رئيس «المستشارين» المغربي : لا يوجد توتر بين المجلس وابن كيران

محمد الشيخ بيد الله يقول لـ «الشرق الأوسط» إن المشاركين في أحداث مخيم «كديم يزيك» ليسوا بمناضلين أو معتقلين سياسيين

محمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين المغربي (تصوير: منير أمحميدات)
TT

قلل الدكتور محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) من أهمية الانطباع السائد في المغرب بوجود «هوة كبيرة» بين الحكومة المغربية، التي يقودها عبد الإله ابن كيران والمجلس، والتي تتمثل في الحوار المتشنج بين الجانبين، وهو حوار وصل حد التراشق والانفلات في النقاش بين ابن كيران وأعضاء في المجلس. وقال بيد الله في حوار مع «الشرق الأوسط» «ليس لدي شخصيا انطباع بوجود توتر بين المجلس ورئيس الحكومة على الرغم من أن النقاشات قوية وتتسم بالحدة والحرارة وترتفع مرارا داخل القاعة». وأشار بيد الله إلى أن مجلس المستشارين هو أصلا «غرفة مرتفعة الضغط». وتطرق إلى جولة العاهل المغربي الملك محمد السادس الحالية في غرب أفريقيا، مشيرا إلى أنها تدخل في إطار استراتيجية يؤمن بها العاهل المغربي شخصيا بضرورة التعاون جنوب - جنوب.

وتحدث بيد الله كذلك عن أزمة مالي، وقال إنه «لا يتصور حلا لأزمة مالي دون حضور ومشاركة المغرب الفعلية في مسلسل الحل النهائي». وتعرض بيد الله، وهو أصلا من الصحراء، وبإسهاب إلى محاكمة صحراويين تورطوا في أحداث مخيم «كديم يزيزك» الذي كان شيده صحراويون في أكتوبر (تشرن الأول) 2011، وأدى تفكيكه إلى مقتل 11 من رجال الشرطة المغربية. وقال في هذا الصدد «الذين شاركوا في أحداث مخيم كديم يزيك مجموعة من الزائغين وليسوا بمناضلين أو معتقلين سياسيين كما زعموا». وفي السياق نفسه، أجاب بيد الله عن التوقعات المرتقبة من الجولة الحالية التي بدأها المبعوث الأممي المكلف نزاع الصحراء، كريستوفر روس في المنطقة، وقال إنه يأمل أن تؤدي إلى «نقلة نوعية» في المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو.

وفيما يلي نص الحوار.

* لنبدأ بموضوع البرلمانيين الأوروبيين الذين منعوا من دخول المغرب، ماذا حدث؟ ولماذا أصلا حدث ما حدث؟

- قرر هؤلاء البرلمانيون بمبادرة منهم زيارة المغرب، دون أن توجه إليهم أي دعوة سواء من طرف الحكومة المغربية أو البرلمان، حتى السفارة المغربية في بروكسل أرسلت لهم رسالة مفادها «إنهم غير مرغوب فيهم» في المغرب من أي جهة رسمية أو شعبية. هؤلاء البرلمانيون مواقفهم معروفة، فهم يساندون بصفة تامة جبهة البوليساريو، ويبحثون عن الإثارة، وخلق ضجة إعلامية.

* لكن إبعادهم بالطريقة التي جرت، أي طردهم من المطار، خلق ضجة ضد المغرب؟

- كان هذا هو غرضهم.

* هناك حديث الآن عن إمكانية قيام وفد آخر بزيارة للمغرب، ربما عبر القنوات الرسمية، هل لكم علاقة بهذا الموضوع؟

- هناك دائما زيارات للوفود الأوروبية إلى المنطقة، لقد زارنا أخيرا وفد كبير من الاتحاد الأوروبي وتوجه إلى مدينة الداخلة (جنوب الصحراء) وكتب تقريرا موضوعيا حول أوضاع المنطقة، أولئك البرلمانيون أرادوا فقط أن يذهبوا إلى المنطقة (الصحراء) مباشرة بعد محاكمة صحراويين شاركوا في أحداث مخيم «أكديم يزيك» للنفخ في هذه القضية إعلاميا.

* بالنسبة لمخيم «كديم يزيك»، ما مدى صحة ما قيل من أن بعض المشاركين فيه أعضاء في جبهة البوليساريو؟

- قضية «أكديم يزيك» نفخت فيها بعض الأوساط الصحافية بصفة غريبة جدا، أعطيك مثالين، المثال الأول هو أن قناة إسبانية (أنتنا تريس) بثت صورا لأطفال فلسطينيين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، وقيل إنهم أطفال قتلوا في العيون، كذلك نشرت صور عائلة تدعى أسرة الراشيدي في الدار البيضاء، وهي عائلة قتل أفرادها في جريمة ارتكبها أحد أفراد الأسرة، ونشرت الصور على أنها أسرة صحراوية عذبت وقتلت في المنطقة. وأخيرا في برنامج على شبكة «سي إن إن» الأميركية تعدها الصحافية كريستيان أمانبور، نشرت صورا لسيدة آسيوية مجروحة، على أساس أنها أميناتو حيدر (ناشطة صحراوية موالية للبوليساريو) كل هذا كذب وبهتان. من الواضح أن هناك أكاذيب تروجها أوساط صحافية للإساءة لبلادنا. لقد أصدرت محكمة في بلجيكا حكما ضد القناة الإسبانية التي وظفت صور عائلة الراشدي في الدار البيضاء واعتبرتها عائلة صحراوية، وحددت التعويض المالي بآلاف من اليورو.

الذين شاركوا في أحداث «مخيم كديم يزيك» مجموعة من الزائغين وليسوا بمناضلين أو معتقلين سياسيين، كما يقولون. هذه المجموعة ذبحت بالسكاكين على «الطريقة الجهادية» 11 شخصا من قوات الأمن في العيون. ثم إن محاكمتهم جرت بكل شفافية، وترأس المحكمة قاض مدني من محكمة الاستئناف بالرباط في ظروف شفافة، وتوفرت شروط محاكمة عادلة حقيقية حضرها ملاحظون أجانب ومغاربة ينتمون إلى منظمات المجتمع المدني، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأخذ المتهمون الوقت الكافي للتعبير عن آرائهم والدفاع عن أنفسهم. والمؤكد أن المحاكمة تم فيها احترام قرينة البراءة وحقوق الدفاع والإجراءات الجنائية المعمول بها. جميع شروط المحاكمة العادلة تم احترامها، وذلك بشهادة المراقبين الأجانب والمغاربة. العناصر التي تورطت في الأحداث جرى تمويلها من طرف الجزائر، ثم هناك مجموعة أخرى تنتقل من تندوف إلى العيون بكل حرية وتعبر عن آرائها، وتعترف أنها مساندة للأطروحة الانفصالية. لذلك لست أدري كيف يمكن لأي صحافي «غربي» أن يرى أحد أفراد الأمن العزل يذبح من الوريد إلى الوريد ولا يتفاعل مع هذا الأمر، في حين يبحث عن «خزعبلات» أخرى للكتابة عنها، هذا شيء غير عادل ويثير الاستغراب.

لقد لاحظنا بوضوح أن الصحافة التي نفخت في الموضوع، لم تتحدث بالمقابل عن الضحايا المذبوحين على «الطريقة الجهادية» مثل الخرفان ولا عن اليتامى والأرامل الذين تركوهم خلفهم، حتى المنابر الصحافية الأوروبية التي بثت ونشرت صورا خادعة لم تتطرق لموقف هذه الأسر.

* قلتم إن الجزائر تمول مجموعة موالية لجبهة البوليساريو في الصحراء، فكيف تتصرف الدبلوماسية المغربية إزاء هذا الوضع؟

- الملف الوحيد الذي تعتبره الدبلوماسية الجزائرية من الأولويات هو نزاع الصحراء، أقول ذلك بكل مسؤولية. أينما اتجهنا نجد أن الدبلوماسية الجزائرية تبذل جهدا لمواجهتنا أثناء مشاركتنا في أي لقاء أو بعد انتهاء الحدث. الدبلوماسيون المغاربة يتحركون ويشتغلون، ولكن لديهم ملفات كثيرة. ربما سنصل في يوم ما إلى اتفاق مع الإخوة في الجزائر، ونعمل بوسائلنا المشتركة في ملفات مهمة واستراتيجية لمواجهة التحديات الجديدة الصعبة التي تواجهنا معا. على سبيل المثال أثبتت عملية «عين أميناس» (حجز ومقتل رهائن أجانب في جنوب الجزائر) أن التحديات المشتركة أمنية كانت أو اقتصادية أو بيئية، أهمية العمل المشترك. أعتقد أن نزاع الصحراء يمكن أن نجد له حلا عبر الاقتراح المغربي أي «الحكم الذاتي». هذا الحل سيضع حدا لمأساة إخواننا في تندوف ويساعد في اندماج دول المغرب الخمس في تجمع إقليمي واعد.

* ما مدى صحة ما يتردد عن مفاوضات مباشرة غير معلنة بين المغرب وجبهة البوليساريو، جرت في البرتغال في إطار ما تسميه المندوبية السامية للاجئين برنامج «بناء الثقة» بين الصحراويين؟

- ليست لدي أي فكرة بتاتا حول لقاءات أو مفاوضات بين الجانبين. لقاء البرتغال كان، فعلا، في إطار «بناء الثقة» مثله مثل تبادل زيارات بين اللاجئين في مخيمات تندوف وسكان الأقاليم الصحراوية، وكذلك بعض اللقاءات الثقافية مثل اللقاء الذي نظم في البرتغال حول أثر «الخيمة» في ثقافة الصحراء، وهو بصراحة لقاء مضحك.

* لماذا؟ - لأن عهد الخيام انتهى.

* ربما الدلالة الرمزية لمفهوم «الخيمة»؟

- هناك الآن شرخ بين الأجيال التي تنتظر الحل (نزاع الصحراء). الخيمة الآن هي «الخيمة العنكبوتية» الافتراضية (الإنترنت) التي يسبح عبرها جيل اليوم، ويعبر من خلالها إلى أين مكان يشاء.

* ولكن ما تزال هناك خيام في تندوف؟

- تلك الخيام ترمز إلى المآسي، وإلى انقسام العائلات وبكاء الأمهات وعويل اليتامى، وبالتالي نحن نتوق إلى مستقبل أفضل يعمل فيه أبناؤنا معا لبناء مستقبل أفضل يعمه الأمن والسلم والرفاه.

* ماذا تتوقعون من جولة كريستوفر روس المبعوث الأممي المكلف نزاع الصحراء؟

- بدأ كريستوفر روس، المبعوث الشخصي الأمين العام لأمم المتحدة، جولة في المنطقة (بدأت الأربعاء) وأتمنى أن تكون هذه الجولة نقلة نوعية جديدة في مسار المفاوضات، بما يسرع التوجه نحو الحل السياسي الدائم والنهائي والمتوافق عليه. أي الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية، وهو الحل الذي اعتبر جديا وذا مصداقية وكرسه الدستور المغربي الجديد، وهو الحل الذي يعتمد منطق «رابح رابح»، وليس «رابح خاسر» أي إن جميع الأطراف رابحة وهي المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو.

* برأيك ما انعكاسات أحداث مالي على المغرب والأمن في المنطقة؟ وما الدور الذي يمكن أن تقوم به الرباط في هذا الصدد؟

- دور المغرب ينطلق من النظرة الاستراتيجية للعاهل المغربي الملك محمد السادس بتقوية العلاقات الثنائية مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والزيارات المتكررة التي يقوم بها الملك لهذه المناطق، وتشجيع الشراكة والتعاون جنوب - جنوب وتقوية الروابط والقيم المشتركة، وأكبر دليل على ذلك هو الجولة الحالية للملك في غرب أفريقيا. ثم هناك مبادرات الملك تجاه النازحين من مالي إلى دول الجوار والمساعدات الإنسانية الكبيرة للنازحين إلى موريتانيا والنيجر وبوركينافاسو. وأعتقد أن هناك دورا كبيرا للمغرب وللملك بصفة شخصية. هناك علاقات إثنية ودينية وثقافية وتاريخية تربط بين المغرب ومالي، ونحن نرتبط ارتباطا وثيقا مع الشعب المالي بهذه الوشائج، ولا أتصور حلا لأزمة مالي دون حضور ومشاركة المغرب الفعلية في مسلسل الحل النهائي. ما يقع في هذا البلد الشقيق من تحديات أمنية تهم المنطقة برمتها وتهم الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. هناك مؤرخ فرنسي كبير يسمى بروديل يقول «الصحراء الكبرى هي البحر الأبيض المتوسط الآخر». وأعتقد أنه كان صائبا في وصفه لهذه المنطقة الحساسة، وبالتالي جميع دول المنطقة ستتأثر آجلا أو عاجلا بما يقع في شمال مالي وفي جنوب الجزائر.

* لكن المغرب يعد البلد الأقل تأثرا بهذه الأحداث؟

- صحيح نسبيا أقل تأثرا، ولكن الخطر محدق بنا لأن العلاقات القبلية والإثنية والعصبية الخلدونية تربطنا أينما وجدنا، وبالأخص روابط الثقافة الحسانية التي تشمل شمال مالي والطوارق وجنوب المغرب من الكويرة إلى تخوم تزنيت.

* هناك خشية أن يكون شمال مالي مثل أفغانستان، أي مستنقع للقوات الفرنسية؟

- الفرق أن أفغانستان صعبة المراس جغرافيا، في حين أن منطقة الساحل الصحراوي منطقة خالية، وأغلبها صحارى قاحلة وشاسعة، ولكن أصعب شيء هو ما تختزنه العقول والآيديولوجية وما يتولد عن ذلك من تطرف. أنا دائما أعطي للأوروبيين مثال صلاح الدين الأيوبي وما كتبه عنه الكاتب الفرنسي فولتير، وكيف أن صلاح الدين عندما أسر آخر ملوك القدس سقاه بيده وحرر زوجته مع باقي نساء الأسرى الآخرين، وأطلق سراحه بعد سنة، وسلم الكنيسة للمسيحيين، وبالتالي تصرفات هذه المنظمات الإرهابية تعد منافية جدا لتاريخنا وتعاملنا مع الأحداث التاريخية الكبيرة.

* كيف هو حال العلاقات البرلمانية المغربية - الأوروبية؟

- عقدنا اجتماعا في بداية مارس (آذار) الحالي في الرباط خصص لتقييم العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وأوروبا بصفة عامة.

الشق الأول تعلق بالعلاقات مع البرلمان الأوروبي الذي تربطنا به رابطة جيدة عبر لجنة مشتركة، وهي المعبر والممر الرسمي لمناقشة جميع المشكلات المتعلقة بمنطقتنا في إطار الوضع المتقدم للمملكة المغربية لدى الاتحاد الأوروبي، والشق الثاني متعلق بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (يضم أكثر من 47 دولة منها تركيا وروسيا ودول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي) وتربطنا به علاقة «شريك من أجل الديمقراطية». لدينا فريق برلماني من المجلسين (النواب والمستشارين) عضو في الجمعية البرلمانية، ويشتغل داخلها يناقش ويقدم اقتراحات لكن لا يصوت، وبالتالي دوره مركزي ومهم. هذه شراكة متقدمة. وهناك نوع من العمل معا من أجل توحيد القوانين لأن دول مجلس أوروبا تضم سوقا مهمة يزيد عدد سكانها عن 500 مليون نسمة، وبالتالي علاقتنا وثيقة وتهم مختلف المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية.

* لاحظنا أخيرا ظاهرة لم تكن موجودة في البرلمان المغربي وهي توشيح بعض الشخصيات الأوروبية في عالم السياسة، ما دلالات هذه المبادرة؟

- هذه أول مرة يقرر فيها الملك محمد السادس منح وسامين لشخصيتين أوروبيتين، حيث شرفني بتوشيح كل من رئيس لجنة الصداقة الأوروبية - المغربية بالبرلمان الأوروبي، جيل بارنيو، ورئيس لجنة الصداقة الفرنسية - المغربية بين مجلس الشيوخ الفرنسي ومجلس المستشارين المغربي كريستيان كامبون.

وتضمنت الالتفاتة الملكية عدة رسائل. أولا، تشجيع البرلمانيين من الجانبين للعمل أكثر في توثيق أواصر المحبة والصداقة بين الشعب المغربي والأوروبي، وهي التفاتة لتشجيع الدبلوماسية البرلمانية بصفة عامة لكي يتملك ويتفهم البرلمانيون الملفات والقضايا التي تربطنا مع أوروبا. وثالثا، ترمز إلى تقوية الثقة والتعارف بين البرلمانيين من الجهتين في إطار الاحترام المتبادل.

هناك ملفات كبيرة مثل الفلاحة والصيد البحري والاقتصاد والبحث العلمي وتبادل الخبرات بين مؤسساتنا، وكذا النزاع المفتعل في الصحراء، ثم الهجرة السرية وتجارة المخدرات والبشر والأسلحة والجريمة العابرة للقارات، هذه ملفات استراتيجية، ومن المفيد أن تكون للشريك الأوروبي عين في بيتنا ليتملك أدوات لإقناع ومناقشة شركائه ونقل الصورة الحقيقية للبرلمان الأوروبي الذي أصبح شريكا في القرارات مع الحكومات الأوروبية.

* الملاحظ أن هناك توجها عموديا نحو أوروبا، في حين التوجه نحو المغرب العربي ثم المشرق العربي ضعيف جدا خاصة في الجانب البرلماني إن لم يكن منعدما، كيف تفسرون ذلك؟

- هذه الملاحظة صحيحة إلى حد ما، لكن أود الإشارة إلى أنه كان لي شرف زيارة المملكة العربية السعودية منذ أشهر، وتشرفنا باستقبال رئيس مجلس الشورى السعودي في المغرب حيث حظي باستقبال من طرف الملك محمد السادس. ومؤخرا اجتمعت اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي بالرباط في إطار الدورة الحادية عشرة. لدينا كذلك علاقات متينة في إطار الاتحاد البرلماني العربي، والتنسيق عادة ما يكون في مناسبتين مختلفتين الأولى في إطار اجتماعات اتحاد البرلمانات العربية، والثانية داخل اتحاد البرلمانات الدولية. وهذه اجتماعات دورية يتم فيها التنسيق في جميع القضايا المشتركة ونفس الشيء يتم في اجتماعات اتحاد البرلمانات الإسلامية.

ثم إن أحداث «الربيع العربي» أحدثت كسورا في أجنحة اتحاد البرلمان العربي نظرا للأوضاع في مصر وتونس واليمن وسوريا، مما أثر سلبا على اللقاءات الثنائية، ثم إن إدارة اتحاد البرلمان العربي انتقلت من دمشق إلى لبنان.

لكن الصحيح أن الزيارات المتبادلة وتيرتها أقل من زياراتنا لشمال البحر الأبيض المتوسط. والمؤكد أن الصحافة تهتم بعلاقتنا ولقاءاتنا مع دول شمال البحر الأبيض المتوسط أكثر من تلك التي تتم مع دول العالم العربي وجنوب الصحراء وحتى مع أميركا اللاتينية.

* ما تعليقكم على الانتقادات التي توجه لمجلس المستشارين، البعض يقول إنه يشكل عبئا على العمل التشريعي ويؤدي إلى تعقيده ؟

- بكل موضوعية هناك فكرة عند بعض الفقهاء الدستوريين يستقونها من دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية حول الثنائية البرلمانية.

نحن انتقلنا إلى الثنائية البرلمانية في عام 1997، وما زال البعض لم يستوعب هذه الثنائية. وظاهرة الغياب أساءت فعلا إلى صورة البرلمانيين من خلال الجلسات المتلفزة لأن المشاهد العادي ليس له علم بعمل اللجان وما تقوم به من مجهود كبير. موضوعيا أعتبر أن مجلس المستشارين يلعب دورا أساسيا فيما يخص الملفات الكبرى، سواء على مستوى التشريع أو مراقبة العمل الحكومي أو تقييم السياسات الحكومية أو الدبلوماسية البرلمانية أو الانفتاح على المجتمع. على صعيد التشريع، يلعب مجلس المستشارين دورا متميزا، نظرا لخصوصية أعضاء المجلس لكونهم ينتمون إلى قطاعات مختلفة مثل الصناعة التقليدية والصيد البحري والفلاحة والتجارة والخدمات والنقابات. وبالتالي لهم احتكاك مستمر مع القضايا المرتبطة بنبض المجتمع. وهذا الأمر يلمس من بعض التعديلات التي تتم في هذه الغرفة، كذلك مراقبة العمل الحكومي، ولعل الملفات الاستراتيجية مثل النقل والتقاعد والأمن الغذائي والسياسة العقارية، التي طرحت في جلسات الأسئلة الشهرية على عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة تؤكد الأهمية والدور الحيوي لهذا المجلس. الأمر نفسه ينسحب على العمل الدبلوماسي، إذ إن هناك 53 بعثة دبلوماسية تزورنا سنويا من مختلف أنحاء العالم، وننتمي إلى شبكة تضم 171 اتحادا ومنظمة ومنتدى برلمانيا دوليا. ونقوم بعمل مهم ومتميز في التعريف بالتجربة الديمقراطية ببلادنا وطرح الملفات الكبرى والدفاع عن القضايا المصيرية ومنها طبعا قضية وحدتنا الترابية.

* هناك انطباع بأن علاقة رئيس الحكومة مع مجلس المستشارين متوترة جدا عكس ما هو عليه الأمر في مجلس النواب، هل لديكم هذا الشعور؟

- ليس لدي شخصيا هذا الانطباع. صحيح أن النقاشات قوية وتتسم بالحدة والحرارة وترتفع مرارا داخل القاعة، لكن ذلك نتيجة للضغوطات المختلفة على مستوى البرلمان أو على مستوى الشارع وكذلك تأتي في فترة انتقالية مهمة جدا تحاول كل مؤسسة أن تحافظ على استقلاليتها وعلى حرية تعبيرها، وربما الرأي العام المغربي لم يألف أن يكون النقاش حادا. شخصيا أعتبر ذلك مسألة عادية. كما أقول دائما: نحن نعمل في غرفة مرتفعة الضغط تعكس الشعور بالمسؤولية وبالمنعطف الذي نعيشه والتحولات العميقة التي يعرفها مجتمعنا.

* ظاهرة غياب الأعضاء عن الجلسات تكاد تكون سمة مجلسكم، ما الإجراءات التي ترون أنها قادرة على الحد من هذه الظاهرة؟

- الغياب مرض مزمن يوجد في جميع البرلمانات. لا أدافع عن مجلس المستشارين، وقد درست أكثر من 65 تنظيما داخليا لعدد من البرلمانات حول العالم. جميع الدول في هذا المجال مرت بمراحل مختلفة. الحد من ظاهرة الغياب مسؤولية مشتركة تتقاسمها، الفرق البرلمانية التي يفترض أن تؤطر أعضاءها داخل المجلس، والأحزاب السياسة المسؤولة عن اختيار من يمثلها، والبرلمان المسؤول عن تطبيق لوائحه الداخلية وأنظمته. ويبقى الأهم هو الشعور بالمسؤولية لدى البرلمانيين، ثم ضغط الناخبين وضغط المجتمع المدني، وأخيرا يبقى الجزاء فيما تفرزه صناديق الاقتراع عند التجديد الدوري لأعضاء المجلس.