القضية الكردية في تركيا تدخل بعدا جديدا برسالة أوجلان

تطور تاريخي في النزاع الذي استمر لعقود

TT

اتخذت القضية الكردية في تركيا بعدا جديدا أمس، بعد إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الموجود في الحجز الانفرادي في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة في تركيا منذ اعتقاله في كينيا عام 1999، خطة حل للأزمة تبدأ بوقف لإطلاق النار وانسحاب للمقاتلين و«تغليب الحل السياسي» للقضية التي شغلت تركيا منذ تأسيس الجمهورية في عام 1923، واستفحلت منذ ثمانينات القرن الماضي بعد تحولها إلى صراع مسلح قاده أوجلان نفسه بتأسيسه تنظيم «حزب العمال الكردستاني»، وهو صراع كلف البلاد نحو 40 ألف قتيل و400 مليار دولار.

وقابلت السلطات التركية الإعلان الكردي بترحيب حذر، رغم أن الرسالة التي تليت باسم أوجلان منسقة بالكامل مع الاستخبارات التركية، وذلك على قاعدة انتظار «ثبوت النيات». وقال وزير الداخلية معمر كولر، الذي يتابع الملف، إن ما قاله أوجلان «رسالة سلام، لكن العبرة بالتنفيذ». ودعا أوجلان في رسالته التي تلاها نائبان باللغتين التركية والكردية في ديار بكر، إلى وقف القتال وانسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والتحول من الكفاح المسلح إلى الكفاح الديمقراطي، واصفا هذه الخطوة بالبداية وليست النهاية.

ويتعامل الطرفان بحذر شديد مع الموضوع نظرا لتاريخ الصراع الدموي بينهما الذي مر عليه قرابة 20 عاما، فالأكراد يخشون تعرض المنسحبين لنيران القوات التركية كما حصل في آخر مرة أعلن فيها وقف للنار من جانب واحد في عام 2004، فيما يخشى الأتراك عدم التزام كل فصائل «الكردستاني» بالتهدئة. غير أن الظروف تبدو هذه المرة مختلفة، إذ إن السلطات التركية تولي أهمية كبيرة لهذه الهدنة، ولعملية السلام التي أطلقت بالتعاون مع أوجلان نفسه هذه المرة وبطريقة مباشرة، علما بأن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان كان قد وعد بـ«لجنة محايدة» للإشراف على الانسحاب في خطوة متقدمة من الجانب التركي.

وسألت «الشرق الأوسط» الخبير البريطاني في الشؤون التركية نيكولاس بيرتش إذا كان جميع قادة «بي كي كي» يؤيدون أوجلان في خطوته هذه فقال: «هناك إدراك عام في الطرفين أن الحرب لم تعد خيارا. ومن هذا المفهوم فإن جميع مستويات (بي كي كي) تشير إلى ذاك الاتجاه». وأضاف: «لكن في الوقت ذاته فإن موراد كارايلان القائم بأعمال زعيم حزب العمال الكردستاني، أصدر على مدى الأيام العشرة الماضية تصريحين قال فيهما إنهم يسيرون على خطى أوجلان. في ذات الوقت عبر عن قلقه من أن أوجلان قدم تنازلات مبكرة».

وفي ما يتعلق بالتغيرات المحتملة في الدستور التركي كنتيجة لاتفاق وقف إطلاق النار، قال بيرتش: «إذا نظرنا إلى توقيت العملية، فإن هناك وجهة نظر في تركيا تؤكد العلاقة بين هذا الاتفاق ورغبة أردوغان في الانتقال إلى النظام الرئاسي». وشرح بيرتش أن أردوغان يعتقد أنه سيحظى بتأييد النواب الأتراك في تحركه هذا.كما أن أوجلان نفسه كما يبدو يؤيد طموحات أردوغان، أو على الأقل يعطيه ضوءا أخضر.

وكانت الأنظار قد توجهت أمس إلى مدينة ديار بكر، عاصمة المقاطعة التركية ذات الغالبية الكردية، حيث تجمع نحو ربع مليون كردي للاحتفال بعيد النوروز، وهو أمر لم يكن ممكنا منذ سنوات قليلة، بسبب القيود التي كانت تفرضها تركيا على الأكراد وحذرها من ميلهم الشديد إلى إظهار قوميتهم.

ولقي الاحتفال هذا العام اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام المحلية والدولية، حيث تم تسجيل أكثر من 500 مؤسسة إعلامية، منها 100 مؤسسة أجنبية لتغطية الاحتفال، كان أغلبها من الإعلام الفرنسي والألماني. ومع أن وزير الداخلية التركي أكد أمس أن رفع صور عبد الله أوجلان يعتبر مخالفا للقانون، فإن أعلام الكردستاني وصورة ضخمة لعبد الله أوجلان كانت معلقه أمام قاعة الاحتفال إلى جانب الآلاف من صوره التي كان يحملها المشاركون.

وكان وزير الداخلية التركي قال إن رفع صور زعيم منظمة «بي كيه كيه» الإرهابية، عبد الله أوجلان، من قبل بعض الموالين له، خلال فعاليات واحتفالات عيد الربيع «نوروز»، ممنوعة في تركيا، معتبرا ذلك «جريمة، ودعما لشخص مجرم». وأضاف كولر، خلال جلسة في البرلمان التركي، مجيبا عن أسئلة بعض البرلمانيين الأتراك، أن السلطات المختصة ستتخذ الإجراءات اللازمة حيال المخالفين.

ووجدت لجنة من حزب السلام والديمقراطية للإشراف على ترتيبات الاحتفال، والتي تضمنت عملية نقل الوافدين إلى الساحة، بواسطة حافلات تابعة لبلدية ديار بكر، انطلاقا من 85 نقطة تجمع مختلفة. وبدورها اتخذت شرطة المدينة تدابير أمنية، على مسافة كيلومتر من محيط الساحة، حيث تسمح للقادمين بالدخول إليها، بعد إخضاعهم للتفتيش، إضافة إلى مشاركة 5 آلاف عنصر، وظيفتهم تنظيم المهرجان، لدعم الشرطة في تأمين الاحتفال. كما أغلقت عناصر الأمن التابعة لبلدية المدينة، مداخل الساحة بالحواجز، أمام الباعة المتجولين، فيما ازدانت الساحة بيافطات معلقة في الساحة، كتب عليها باللغتين التركية والكردية «عيد نوروز سعيد».

وألقيت الكلمة التي أعدها عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة امرالي، والتي نقلتها المخابرات التركية وسلمت إلى مسؤولين في حزب السلام والديمقراطية الذي يعد بمثابة الجناح السياسي للتنظيم المحظور تركيا وأوروبيا وأميركيا. وتليت الرسالة المكونة من 3 صفحات باللغتين الكردية والتركية، وقرأت عضو البرلمان عن السلام والديمقراطية برفين بولدان نصها باللغة الكردية، وتلاها نائب آخر من الحزب نفسه هو سري سوراي أوندار باللغة التركية.

وتوجه أوجلان في رسالته إلى الحضور بالقول «اليوم نصحو على تركيا جديدة في شرق أوسط جديد، وهذا يعني أننا نبدأ مرحلة جديدة في تاريخنا. لقد قدمنا الكثير من التضحيات العظام، وترتب على هذا النضال خلق الهوية الكردية من جديد». وأضاف «نقول لشعوب المنطقة من عرب وفرس وأتراك وأكراد يكفينا قتل بعضنا بعضا، يجب علينا أن ننتبه من هذه الحرب القذرة التي تخاض ضدنا، أما لملايين من الناس فأقول إننا بدأنا مرحلة جديدة، مرحلة تقدم السياسة على السلاح، وهذا ليس نتيجة وإنما بداية مرحلة».

ورأى أوجلان أن شعوب الأناضول مع الأكراد من حقهم العيش بسلام، ولهذا ستكون المرحلة الجديدة مرحلة الحقوق الديمقراطية والحريات والمساواة.. وقال «فلتسكت أصوات الرصاص، وليقف نزيف الدم التركي الكردي، ولنفتح الباب أمام السياسة». وتوجه إلى مقاتلي الكردستاني بالقول «أناشدكم ترك السلاح والانسحاب إلى خارج الحدود والتحول من الكفاح المسلح إلى الكفاح الديمقراطي». وأردف قائلا «الزمن ليس زمن القتال والحرب، بل زمن الاتفاق والمسامحة واحتضان بعضنا بعضا»، معتبرا أن «هذا لا يعني أننا تركنا الكفاح والنضال، لكننا استبدلنا نوعا آخر من النضال به».

وقال أوجلان في رسالته «الأكراد قسموا على دول الجوار، ونحن نهدف إلى إقامة وإنشاء نموذج جديد لهم، وستكون شعوب الهلال الخصيب هي النموذج لنا، لكي نقيم معا نظاما ديمقراطيا يليق بعصرنا.. فلنجمع جميع أطياف شعب تركيا في هذا النظام الحديث، ولنقم مجلس عام 1921 من جديد».