الحقوق مصداقيتها وقيمتها الحقيقية إذا ما وظفتْ لهدف سياسي أو (ذاتوي)... ولا يمكن أن نطلق عليها سوى أنها استغلال رخيص لقيم ومفاهيم عليا»، مضيفا: «تعاطي بعض المنظمات الحقوقية الغربية أكبر دليل على ذلك، ومع ذلك فالمتلقي لدينا أصبح أكثر وعيا، وبات باستطاعته التمييز ومعرفة الخط الفارق ما بين الحقيقة وادعائها، وبالتالي لن تنطلي عليه أمور بهذا الشكل».

وشدد الحارثي على أنه «يحق لأي دولة بشكل مشروع اتخاذ أي خطوات ووسائل تكفل لها حماية أمنها واستقرارها، وهي طرف هنا، كما أن الطرف الآخر من حقه أن يحظى بمعادلة عادلة، وله كافة الحقوق، غير أن من يفصل في القضية هو القضاء المستقل... السعودية لديها قوانين عدلية تتضمن تلك الحقوق كنظام الإجراءات الجزائية الذي يرسخ ضمانات للمتهم».

ويتساءل الدكتور الحارثي بالقول: «لماذا تتحرك إيران بهذا الشكل في المنطقة؟»، ويجيب قائلا: «كمتابع، أجد أن إيران تعتبر السعودية حاجزا أمام طموحاتها وتوسيع نفوذها في المنطقة، لأن سياسة السعودية في ترسيخ الاعتدال يزعج المشروع الإيراني الذي يرى بدوره أنها تكسب ساحات بسياستها الناعمة، وهو ما يجعل طهران تستخدم كافة الوسائل لمحاولة زعزعة أمن واستقرار دول الخليج، فهي تحاول إضعاف الدور السعودي الذي يتسم بالعمق الإسلامي والثقل الاقتصادي الدولي، فضلا عن حضور سياسي متزن، وقد صرفت طهران المليارات لتوسيع نفوذها واستغلال الأحداث الداخلية لدول الخليج، وهي تهدف لإشغال السعودية بالداخل حتى إنها تتحرك بانسيابية، فتضمن أوراقا في يدها لمساومة الغرب في ملفها النووي، وقد حاولت سياستها اختراق دول الخليج، من أجل ترسيخ رسالة سياسية مفادها أن طهران تملك القدرة على الوصول إلى تلك الدول باستخدام وسائل المال والولاء العقدي واستغلال شعارات حقوق الإنسان».

ويضيف عضو اللجنة الخارجية بمجلس الشورى: «هناك شبه واسع بين تصرفات إيران و(القاعدة)، في اختراق شرائح معينة، فاستخدمت الشباب في البداية ثم عرجت إلى أكاديميين وشخصيات تتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع، ويستخدمون فئات قد يكون لها موقف معين من الدولة، فالأمر في نهاية المطاف مصلحة مشتركة للطرفين، ولا ننسى أن إيران وظفت الحوزات في أفريقيا وبعض دول الخليج وسوريا والمغرب والجزائر، باستخدامها غطاء دينيا تمرر من خلاله مشروعها السياسي، وأجندتها الخفية».

أما اللواء عبد الله السعدون، فيقول: «إن الأمر غير مستغرب ألبتة، إذا ما لاحظنا مرور طهران بفترة حرجة، وهناك أكثر من مشكلة تعيشها مع العرب من جهة، والمشاكل التي تصدرها إيران في هذا الجانب، في وقت تخوض فيه غمار معركة مع الغرب، يشير إلى تورطها، لا سيما أنها منذ عهد الخميني وحتى اللحظة تواصل تصدير الثورة».

ويضيف «يجب علينا أخذ الحيطة والحذر، في كل وقت وكل زمن»، مكملا «كعسكري، لا يجب القول الآن سلم أو حرب، يجب أن نكون على أهبة الاستعداد على الدوام، وهذا شيء أساسي، لأن الدول تؤسس على الدوام بضرورة مراعاة كافة الجوانب وقت السلم، لتتفادى أي مفاجآت وقت الحرب. وفي السعودية، كافة الإمكانات والأجهزة وكل ما يحمي منجزاتها في هذا الجانب متوافرة، وما يحدث من كشف وإحباط كبير لكافة الاعتداءات يعكس ذلك».

وعرج اللواء السعدون بالحديث حول مدى استفادة الجهات الأخرى من كافة المعلومات في ما يسمى «الحرب السايبرونية» التي اعتبرها قائمة بالفعل، معللا «لأن الحرب الآن صارت تنتقل، ولا ننسى أنها تتطور يوما بعد يوم، وهناك مناوشات قائمة الآن بين دول كبرى إلكترونيا، حتى وإن حملت جوانب اقتصادية، لذا، يجب أن نسخر المؤشرات إلى أن تكون البلاد جاهزة ومستعدة لحماية إنجازاتها، خصوصا أن هذه الحرب من الممكن أن تشن على مصانع ومستشفيات وأماكن توليد الطاقة وتحلية المياه، وأي منشأة تعمل إلكترونيا تعد عرضة للهجوم إذا لم تتم حمايتها بالشكل المطلوب لصدها».