مقصلة القضاء تقترب من ساركوزي

اتهام الرئيس الفرنسي السابق بـ«استغلال ضعف» امرأة ثرية قد يقضي على مستقبله السياسي

TT

ثمة مثل رائج في فرنسا يقول: «الرجل السياسي لا يموت (سياسيا) إلا عند دفنه». قد يكون هذا المثل مصدر عزاء للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي تصدرت صورته وأخباره صفحات الجرائد وشاشات التلفزة بعد أن وجهت إليه رسميا في مدينة بوردو، ليلة الخميس - الجمعة تهمة «استغلال ضعف» ثرية فرنسا الأولى ليليان بتنكور للتحصل على أموال منها إبان حملته الرئاسية الأولى في عام 2007 والتي انتهت بدخوله قصر الإليزيه.

الخبر كان له وقع الصاعقة على الطبقة السياسية الفرنسية. فللمرة الثانية فقط، منذ تأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة في عام 1958، توجه لرئيس جمهورية سابق تهمة رسمية. وإذا ثبتت التهمة عليه، فإن هذا قد يكلفه ثلاث سنوات من السجن وأقل بقليل من 300 ألف يورو كغرامة وخصوصا حرمانه من أن ينتخب وينتخب طيلة خمس سنوات. وهذا يعني عمليا القضاء على آمال ساركوزي بالترشح مجددا لرئاسة الجمهورية في عام 2017 في محاولة للثأر من الهزيمة التي ألحقها به الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند ربيع العام الماضي. وحده جاك شيراك، رئيس الجمهورية الأسبق مر بهذه المحنة التي أدت إلى الحكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ بسبب فضيحة ما يسمى «الوظائف الوهمية» التي ابتدعها عندما كان رئيسا لبلدية باريس طيلة 18 عاما.

كتب الكثير حول ليليان بتنكور وريثة شركة «لوريال» لمستحضرات التجميل والتي تحتل المرتبة الأولى بين النساء الأكثر ثروة في فرنسا. فهذه السيدة البالغة من العمر حاليا 90 عاما وقعت ضحية عمليات احتيال من الكثير من المحيطين بها في السنوات العشر الأخيرة إلى درجة أن كاتبا وفنانا من أصل روماني استحصل منها على عقود تأمين وهدايا وأموال تزيد على 800 مليون يورو. كذلك، فإن مدير أعمالها السابق دفعها لشراء جزيرة ثم إلى بيعها وأقنعها بحاجته إلى يخت لا يقل ثمنه عن 5 ملايين يورو فيما محاميها استحصل منها على الدخول شريكة في شركة تنتج، فيما تنتجه، أفلاما إباحية.

وقصة ساركوزي بعائلة بتنكور، الزوج الذي توفي في عام 2007 والزوجة أصل الفضيحة، أن أفرادا كانوا يعملون في منزل العائلة منهم مدبرتها وسائقها وممرضتها أكدوا للمحققين أن ساركوزي زار المنزل الواقع في ضاحية نويي (غرب باريس) الفاخرة أكثر من مرة وأن الظنون تذهب باتجاه اتهامه بالسعي للحصول على أموال نقدا. وتتوافق هذه الاتهامات مع تلك المساقة ضد الوزير السابق إريك فيرت الذي اضطر للاستقالة من منصبه تحت ضغط القضاء والرأي العام لكون المعلومات تشير إلى تسلمه مبالغ بمئات الآلاف من اليورو من مدير أعمال السيدة بتنكور.

وسبق لساركوزي أن مثل أمام المحققين طيلة 12 ساعة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويوم الخميس، وضع وجها لوجه في قصر العدل في مدينة بوردو، مع أربعة من المحيطين السابقين ببتنكور. وبنتيجة يوم حافل، وجهت للرئيس السابق رسميا تهمة «استغلال الضعف» بينما كان كثيرون يرون أن القاضي سيغلق الملف ويريح ساركوزي منه.

وهذه القصة ليست جديدة بل بدأت عندما كان ساركوزي يمارس مسؤولياته الرئاسية التي توفر له حماية دستورية سقطت عنه مع انتهاء ولايته وفشله في الفوز بولاية ثانية. والأهم من ذلك أن فضائح أو بالأحرى ظنونا أخرى تلاحق ساركوزي وأهمها أربعة: ظنون بصدد تمويل النظام الليبي السابق (القذافي) لحملته الرئاسية الأولى، وهي الظنون التي ثارت في ربيع عام 2012 وتشير إلى حصوله على 50 مليون يورو من القذافي وأمر القضاء بفتح تحقيق تمهيدي بهذا الشأن، وظنون بالتدخل لصالح رجل الأعمال والوزير السابق برنار تابي في خلاف سابق بين الأخير والدولة الفرنسية حول تعويضات عن بيع شركة «أديداس» المعروفة، عبر الضغط على وزيرة الاقتصاد السابقة كريستين لاغارد التي تشغل حاليا منصب مديرة صندوق النقد الدولي، وظنون حول دوره فيما يسمى «فضيحة كراتشي» عندما كان يشغل منصب وزير المالية في حكومة إدوار بالادور والخاصة بالحصول على عمولات من بيع غواصات لباكستان وذلك لتمويل حملة بالادور الرئاسية في عام 1995 وأخيرا الظنون بشأن مخالفات قانونية إبان وجوده في الإليزيه في موضوع تلزيم شركة تنشط في استطلاعات الرأي يملكها أحد مستشاريه السياسيين. لم يتأخر ساركوزي ومعسكره اليمين في الرد من خلال اتهام القضاء بـ«التحيز». ونقل المحامي تيري هرتزوغ عن الرئيس السابق قوله أمس إن تعاطي القضاء معه «يثير الغرابة» مشككا بـ«حيادية» القاضي جان ميشال جنتيل الذي يدير التحقيق في بوردو. وعمد هرتزوغ إلى تقديم طعن لدى الغرفة القضائية المختصة في مدينة بوردو لإلغاء الاتهامات.

وكانت الفضيحة قد انطلقت في عام 2010 عندما أكد أحد المحاسبين العاملين لدى عائلة بتنكور أن 150 ألف يورو أعطيت لأريك فيرت، أمين صندوق حملة ساركوزي. وجاءت أقوال عاملين آخرين عن تردد ساركوزي على منزل بتنكور في نويي لتضفي شكوكا على تصريحات الرئيس السابق الذي أكد أنه زار المنزل المذكور مرة واحد في حياته.

وبينما حرص اليسار على النأي بنفسه عن هذه العملية وعلى الدعوة إلى ترك القضاء يقوم بعمله، فقد انقض قادة اليمين على قرار قاضي بوردو متهمين إياه بـ«التسييس» والعمل لمصلحة الحكومة للتغطية على صعوبات الاشتراكيين في إدارة شؤون فرنسا وعلى استقالة وزير المالية جيروم كاهوزاك الذي اضطر إلى ترك الحكومة بعد اتهامه بامتلاك حساب سري في سويسرا والغش والتهرب من دفع الضرائب.

وقبل أيام استقبل ساركوزي في ليبيا استقبال الأبطال لدوره في إسقاط نظام القذافي بعد أن كان فرش له السجاد الأحمر في باريس. وفي بوردو تهافت حلم عودته إلى واجهة المسرح السياسي خصوصا إذا ثبتت عليه التهمة وحوكم بسببها. لكن السياسة وعالمها يحفلان بالكثير من المفاجآت وما قد يشجع ساركوزي أن صديقه الإيطالي سلفيو برلسكوني نهض من عثراته مع القضاء مرات ومرات وما زال حيا يرزق سياسيا.