القضاء المصري يجعل قانونية وجود «الإخوان» في عهد مرسي أصعب من عهد مبارك

مهدي عاكف لـ «الشرق الأوسط»: الجيش «يضرب تعظيم سلام» للرئيس

TT

رغم تردي الأوضاع التي تشهدها البلاد، فإن قيادات جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر تتحدث بثقة كبيرة في كل شيء؛ من الاقتصاد إلى السياسة إلى العلاقة مع الجيش والأوضاع الاجتماعية. لكن نغمة الثقة تتراجع عندما يتعلق الحديث بالوضع القانوني للجماعة التي تأسست عام 1928 وتقرر حلها ومنعها من العمل عدة مرات منذ أربعينات القرن الماضي. ومن المقرر أن تصدر أحكام قضائية جديدة بشأنها خلال أيام. وقال مهدي عاكف، الذي تولى موقع المرشد العام لجماعة الإخوان في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إن السلطات القضائية لم يصدر عنها في عهد مبارك مثل هذه الآراء التي نراها اليوم والخاصة بقانونية جماعة الإخوان.

وفوجئت جماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي، وتستحوذ على الأكثرية في مجلس الشورى المختص بالتشريع، بصدور تقرير قضائي يوم أول من أمس، يقول فيه إنه لا وجود قانونيا لجماعة الإخوان. وتم رفع التقرير لمحكمة مختصة للفصل فيه خلال أيام. وسارعت الجماعة بالكشف عن أنها قامت بتسجيل نفسها كجمعية تحت اسم «جمعية الإخوان الأهلية»، وترددت أنباء سريعة في وسائل الإعلام المحلية عن أن مهدي عاكف شغل موقع مدير عام الجمعية الجديدة. لكن عاكف أوضح قائلا: «لست أنا، ولكن الذي تولى هذا الموقع هو ابن أخي المهندس محمد عبد الله عاكف، وهو الذي أشهر الجمعية باسمه».

ولا يحق للجمعيات من هذا النوع أن تعمل في السياسة أو تسعى للحكم، كما قال الفقيه الدستوري والقانوني الدكتور شوقي السيد لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن أي جمعية شرعية لـ«الإخوان» وفقا لقانون الجمعيات الأهلية لا يحق لها أن تعمل في السياسة أو تسعى للسلطة، وتعامل مثلها مثل 13 ألف جمعية أهلية أخرى بمصر، حيث يحظر القانون أن تعمل خارج نطاق الغرض الاجتماعي الخيري، وتخضع للرقابة الإدارية والمالية من الدولة.

وأتاح تعديل في الدستور الجديد الذي صاغه الإسلاميون مطلع هذا العام إشهار الجمعيات الأهلية بالإخطار على أن تقنن أوضاعها في ما بعد. وقال مسؤول في اتحاد الجمعيات الأهلية إن جماعة الإخوان «استغلت هذا الشرط الميسر في تأسيس جمعية لكي تتفادى المنازعات القضائية الخاصة بقانونية وجودها، لكن الأمر يبدو أكثر تعقيدا، لأن الجماعة ما زالت قائمة كأمر واقع رغم إشهار جمعية لـ(الإخوان)».

ويعتبر عاكف صاحب خبرة طويلة داخل جماعة الإخوان. وقال المرشد السابق عن رؤيته للوضع الجديد بتحول الجماعة إلى جمعية خاصة بعد صدور تقرير قضائي بأنه لا وجود قانونيا لجماعة الإخوان، إن ما يحدث «عبث». وأضاف أن الجماعة موجودة منذ 85 سنة، تحت اسم «هيئة إسلامية جامعة»، و«إذا كنتم تريدون تسميتها جمعية فلتسموها جمعية.. حين يصدر (تقرير من) القضاء يحمل مثل هذه الآراء (بحل جماعة الإخوان) يكون لا يدري أنه (يتناول) جماعة بهذا الحجم الضخم في مصر وخارج مصر»، مبديا استغرابه مما قال إنه تأثر بآراء بعض الشباب المناوئين لـ«الإخوان» في الشارع.

وتصاعدت حدة الغضب من جماعة الإخوان بعد نحو شهرين من أداء الرئيس مرسي القسم كأول رئيس مدني منتخب الصيف الماضي، وتعرضت مقار لـ«الإخوان» للحرق وتعرض مقر الرئاسة للحصار، وهاجم شبان غاضبون من التدهور الاقتصادي والسياسي والأمني في البلاد المقر العام لجماعة الإخوان في ضاحية المقطم. وصدر تقرير هيئة مفوضي المحكمة الإدارية العليا قبل يومين من مظاهرات تبدأ اليوم (الجمعة) أمام المقر الرئيسي لـ«الإخوان» بالمقطم. وبخلاف الحكم المنتظر من المحكمة الإدارية العليا خلال الأيام المقبلة، هناك جلسة أخرى لمحكمة القضاء الإداري يوم الثلاثاء المقبل للنظر في دعاوى تطالب بحل الجماعة وإغلاق جميع مقارها في مصر.

وقال عاكف إنه في عهد مبارك لم تتمكن السلطات القضائية من إصدار مثل هذه الآراء الخاصة بقانونية جماعة الإخوان، مضيفا أن فتح موضوع قانونية الجماعة ينضم إلى موضوعات الفرق التي تناهض «الإخوان»، وهي الآن «كل الأحزاب بلا استثناء وكل الفاشلين بلا استثناء وكل العلمانيين بلا استثناء».

وهاجم مهدي عاكف في معرض حديثه عن الموقف القانوني للجماعة وسائل الإعلام الخاصة، وقال: «إعلام فاشل.. وصحافة فاشلة، وللأسف الشديد (الإخوان) يواجهون كل هؤلاء، ولكن كل هؤلاء في سلة واحدة لا يساوي شيئا.. الشارع المصري يحب (الإخوان)، و(الإخوان) موجودون في الشارع المصري»، مضيفا أن «(الإخوان) مؤدبون جدا، وصابرون جدا لأنهم متأكدون من موقفهم ومتأكدون من حجمهم ومن مكانتهم وأهدافهم ورسالتهم وما يقومون به».

ووجه عاكف رسالة إلى المعارضين لجماعة الإخوان: «بيننا وبينكم المبادئ والخلق»، مشددا على أن التغيير يكون بـ«منافسة شريفة» عبر صناديق الانتخاب. كما وجه رسالة إلى الرئيس مرسي: «الله يعينك ويشد حيلك»، ودعاه للتحدث مع الشعب «وأن يقول له ماذا يريد منه»، لكنه قال إن الرئيس مرسي «صابر على كل الأذى وعلى كل الكذب الذي يراه أمامه، وهذا من حكمته، وربنا يعينه ويقويه»، نافيا ما يتردد عن أن جماعة الإخوان أصبحت معزولة عن الشارع، وقال: «الشعب هو الذي يكلفنا».

ودعا عاكف المصريين إلى العمل والإخلاص. وعلى العكس من رأيه في المشكلة القانونية التي تواجهها الجماعة وغضبه من وسائل الإعلام الخاصة، تحدث المرشد العام السابق بثقة عن إمكانية تعافي الأوضاع الاقتصادية والسياسية وعودة الاستقرار إلى البلاد، كما تحدث بثقة عن علاقة الرئيس مرسي بالجيش، رغم ما يتردد عن غضب الجيش من علاقة إخوان مصر بحركة حماس، وما يقال عن أن الجيش قد ينقلب على الجماعة.

وقتل من يعتقد أنهم متشددون إسلاميون من سيناء وقطاع غزة 16 من الجيش المصري قرب رفح في أغسطس (آب) الماضي. وقام الرئيس مرسي بعدها بإقالة المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري السابق ونائبه الفريق سامي عنان، وقائد المخابرات مراد موافي. وتلقي هذه الحادثة بظلالها على العلاقة بين الجيش والرئاسة. وقال عاكف: «منذ قيام محمد مرسي بقسم اليمين (كرئيس منتخب لمصر)، كل قيادات الجيش تضرب له تعظيم سلام.. وحتى بعد أن أقال رئيس المخابرات ضرب له الجيش تعظيم سلام.. وأيضا حين أقال طنطاوي وعنان ضرب له الجيش تعظيم سلام».

ومن جانبه، قال الدكتور شوقي السيد، إن جماعة الإخوان تواجه أزمة شرعية في كيفية وجودها وأساس وجودها، مشيرا إلى أن الجماعة أصبحت «في مواجهة مباشرة مع القانون ومع القضاء». وأضاف عن سبب تخوف «الإخوان» من التقارير القضائية التي توصي وتطالب بحل الجماعة، والهجوم على وسائل الإعلام الخاصة، بالقول إن «القضاء المصري والإعلام المصري هما خط الدفاع الأول للشعب المصري». وأوضح أن تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا يكشف عن أن جماعة الإخوان ليس لها وجود شرعي منذ قيامها.