تقرير ينتقد انحراف «سي آي إيه» عن أدوارها التقليدية

توصية لأوباما: الوكالة باتت تركز على عمليات «درون» بدل التهديدات من الصين والشرق الأوسط

شعار وكالة «سي آي إيه» في رواق مقرها الرئيسي في لانغلي بولاية فرجينيا (أ.ف.ب)
TT

حذرت لجنة من مستشاري البيت الأبيض الرئيس باراك أوباما في تقرير سري من عدم توجيه وكالات التجسس اهتماما كافيا إلى الصين ومنطقة الشرق الأوسط والمناطق التي تشكل تهديدا للأمن القومي نظرا لتركيزها الزائد على العمليات العسكرية وغارات الطائرات من دون طيار (درون)، بحسب مسؤولين أميركيين.

وخلصت اللجنة التي قادتها شخصيات بارزة مثل وزير الدفاع تشاك هاغل والسيناتور السابق ديفيد بورين، في تقريرها الذي أعدته العام الماضي، إلى أن أدوار وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» ووكالة الأمن القومي ووكالات الاستخبارات الأخرى انحرفت عن مسارها نتيجة لأكثر من عقد من الصراع. وطالبت الوثيقة السرية بأول تحويل واضح في موارد الاستخبارات منذ أن بدأت في التدفق بغزارة نحو برامج مكافحة الإرهاب ومناطق الحرب بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وتشكل النتائج التي توصل إليها المجلس الاستشاري الرئاسي للاستخبارات نقطة تحول في مكافحة الإرهاب. وتم توزيع الوثيقة على كبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض، الذين أشارت تصريحاتهم العامة خلال الأسابيع الأخيرة إلى أنهم يشاركون أعضاء اللجنة بعض القلق.

وقال جون برينان، مستشار أوباما الأسبق لمكافحة الإرهاب، والذي تولى رئاسة وكالة «سي آي إيه» الشهر الحالي، للكونغرس في فبراير (شباط) إنه خطط لتقييم «توزيع المهام» في الوكالة، ووصف مدى مشاركة الوكالة في عمليات القتل بأنه «انحراف عن مهمتها التقليدية». وأوضح مسؤولو وكالة «سي آي إيه» أن أي تعديل لمسار الوكالة يتوقع أن تكون تدريجيا وليس دفعة واحدة. أحد الأسباب وراء ذلك هو القلق الحذر بشأن تهديد «القاعدة». لكن أحد الأسباب الأخرى يتمثل في النفوذ الذي تمارسه مؤسسات مكافحة الإرهاب مثل مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة «سي آي إيه»، والتي توسعت خلال العقد الماضي. حتى أن برينان أكد أن وكالة «سي آي إيه» لن تتخلى عن أسطولها من الطائرات من دون طيار، قائلا في ردود مكتوبة قدمها إليه أعضاء الكونغرس في إطار التأكيد على أن الوكالة «تمتلك تاريخا شبه عسكري طويلا وينبغي أن يستمر كي تتمكن من توفير هذا الخيار للرئيس». لكن، التقرير السري السابق للمجلس الاستشاري يعكس قلقا أوسع بشأن الملامح الأساسية للوسيلة التي يتم بها تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب بعد 12 عاما من بدايتها.

يذكر أن برينان قاد العام الماضي الجهود لفرق قيود صارمة بشأن القتل المستهدف للمشتبه بهم بالإرهاب في الخارج. وقد أجبرت الإدارة خلال الأسابيع الأخيرة على كشف التفاصيل الخاصة بالأسس القانونية لغارات الطائرات من دون طيار على مواطنين أميركيين في الخارج وسط مناقشات حادة في الكونغرس بشأن السرية المحيطة بمثل هذه القرارات. ويدرس البيت الأبيض أيضا إمكانية منح وزارة الدفاع مزيدا من الرقابة على حملة الطائرات من دون طيار وخفض دور وكالة «سي آي إيه»، رغم إشارة المسؤولين إلى أن التغيير قد يستغرق سنوات وقد لا يتضمن عمليات الطائرات من دون طيار في باكستان.

تم تشكيل مجلس الاستخبارات من 14 خبيرا، شغل الكثير منهم في السابق مناصب حكومية عليا، ويعقدون اجتماعات سرية ولديهم قدرة كبيرة على الوصول إلى المسؤولين والتقارير الاستخباراتية.

ورفض أعضاء اللجنة مناقشة محتوى التقرير، مؤكدين على طبيعة السرية لعمل المجموعة. لكن الكثير منهم عبروا عن شكوكهم العميقة تجاه عمليات وكالة «سي آي إيه» ووكالات الاستخبارات الأخرى شبه العسكرية الآخذة في التزايد.

وقال بورين، رئيس لجنة الاستخبارات بلجنة الشيوخ الذي يعمل رئيسا للمجلس الاستشاري الرئاسي للاستخبارات. وأشار بورين إلى أن «نشر عملاء الاستخبارات والمصادر أصبح غير متوازن، ومن ثم فهي بحاجة إلى التغيير بشكل كبير كما جرى في نهاية الحرب الباردة».

وقال لي هاملتون أحد أعضاء اللجنة، والعضو السابق بالكونغرس، إن عمليات التجسس التقليدية «تأثرت بشكل كبير نظرا لبذل وكالة سي آي إيه مزيدا من الجهود على الجانب العملي». كان هاملتون الرئيس المشارك في لجنة 11 سبتمبر التي ساعدت نتائجها في إحداث تغييرات استخباراتية بعيدة المدى بما في ذلك تحويل وتخصيص موارد ضخمة لمواجهة التهديد الإرهابي. أبدى هاميلتون قلقا من تحول هذا التخصيص بعيدا عن هدفه، مؤكدا أن الوقت قد حان «لإعادة توجيه دفة الاستعداد للحرب والتركيز على مكافحة الإرهاب.. والعودة إلى ممارسة الأدوار التقليدية المعنية بجمع وتحليل المعلومات».

واعترف مسؤولون في الاستخبارات الأميركية بأن الحاجة إلى الاستعانة بوكالات الاستخبارات قد تزايد خلال السنوات الأخيرة، وذلك جراء الاضطرابات السياسية المرتبطة بالربيع العربي، والتهديدات الخاصة بالتجسس عبر الإنترنت من قبل الصين وانشقاق الجماعات المسلحة في شمال أفريقيا. كما تفاقمت الضغوط على الأجهزة الاستخباراتية بفعل تقلص ميزانياتها بعد سنوات من مضاعفتها. وقد شكك مسؤولون في تراجع قدرة الأجهزة الاستخباراتية على مواكبة التطورات الأخيرة.

وقال شون تيرنر المتحدث باسم جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية إنه رغم مواجهة «مجموعة تحديات هائلة وأكثر تنوعا أكثر مما رأيناه في التاريخ الحديث، تواصل وكالات الاستخبارات الأميركية جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية بنجاح لتساعد في توفير الحماية لنا من أي تهديدات في جميع أنحاء العالم». وقال مسؤولون قاموا بمراجعة تقرير اللجنة، إنه يوثق الكثير من نقاط الضعف لدى الأجهزة الاستخباراتية فيما يتعلق بمسألتي تدفق العناصر والمصادر إلى بؤر الصراع.

كانت محطات وكالة «سي آي إيه» في كل من العراق وأفغانستان، الأكبر حجما في تاريخ الوكالة برمتها، مع وجود الآلاف من الموظفين، والمحللين والعاملين في مجال توفير الدعم والحماية لمجمعات محصنة في كل من بغداد وكابل إلى جانب قواعد صغيرة أخرى خارج نطاق العواصم.

وتقلص حجم هذا الانتشار نتيجة الحد من نطاق تلك الحروب. ويشير بورين إلى أن هناك خللا هائلا في «عدد الموظفين والخبراء الموجودين لدينا في أماكن مثل العراق وأفغانستان بالمقارنة مع بلدان أخرى ذات أهمية بالغة».

وقال بورين إن الحاجة إلى تطوير معلوماتنا الاستخباراتية بشأن الصين «لا يعني أننا في طريقنا لشن هجوم» ضد هذه الدولة، متسائلا «ما الدولة التي ستكون أكثر أهمية بالنسبة لأميركا:؟ أفغانستان أو الصين على المدى الطويل؟».

وحذر بورين من أن عمليات الانتشار المتكرر في مناطق الحرب حالت دون تدريب جيل كامل من الجواسيس عقب أحداث 11 سبتمبر؛ «لأن جميع خبراتهم تقريبا تنحصر فيما يمكن أن أسميه الدعم العسكري، وليس لدى أي منهم دراية بجمع المعلومات الاستخبارية التقليدية وتحليلها».

لكن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية أكدوا أن مكافحة الإرهاب تمثل جزءا صغيرا من نطاق عملها. وقالوا إن المئات من المحللين يتابعون التطورات السياسية والاقتصادية في الصين مثل العشرات من المواضيع الأخرى.

وأوضح المسؤولون أنه في ذروة الحروب في أفغانستان والعراق، قامت وكالة «سي آي إيه» ووكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع بإنشاء أقسام لرصد إيران وسعيها لامتلاك سلاح نووي، ولكن لا تزال هذه الجهود ضئيلة بالمقارنة بتركيز عمل تلك المؤسسات على تنظيم القاعدة. كان يحوي مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة «سي آي إيه» نحو 300 موظف أثناء وقوع هجمات 11 سبتمبر. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت قوته العاملة نحو ألفي موظف.

وقال بريستون غولسون، المتحدث باسم وكالة «سي آي إيه» إنه طُلب من الوكالة الأخذ على عاتقها قدر كبير من المسؤولية بعد وقوع الهجمات الإرهابية. وأضاف: «لقد أدينا مهماتنا، وسنستمر في مواجهة التحديات والقيام بأدوارنا الاستخباراتية التقليدية والمعاصرة».

* ساهم كارين دي يونغ في التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»