نظام الأسد والمعارضة يتبادلان التهم.. والبوطي منع من السفر قبل اغتياله

دمشق تعلن الحداد.. و«الجيش الحر» يؤكد عدم قدرته على تنفيذ مثل هذه الأعمال

جانب من صلاة جماعية لمتظاهرين وثوار في حي بستان القصر بحلب، وفتى ينظر بأمل (رويترز)
TT

أدان نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة معا اغتيال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أول من أمس في تفجير بأحد مساجد العاصمة دمشق، لكنهما تبادلا الاتهامات بالمسؤولية عن الاغتيال، إذ توعد الأسد ملاحقة «قتلته»، واصفا «إياهم بالظلاميين والتكفيريين»، فيما أكدت المعارضة وقوف النظام خلف عملية الاغتيال «بهدف توظيفها سياسيا».

ففي برقية عزاء أوردتها الوكالة السورية للأنباء «سانا» تعهد الأسد بـ«تطهير بلاده من المتطرفين والإرهابيين» الذين حملهم مسؤولية التفجير الانتحاري، مضيفا: «قتلوك يا شيخنا لأنك رفعت الصوت في وجه فكرهم الظلامي التكفيري الهادف أصلا إلى تدمير مفاهيم ديننا السمح».

لكن الجيش الحر نفى ضلوعه في قتل البوطي واعتبرت القيادة المشتركة للجيش الحر في بيان صادر عنها الأعمال الإرهابية بداية لمرحلة خطيرة تقودها قوى إقليمية لخلط الأوراق، وتبرير دخول مقاتلين من دول الجوار وتوظيف قانون الإرهاب الدولي في تشويه صورة المسلمين السنة.

من جانبه، وصف رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب اغتيال البوطي بالاعتداء وبأنه «جريمة بكل المقاييس»، متهما النظام بالمسؤولية عنها. وكان تفجير انتحاري، بحسب «سانا» قد استهدف مسجد الإيمان في حي المزرعة بدمشق بينما كان الشيخ البوطي يلقي درسه الأسبوعي بين صلاتي المغرب والعشاء مما أسفر عن مقتل 50 شخصا وجرح العشرات.

ويعد الدكتور البوطي، وهو رئيس هيئة علماء بلاد الشام، من أبرز رجال الدين السنة الموالين لنظام الأسد، وباغتياله يفقد نظام الأسد غطاء دينيا لطالما احتمى به حتى قبل اندلاع الثورة السورية. ففي حقبة الثمانينات فضل البوطي الوقوف إلى جانب حافظ الأسد في حربه ضد جماعة «الإخوان المسلمين» السورية، معللا ذلك بنبذه للعنف الجهادي. وتسبب ظهور كتابه «الجهاد في الإسلام: كيف نفهمه وكيف نمارسه» عام 1993 في إعادة الجدل القائم بينه وبين بعض التيارات الإسلامية.

ويتحدث البوطي في كتابه عن عدم جواز خروج المسلمين على إمامهم أو رئيسهم مهما ظهر منه من الجور أو الفسوق؛ «وليس للمسلمين وعلمائهم ودعاتهم إلا سبيل واحد، هو التصدي بالإنكار والصدع بكلمة الحق، في النهي عن الجور وعن التلبس بمظاهر الفسق».

ويقول الشيخ أبو الهدى اليعقوبي لـ«الشرق الأوسط» في اتصال أجرته من لندن، وهو من علماء دمشق المعروفين، إن مذهب البوطي في التصوف والزهد واتباع مبدأ «ادفع بالتي هي أحسن» بالنسبة إلى السلطان دون الخروج عليه، صعبت من عملية إقناعه بالكف عن دعم الأسد والانحياز لمطالب السوريين، مضيفا: «كنت على اتصال مع الدائرة الضيقة القريبة من الدكتور سعيد وأرسلت له 6 رسائل، أشهرها كانت بعنوان: (أفق من سكرك)، أدعوه فيها للعدول عن موقفه».

ويضيف اليعقوبي «وصلني من الوسيط أن دعوتي له تركت أثرا طيبا في نفس الشيخ البوطي، سيما أنني تتلمذت وإياه على يد والدي رحمه الله، وقد نقل إلي أن الدكتور استأذن السفر إلى ماليزيا لحضور مؤتمر إسلامي»، لكن وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، يضيف العلامة الدمشقي «زاره قبل يومين ونصحه بعدم السفر».

وبناء على ذلك، لا يستبعد المدرس في الجامع الأموي بدمشق وخطيب جامع الحسن في حي أبو رمانة، أن يكون نظام الأسد وراء اغتيال الشيخ البوطي سيما أن «الثورة لم تعد بحاجة للدكتور سعيد، بل أصبحت خطبه وقودا يؤجج لهيب الثورة ويزيد الجهاد أوارا في قلوب الثوار من جهة، وحاجة النظام لحدث جلل يرص من خلاله صفوف الشعب خلف الأسد، من جهة أخرى، من خلال الادعاء بأن المعارضة تغتال العلماء الأجلاء».

يشار إلى أن رئاسة الوزراء السورية أعلنت اليوم حدادا عاما في سوريا «على روح الشهيد العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وعلى أرواح شهداء سوريا» بحسب بيان صادر عنها.

وبينما تتهم أطياف في المعارضة نظام الأسد بالوقوف خلف الاغتيال، تتحدث مصادر أخرى عن رواية مختلفة تماما. وفي هذا الصدد أشار عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» وعضو «المجلس الوطني السوري» سمير نشار في اتصال أجرته معه لـ«الشرق الأوسط» من لندن، إلى أن «حجم الدمار الذي رأيناه في الجامع حيث وقع الانفجار لا يتناسب مع عدد الضحايا الذين أعلن عنهم، إضافة إلى أن التلفزيون الرسمي لم ينشر مزيدا من الصور حول الضحايا أو سيارات الإسعاف أو حتى شهادات من الناس الذين تواجدوا في المكان، الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الغاية التي أرادها النظام من وراء هذا التفجير».

ويتفق عضو المجلس الوطني الدكتور إبراهيم المرعي مع المعطيات التي ساقها نشار لكنه يضع فرضية أخرى، إذ يقول: إنه من المحتمل ألا يكون «نظام الأسد قد تخلص من البوطي بل إن الأخير توفي وفاة طبيعية وحاول نظام الأسد استغلال الحادثة لتجييش عواطف الناس واللعب على الوتر الديني».

ويسوق المرعي جملة من الدلائل لدعم فرضيته إلى جانب معطيات نشار، فيقول: «وصول انتحاري لداخل المسجد أمر صعب، إن لم يكن مستحيلا، وذلك بحكم تواجد حاجز عسكري للنظام على باب المسجد» ويضيف عضو المجلس الوطني أن تفجيرا حصل قبل شهر في عين المكان وهذا يعني أن التحصينات العسكرية ينبغي أن تكون أفضل.

وبالإضافة إلى هذا المعطى، يؤكد المرعي أن الشريط الذي عرضه التلفزيون السوري للمسجد المستهدف لا يوحي بأن انتحاريا فجر نفسه بداخله، فيقول: «لم نر جثة الشيخ البوطي، أما جثث بقية الضحايا فمن الواضح أنه تم توزيعها بفعل فاعل ولم تتبعثر نتيجة تفجير، ناهيك عن بقع الدم المصبوبة وغير المتناثرة على السجاد».

ويتساءل المرعي: «هل من المعقول أن يقتل انتحاري 50 شخصا دون أن تتأذى الثريات أو المكيفات أو حتى سجاد المسجد؟».

وكانت القناة «الإخبارية» السورية التابعة للنظام السوري قد بثت لقطات من داخل المسجد الذي وقع فيه الانفجار، ظهر فيها الكثير من الجثث على الأرض، في حين تولى مسعفون رفع عدد من الجثث الأخرى، بينما تولى آخرون رفع الأشلاء عن الأرض، ووضعها داخل أكياس رمادية اللون. وأظهرت لقطات أخرى عددا من المسعفين، وهم ينقلون الجثث إلى خارج المسجد، الذي أصيبت قاعته الداخلية بأضرار كبيرة، في حين انتشرت بقع كبيرة من الدماء على الأرض المغطاة بالسجاد.

أما الأسد فقد أضاف في رسالة تعزيته «سنتمثل بنهجك الذي نذرت جل حياتك من أجله في كشف زيف الفكر الظلامي والتحذير منه. هذا النهج سيبقى ركنا أساسيا من أركان العمل الديني في سوريا. كما سنبقى مستذكرين دائما أفكارك الخيرة بنشر كلمة المحبة والإخاء التي يتوحد حولها المسلمون».

وأكدت «سانا» أن الانتحاري تعمد تفجير نفسه ضمن الطلاب الموجودين الذين يتلقون درسا دينيا بمسجد الإيمان بوسط دمشق ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير منهم ووقوع أضرار مادية كبيرة بالمسجد. ويتفق المرعي مع الشيخ اليعقوبي في نفي ضلوع الجيش الحر بهذا الهجوم، فيقول الأول إن «الثورة انطلقت من المساجد، ولا يمكن للثوار أن يعبثوا ببيوت الله» بينما يقول الأخير إنه «يستنكر تفجير المساجد وقتل المصلين، ولا يظن أن مسلما يفعل هذا».

وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع لواء سيف الشام في دمشق، نفى علاء الباشا الناطق باسم اللواء أي علاقة للجيش الحر بعملية التفجير التي أودت بحياة البوطي، مضيفا: «لا يمكن أن يقوم الجيش الحر باستهداف مؤمنين يقومون بالصلاة ولو كنا نملك الإمكانيات لتدبير مثل هذه الأعمال لاستهدفنا دار الأوبرا حيث ألقى الأسد خطابه الأخير».

وأشار الباشا إلى أن «النظام السوري بعد قيامه باللعب على الفتنة الطائفية بين العلويين والسنة وبين الدروز والسنة ها هو اليوم يسعى إلى إشعال فتيل الصراع بين السنة أنفسهم».

وعلى صعيد ردود الفعل الإقليمية، أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أمس «بأشد العبارات» التفجير الذي ذهب ضحيته الشيخ البوطي، مضيفا أن «هذه التفجيرات الإجرامية وخاصة الموجهة ضد بيوت الله ورواد هذه البيوت مدانة بأشد العبارات»، ومطالبا «بضرورة الإسراع في متابعة مقترف هذه الجريمة النكراء والتي تستهدف الأبرياء من الشعب السوري الشقيق». كما أدانت إيران، الحليف الإقليمي الأبرز لنظام الأسد، التفجير وذلك في بيان نشرته وكالة «فارس» للأنباء. وقال البيان إن «وزارة الخارجية تدين استشهاد رجل الدين محمد سعيد البوطي الذي قتل مع طلابه في عمل وحشي للمجموعات المتطرفة». وأضاف البيان أن «استشهاد الشيخ البوطي المعروف بمواقفه المؤيدة للمقاومة الإسلامية ضد النظام الصهيوني، ستلقي الضوء كاملا على تآمر الولايات المتحدة والنظام الصهيوني ووكلائهما الإقليميين الذين يساعدون ويسلحون المجموعات الإرهابية السورية لإيجاد انقسامات بين الأديان».

وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول تداعيات عملية الاغتيال، قلل المرعي من احتمالية حصول تداعيات في مسار الثورة السورية عقب مقتل الشيخ البوطي مؤكدا أن «الرجل أضل الناس بعلمه وساقهم لمسلك يتنافى والتعاليم الإسلامية عبر وصفه للثورة بالمؤامرة والثوار بحثالة المجتمع» مضيفا أن البوطي هو رجل مشهود له بالعلم، لكن الأيام لم تشهد له بالصلاح. من جانبه حذر الشيخ أبو الهدى من شروع النظام بما وصفه بـ«مسلسل اغتيال العلماء» مشيرا إلى أن نظام الأسد اغتال الأربعاء الماضي «جامع القراءات العشر» من المسجد المحمدي بدمشق وهو الشيخ رياض الصعب.