الرئيس الأميركي يعد الفلسطينيين بالدولة ويناشدون الإسرائيليين أن يضعوا أنفسهم مكانهم

أوباما لعباس: لا تضع العربة أمام الحصان.. والثاني يرد: لا نطلب شيئا خارج الشرعية

أوباما وإلى يمينه سلام فياض، يصافح طفلة فلسطينية لدى زيارته مركزا شبابيا في مدينة البيرة (إ.ب.أ)
TT

ظهر الخلاف بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في ما يخص موضوع الاستيطان إلى العلن، بعدما أعلن أوباما في المؤتمر الصحافي المشترك في رام الله، أنها قضية يجب أن تناقش أثناء المفاوضات لا قبلها، ورد عباس بأنه متمسك بموقفه من ضرورة تجميد الاستيطان قبل البدء في المفاوضات.

ويبدو أن لقاء عباس وأوباما في مقر الأول برام الله لم يسفر عن اتفاق، وأكدت ذلك مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط». وقال أوباما إنه ما زال ملتزما بإقامة دولة فلسطينية، وأن وزير خارجيته، جون كيري، سيبذل مزيدا من الوقت والجهد لسد الفجوات بين الطرفين. وعندما سئل عن موقفه من الاستيطان ومتى يمكن العودة إلى المفاوضات، قال أوباما: «استنادا إلى محادثاتي، فإن الإمكانية لا تزال قائمة للتوصل إلى حل على أساس الدولتين، وأنا مستمر في قناعتي بأن هناك فرصة للتوصل إلى حل سلمي». وأضاف: «يمكن تحقيق الأفضل إذا تمكنا من الوصول إلى مفاوضات مباشرة وأن نبدأ هذه المفاوضات.. أعتقد أن شكل صفقة موجود، والعالم كله سيدعم ذلك».

لكن أوباما طلب تغيير العادات وطرح المسلمات، في إشارة إلى رفضه تمسك الفلسطينيين بطلب تجميد الاستيطان قبل البدء في مفاوضات. وقال: «لا نعتبر بناء الاستيطان أمرا يمكن أن يساعد على تحقيق السلام، ليس لدينا غموض في الموقف، لكن هذا الأمر لا يمكن حله بين يوم وليلة. الاعتقاد أنه يمكننا أن نبدأ بمفاوضات عندما يتم حل المشكلات الموجودة، يعني أنه لا فائدة من المفاوضات إذن، يجب أن نعمل على حل المشكلات من خلال المفاوضات. هذا هو السبيل الوحيد والأقصر لتحقيق السلام».

وأكد أوباما أنه أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن الاستيطان يشكل مسألة يصعب التعايش معها. وأضاف: «مع الاحترام لمطالب تجميد الاستيطان، إذا كان السبيل الوحيد لبدء المباحثات هو تحقيق جميع الأمور على النحو المطلوب، فأعتقد في هذه الحالة لن يكون هناك سبب للمفاوضات. يجب التفاوض لحل المشاكل الحقيقية التي تؤثر على الاستقرار والأمن والسلام للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي». وتابع: «نريد تحقيق الاستقرار والسيادة والسلام والأمن. هذا هو لب الموضوع والقضية الرئيسة، وإذا قمنا بحل ذلك فإن مشكلة الاستيطان ستنتهي». ومضى منتقدا الطلب الفلسطيني: «لا نريد أن نضع العربة أمام الحصان. نريد أن نتأكد من أننا نصل إلى القضايا الحقيقية والرئيسة، لأجل بناء الثقة وإعادة بناء الثقة، وهذا يتطلب منا أن نتجاوز بعض الصيغ والمطالبات والعادات. علينا أن نفكر بأسلوب جديد، ونحن سنفكر بأسلوب جديد».

واضطر أبو مازن للرد على موقف أوباما فورا بتوضيح موقفه، معلنا تمسكه بشرط تجميد البناء الاستيطاني. وقال: «لسنا وحدنا من يقول إن الاستيطان غير شرعي، هناك رؤية عالمية، الكل يرى أن هذا الاستيطان ليس عقبة فقط، بل نتذكر أنه صدر عن مجلس الأمن 13 قرارا تطالب باجتثاثه لأنه غير شرعي». وأضاف: «لا نطالب بشيء خارج إطار الشرعية الدولية».

وأردف: «نريد أن توقف النشاطات الاستيطانية لنتكلم عن القضايا، ومن ثم عندما نحدد حدودنا كل يعرف أرضه التي يعمل فيها ما يريد». ومضى في رد واضح على أوباما: «لم نتخل عن رؤيتنا، وسنستمر في هذا الرؤية. نرى أن الاستيطان غير شرعي. تحدثنا في هذا مع السيد الرئيس وأوضحنا وجهة نظرنا وكيف نصل إلى حل». وزاد: «إذا جاء السلام يجب أن يعرف الإسرائيليون أن 57 دولة ستعترف فورا بدولة إسرائيل، حسب خطة خريطة الطريق والمبادرة العربية».

ويتضح من مواقف أوباما أنه تبنى وجهة النظر الإسرائيلية التي تقول ببدء مفاوضات فورية تبحث فيها جميع المطالب الفلسطينية، بما فيها موضوع الاستيطان.

ويتضح من مواقف أبو مازن أنه رفض ذلك ولم يتوصل إلى اتفاق مع أوباما.

وكان أوباما وصل رام الله أمس، قادما من إسرائيل بطائرة حربية أميركية، حطت في مقر المقاطعة برام الله. ووصلت طائرات حربية قبل طائرة أوباما وبعده كذلك. واستقبل أبو مازن الرئيس الأميركي بمراسم رئاسية تتناسب والاعتراف بالدولة الفلسطينية. واستقبلت طفلتان ترتديان الزي التراثي الفلسطيني، أوباما، بباقتين من الزهور، ومن ثم استعرض الرئيسان ثلة من حرس الشرف وحيا أوباما العلم الفلسطيني، قبل أن يعتليا المنصة على وقع عزف النشيدين الوطنيين الأميركي والفلسطيني.

وأوباما ليس أول رئيس أميركي يستعرض حرس الشرف ويحيي العلم الفلسطيني ويستمع إلى النشيد كذلك، فقد سبقه إلى ذلك الرئيس بيل كلينتون عندما هبط في مطار غزة، وألقى خطابا في «المجلس الوطني الفلسطيني» في ديسمبر (كانون الأول) 1998.

وهذه الزيارة هي الثانية لأوباما إلى رام الله بعدما زارها في يناير (كانون الثاني) 2006، وكان سيناتورا. وقال: «كنت هنا قبل 5 سنوات، وسعيد باني أعود الآن لأرى التقدم الذي حصل، وكي أكون شاهدا على التحديات التي تعترض السلام». وأضاف: «أنا عدت إلى الضفة الغربية ملتزما بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، فالشعب الفلسطيني يحتاج ويستحق انتهاء الاحتلال والمعاناة اليومية، الشعب يستحق العيش بأمان والتنقل بحرية».

وتابع: «يستحق أن يكون غده أفضل من يومه، وأن يعيش أطفاله بحرية وسلام». ومضى يقول: «الفلسطينيون يستحقون دولة خاصة بهم، وأنا أثني على عباس وفياض في التقدم في بناء المؤسسات. رام الله الآن مدينة مختلفة، هناك مبان ومؤسسات جديدة وشركات تقنية عالية، الاقتصاد أكثر كفاءة وأقل فسادا، وهناك مشروعات، وقوات الأمن الفلسطيني أكثر قوة ومهنية».

واستغل أوباما الفرصة لمهاجمة حماس، وقال: «أريد أن أشير هنا إلى أن هذا (وضع رام الله) يتناقض مع حالات البؤس والقمع التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، لأن حماس ترفض نبذ العنف وتفرض عقائدها، وتركز على هدم إسرائيل بدلا من بناء فلسطين». واعتبر أوباما أن حماس مسؤولة عن انتهاك وقف إطلاق النار في غزة بعد سقوط صواريخ أمس على سديروت.

وتحدث أوباما عن المعاناة المالية للسلطة، وقال إنهم استطاعوا تقديم مساعدات إضافية ومشاريع. وعاد وأكد أن الولايات المتحدة ملتزمة إقامة الحل على أساسا الدولتين، من أجل مصلحة الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي والأميركي: «دولتان: فلسطينية، ووطن قومي لليهود». واعتبر أن المشاكل التي يعانيها الفلسطينيون «وضع راهن». وقال إنه لن يتخلى عن السلام مهما كانت الصعوبات.

ومن جانبه، أكد عباس تمسكه بالسلام، وقال: «إن السلام لا يصنع بالعنف ولا الاحتلال ولا الجدران والاستيطان والاعتقالات والحصار وإنكار حقوق اللاجئين»، وأضاف: «فلسطين قطعت شوطا طويلا وإضافيا من أجل صنع السلام، ونحن جاهزون لتنفيذ كافة تعهداتنا والتزاماتنا».

وبينما كان أوباما يستقبل بحفاوة في مقر المقاطعة وإجراءات أمنية معقدة، أغلقت معها رام الله وتعطلت فيها المؤسسات والوزارات والمدارس، كان متظاهرون يهتفون ليس بعيدا عن المقاطعة ضد سياسة أوباما والولايات المتحدة، واصفين إياها بـ«رأس الأفعى» ومرددين هتافات، من بينها: «يا أوباما برا برا.. هذه الأرض حرة حرة».

وزار أوباما «مؤسسة شباب البيرة» رفقة رئيس الوزراء سلام فياض، والتقى شبابا فلسطينيا، وشاهد عروضا للدبكة الفلسطينية، وتحدث إلى الشبان الذين طلبوا منه إقامة الدولة، قبل أن ينفرد في لقاء مغلق مع فياض. ويزور أوباما اليوم كنيسة المهد في بيت لحم.

وفي وقت لاحق، خاطب أوباما جمهورا من طلاب الجامعات، اليهود والعرب، اعتبره أنصار اليمين المتطرف «خطابا فلسطينيا». وقال عضو الكنيست زئيف إلكين، نائب وزير الخارجية: «إن أوباما تكلم بشكل حاد في رام الله ضد الإرهاب وضد وضع شروط مسبقة أمام المفاوضات، وطالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ولكنه قال للشباب الإسرائيلي أمورا لا تروق لإسرائيل، بل قد تكون مزعجة».

وأفرد أوباما نصف خطابه للقضية الفلسطينية، فقال للشباب الإسرائيلي إنه «لا يوجد لإسرائيل أفضل من السلام لكي تحقق ذلك الأمن والازدهار الاقتصادي». وراح يتحدث بإسهاب عن معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال والاعتداءات التي يتعرضون لها من طرف المستوطنين في الضفة. وقال: «أنا عندما أتحدث عن أمن إسرائيل أدرك جيدا الأخطار المحدقة. أعرف كيف عانى اليهود المحرقة، وكيف يعاني المواطن اليهودي اليوم خطر الصواريخ الفلسطينية. ونحن نؤيد حق إسرائيل في صد هذا الخطر وغيره. نحن نقف معكم بكل قوة ضد حزب الله وضد إيران، اللذين يهددان أمنكم. وأعدكم بأننا مصرون على ألا يكون لإيران سلاح نووي».. وأضاف: «من يريد لإسرائيل الدمار، إنما يهدد الأرض التي يقف عليها. ولكن، علي أن أقول لكم كصديق حميم قلق عليكم، ثلاثة أمور: السلام ضروري وحيوي، فلا يجوز الاعتقاد بأنكم تستطيعون العيش براحة إذا توافرت القوة العسكرية والاقتصادية من دون سلام مع جيرانكم. وثانيا: إن السلام هو المسار الأضمن للأمن الحقيقي. الحلم الصهيوني يتحقق فقط بتسوية سلمية على أساس قيام دولة فلسطينية ذات امتداد جغرافي واستقلال وسيادة إلى جانبكم، وإلا فإن هناك خطرا على يهودية إسرائيل».

وأضاف أوباما للشباب الإسرائيلي: «أعلم أن هناك عناصر فلسطينية إرهابية تريد دمار إسرائيل. ولكن غالبية الشعب الفلسطيني تريد السلام. وإسرائيل مجبورة على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعدالة. ضعوا أنفسكم مكان الفلسطينيين. انظروا إلى العالم بأعين الفلسطينيين. ليس من العدل ألا تستطيع طفلة فلسطينية أن تنمو في دولة مستقلة لها. لا يجوز أن تعيش طفلة كهذه في ظل احتلال لجيش أجنبي يتحكم في حياتها وحركتها هي وأفراد عائلتها. ليس من العدل أن يتعرض الفلسطيني لاعتداء من مستوطنين والأمر لا يعالج. الاحتلال والترحيل ليس حلا».

وهنا، توجه أوباما للشباب الإسرائيلي مباشرة قائلا: «فقط، أنتم تستطيعون اختيار أي ديمقراطية تكون لكم. ولكن تذكروا أنه لا يسمح لقراراتكم أن تؤدي إلى معاناة للفلسطينيين. وكما قال آرئيل شارون (رئيس الوزراء الأسبق): لا يمكن أن تحافظ على إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية وفي الوقت نفسه تفرض سيطرتك على كل أرض إسرائيل. واعلموا أن لديكم شريكا فلسطينيا مؤيدا بحماس للسلام هو الرئيس عباس ورئيس الحكومة فياض. أنا أؤمن بهما. والأمر الثالث الذي أريد أن أقوله لكم إن السلام ممكن. ممكن. ممكن. وأنتم الشباب تتحملون مسؤولية عن ذلك. فالسلام يبدأ ليس بالقادة، بل بقلوب المواطنين. وكرجل سياسي أقول لكم إن السياسيين لا يتخذون خطوات ذات مخاطرات، إلا إذا دفعهم المواطنون إلى ذلك. يجب أن تكون أصواتكم أعلى. يجب أن تكون آمالكم سراجا ينير الطريق».