التحدي الأكبر في كردستان.. مكافحة الفساد وتدعيم الحريات

المتحدث باسم حكومة الإقليم: لا ننكر وجود انتهاكات

TT

بعد سنوات قليلة من تأسيس البرلمان والحكومة في إقليم كردستان عام 1992 خاض الأكراد في دولتهم الصغيرة شبه المستقلة بإقليم كردستان الحالي قتالا داخليا أودى بحياة الآلاف من الشباب الكردي، وكانت أسبابه ناجمة عن الموارد الضئيلة التي جاءت من الضرائب الجمركية بمنفذ إبراهيم الخليل الحدودي مع تركيا، ومقارنة بالميزانية التي انهالت على الإقليم بعد سقوط النظام السابق، فإن تلك الموارد لا تشكل سوى قطرة من بحر.

لقد ترك صدام حسين كردستان شبه مدمرة، بعد أن قضى على الحياة في أكثر من أربعة آلاف قرية كردية بتسويتها بالأرض في حملات الأنفال، وكان الهم الأول للقيادة الكردية هو إعادة بناء الوطن، وإعادة الكرامة للمواطن الكردي بعد عقود طويلة من الظلم والاضطهاد ومع انحسار ظل الديكتاتورية عن العراق، كانت الآمال الشعبية معلقة على القيادة الكردية التي تجرعت مع شعبها معاناة قاسية خلال سنوات النضال ضد الديكتاتورية، لكي تعمل على إعادة الحياة لكردستان، وبناء تجربة ديمقراطية متكاملة، خصوصا وأن ظل الديكتاتور قد اختفى ولم يعد لدى القادة الكرد أي عذر بعدم تحقيق المطالب الشعبية المشروعة، في مقدمتها الحريات وتحقيق حقوق الإنسان بالترافق مع النهضة الاقتصادية والعمرانية، خصوصا وأن المليارات بدأت تتدفق على الإقليم منذ عام 2005.

لكن خاب ظن الكثيرين من أبناء الشعب الكردي. فقد استشرى الفساد بشكل غير مسبوق حتى في خضم حكم الدولة العثمانية التي يضرب بها المثل في هذا المجال. ويقول رئيس البرلمان الكردستاني السابق والقيادي البارز بالاتحاد الوطني الكردستاني عدنان المفتي مع وصول الموارد المالية الهائلة إلى كردستان بدأت وتائر الإعمار والتنمية ترتفع وتحسنت الأحوال المعيشية للمواطنين.. ومع ذلك لا نستطيع أن نقول بأن الأحوال جيدة جدا، وأن كل شيء تمام التمام، فنحن ندرك بأن الفساد الذي جاء إلى كردستان مع انهمار المليارات يشكل التحدي الأكبر لمستقبل تجربتنا. ويرى القيادي الكردي أن هناك عددا من القوانين صدرت لمكافحة الفساد، وهناك محاولات جادة لتفعيل دور الرقابة المالية وتوسيع صلاحيات السلطة القضائية لتمكين هذه الأجهزة والمؤسسات من القيام بدورها في مكافحة هذه الآفة التي تهدد مستقبل التجربة الكردية.

وحول ما تحقق من الحريات وحقوق الإنسان، يقول المفتي الحريات متاحة ومكفولة بالقانون، هناك الحريات السياسية أمام الأحزاب، وهناك منظمات مجتمع مدني ناشطة في الإقليم وتقوم بدور مؤثر داخل المجتمع، والحريات الإعلامية متوفرة أيضا، بدليل وجود مئات الصحف الأهلية والمستقلة، ليس هناك سجناء رأي، هناك حديث عن اتهامات بالتعذيب داخل السجون، وهذا ما لا نستطيع أن ننفيه، لأن هذا يحدث حتى في بعض البلدان الديمقراطية المتقدمة جدا، مع ذلك فنحن فتحنا أبوابنا أمام المنظمات والهيئات الدولية لمعاينة أوضاع السجناء، وهناك قوانين تحمي حقوق المرأة والطفل، على العموم نستطيع القول بأننا بصدد استكمال بناء مجتمع ديمقراطي، وأنا متفائل بهذا الشأن، والمشكلة الوحيدة التي تعرقل جهودنا حاليا هي الفساد الذي يجب أن نسخر جميع إمكانياتنا في المرحلة القادمة لمكافحته.

وفي ما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان في كردستان والتي تنتقد المنظمات الدولية بتقارير كثيرة لها الانتهاكات التي تحصل في كردستان من قبل السلطات المحلية، يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور جرجيس كليزادة أن الانتقادات الموجهة إلى حكومة الإقليم من المنظمات الدولية تحمل بعض المصداقية في واقع الأمر لوجود خروقات لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية للأمم المتحدة، وتأتي مسألة حق التظاهر والاحتجاج في مقدمة تلك الانتقادات، لأن هذا الحق غير مكفول من قبل السلطات وخصوصا في منطقة نفوذ الحزب الديمقراطي في أربيل ودهوك. وهناك أيضا مسألة تحزيب المؤسسات والإدارات والأجهزة التابعة لسلطات الإقليم والتي تحمل طابعا حزبيا شديدا ما زال يعاني منها المواطن على مستوى الأفراد والجماعات مما يحرم على المستقلين وعلى الأغلبية فرص المساواة والتكافؤ في العمل والوظيفة، وهذا ما ترك صبغة حزبية دامغة على جميع المؤسسات الإدارية التابعة لحكومة الإقليم في منطقتي نفوذ الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني باعتبارهما الحزبين الحاكمين الرئيسين في الإقليم مع تقسيم السلطات والموارد والنفوذ بينهما وفق الاتفاقية الاستراتيجية.

أما مدير مركز الميترو للدفاع عن حقوق الصحافيين رحمن غريب فيرى بأنه رغم وجود فضاء واسع للحريات الصحافية والإعلامية، ولكن هذه الحريات معرضة دائما للمخاطر، فالوضع الأمني الهش باعتبار كردستان جزءا من العراق تتأثر بما يحدث في هذا البلد، وكذلك عقلية النخبة السياسية الكردية الحاكمة القائمة على السيطرة والهيمنة، تشكلان تهديدا حقيقيا للحريات المتاحة في كردستان. ويضيف: «الحياة ليست وردية تماما، هناك انتهاكات تصل إلى الذروة في بعض الأحيان».

ولا ينكر المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان سفين دزه يي وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم، لكنه يشير إلى أن هناك في بعض الأحيان مبالغات غير مقبولة، فهناك تقارير رغم أنها تصدر عن منظمات دولية معتبرة كالعفو الدولية أو «هيومان رايتس ووتش» أو غيرها تتحدث بشكل غير موضوعي عن الأوضاع في كردستان، فآخر التقارير الصادرة عن منظمة العفو تتحدث عن احتكار الحزبين الكرديين للسلطة بكردستان، ولكن القائمين على كتابة هذا التقرير ينسون أن هذين الحزبين جاءا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وبانتخابات حرة وديمقراطية، وهما يعبران عن الإرادة الشعبية، من خلال صوت الناخب، ولم يأتيا عن طريق انقلاب عسكري حتى يؤسسا لنظام ديكتاتوري بالضد من إرادة الشعب.. وأعود لأكرر بأننا لا ندعي بعدم وجود انتهاكات، ولكننا نريد من تلك المنظمات أن تأتي إلينا وأبوابنا مفتوحة لتؤشر لنا مكان الخلل والانتهاك لكي نعمل معا على معالجته.