ليلة سقوط حكومة ميقاتي.. مدينته تطلب النجدة

شربل: ما يحدث في طرابلس مرتبط إقليميا وأخشى أن يصبح دوليا

متظاهرون لبنانيون ضد الحكومة يفككون خيامهم المقامة أمام مقر الحكومة في بيروت أمس (أ.ب)
TT

لم تكد طرابلس تنتشي بهدنتها الهشة بعد ظهر أول من أمس، إثر معارك عنيفة بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن دامت 3 أيام وخلفت 7 قتلى على الأقل وعشرات الجرحى، حتى بدأت الأخبار تتوارد حول انفجار الحكومة وإمكانية استقالة رئيسها الطرابلسي الذي انقسم مواطنوها حوله بين مؤيد ومعارض. وحل مكان الترقب الذي ساد والهدوء الغريب الذي حل على كل محاور القتال بعد ظهر أول من أمس، رياح خمسينية ترابية عاتية. ترقب الاستقالة لم يطل، ففي هذه الأثناء، ورغم العواصف الشديدة، كان الموالون والمعارضون يعدون عدتهم. وما إن ظهر نجيب ميقاتي على الشاشات وأعلن استقالته نحو الساعة الثامنة مساء حسب التوقيت المحلي، حتى كانت طرابلس قد اشتعلت من جديد، وحل إطلاق النار في الهواء، ابتهاجا أو احتجاجا، محل المعارك، وبدأت التحذيرات تصل للمواطنين، طالبة منهم عدم الاقتراب من النوافذ والشرفات، بسبب كثافة الرصاص العشوائي، فيما كان المواطنون يتناقلون رسائل مفادها أن ليلهم سيكون ساخنا، وأن طرابلس دخلت في المجهول، إثر استقالة الحكومة. قطع موالون لنجيب ميقاتي بعض طرقات المدينة، وتجمع آخرون تحت منزل اللواء أشرف ريفي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، الذي كان عدم التجديد له أحد أسباب سقوط الحكومة التي عمرت سنتين. ولم يتردد هؤلاء في إطلاق النار، غضبا من عدم التجديد لريفي. وبينما كان المحتجون على الحكومة في بيروت يفكون خيام الاعتصام من أمام السراي الكبير، بدأ المحتجون عليها في طرابلس بتفكيك خيامهم من أمام منزل نجيب ميقاتي في شارع المعرض، بعد أن كانت الرياح قد اقتلعت بعضها.

طرابلس التي شهدت أعمال شغب احتجاجية كبيرة، يوم تسلم ميقاتي الحكومة منذ سنتين، اكتفت بإطلاق النار ابتهاجا فور استقالته، لتستفيق صباح أمس على واقعها الأمني المرير الذي لم تعد تنفع معه استقالات ولا قرارات.

دبابات الجيش تملأ الشوارع، والحذر يسيطر على المدينة، والقنص يعود إلى المناطق الشمالية الساخنة منها، ليوقع قتيلا وأربعة جرحى على الأقل، فيما اضطر الجيش لقطع الطريق الدولي المؤدي إلى عكار، ومنها إلى سوريا، بسبب خطورة المرور وتعرض المواطنين لرصاص القناصة الكثيف.

وقال ربيع كبي، وهو تاجر في سوق طرابلس كان يستعد لإغلاق دكانه بعد أن فتحه لعدة ساعات أمس، إن «سقوط الحكومة من عدمها لا يعنينا كثيرا. الناس يختنقون من شلل الحياة. لا أحد يجرؤ على مغادرة منزله في ظل هذه الأوضاع، ولا نعرف ما الذي سيحل بنا غدا».

وبينما كنا نتحدث مع التاجر الطرابلسي كانت زخات الرصاص تتوالى في مكان قريب، فقال غاضبا: «الله يستر. نحن ضائعون، ولا نعرف إلى أين سيذهبون بنا، لا استقرار في البلد، ولا قرار. إنها فوضى».

وكان وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل قد زار مواقع وحدات قوى الأمن الداخلي في منطقة الشمال أمس، وترأس عند الرابعة والنصف من بعد الظهر اجتماعا أمنيا في سرايا طرابلس. وقال شربل في رسالة طمأنة إلى أهالي طرابلس: «لن نقع في فراغ أمني، وسنبقى على تواصل مع الأجهزة الأمنية على الأرض ونقوم بواجبنا، ولن نترك الأرض مهما حصل».

لكن شربل لم يخف أن الوضع خطير، وقال: «ما يحصل في طرابلس أمر كبير مرتبط إقليميا، وأخشى أن يصبح مرتبطا دوليا»، مطالبا رئيس المجلس النيابي نبيه بري بجمع المجلس النيابي، موضحا أنه على النواب أن يوقعوا على وثيقة عنوانها «الأمن في لبنان».

ورأى شربل أنه «لم يبق في الدولة إلا مجلس النواب ليساعد الأجهزة الأمنية على إيجاد حل»، لافتا إلى أن «الجميع يعلم أن لبنان في خطر، وما أستغربه هو الخطابات الدينية والطائفية المحرضة التي تصدر عن بعض رجال الدين».

وعبر أهالي باب التبانة مع انقضاء نهار أمس، والإحساس بأن هدنة يوم الجمعة بدأت بالتهاوي، عن خوف شديد.

وقال الشيخ مازن حربا، وهو من بين إحدى الفعاليات الأساسية في الحي، وكان قد شارك بكل اجتماعات التهدئة: «نحن لا نصدق أيا من السياسيين، فأول ما يتعلمونه هو الكذب. نحن في التبانة ليس لدينا أي تصور لما سيحدث بعد استقالة ميقاتي. كل ما نطلبه منه هو أن يتوجه إلى طرابلس ومعه وزراؤه ونواب المدينة من 14 آذار الذين انتخبهم الناس، لينقذوا طرابلس التي تحترق؛ فنحن لا نفهم ولا نصدق أن يكون أبناء المدينة في مناصب رفيعة في الوزارة والنيابة على النحو الذي هم عليه في الدولة، ويتركون مدينتهم للخراب». ويضيف حربا: «أعتقد أن ضمير أي شخص في مجاهل الأمازون يمكن أن يتحرك حسرة على ما يحدث في طرابلس، فيما سياسيو المدينة كلهم، ولا أفرق بين أي أحد منهم إلى أي فريق انتمى، يمكن لضميره أن يتحرك رأفة بمدينته. عامة الناس تشعر بالقرف والخيبة من كل السياسيين من دون استثناء».