غموض حول وفاة معارض روسي جديد في بريطانيا

لا وجود لمواد مشعة في منزل بيريزوفسكي.. ومقربون منه يتحدثون عن فرضية انتحاره

سيارات تابعة للشرطة والإعلام تقف عند الشارع المؤدي لمنزل بيريزوفسكي في بريطانيا (إ.ب.أ)
TT

لا يزال الغموض يلف وفاة الملياردير الروسي بوريس بيريزوفسكي المعارض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غداة العثور على جثته في منزله قرب لندن، مساء أول من أمس، حيث استبعد المحققون وجود مواد مشعة، في حين تحدث مقربون منه عن فرضية انتحار.

وطوال ليل أول من أمس حال الطوق الأمني الذي فرضته الشرطة من الاقتراب من منزله في اسكوت المدينة الواقعة على بعد 60 كيلومترا جنوب غربي لندن، حيث عمل فريق من المحققين المتخصصين بالمواد المشعة لساعات طويلة.

وأعلن المحققون المتخصصون في المواد النووية والكيميائية والبيولوجية والإشعاعية، أمس، أنهم «لم يعثروا على أي شيء مشبوه» في المنزل الذي عثر فيه، أول من أمس، على جثة بيريزوفسكي. وقالت شرطة منطقة نهر التيمس المكلفة التحقيق «لم يعثر المحققون المتخصصون على أي شيء مشبوه في المنزل، ونحن نجري الآن التحقيقات المعتادة».

وأضافت الشرطة، صباح أمس، أن خبراء من البحث الجنائي وصلوا إلى منزل الملياردير، حيث كانت جثته لا تزال موجودة. وبحسب بيان للشرطة، فإن «ضباطا بينهم محققون متخصصون في كشف المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية في المكان حاليا لإجراء تحقيقات».

وكان بيريزوفسكي، العقل المدبر السابق للكرملين في عهد بوريس يلتسين، أصبح رجلا مغضوبا عليه مع بعد فترة وجيزة من وصول بوتين إلى السلطة، على الرغم أنه كان من المؤيدين لجعل بوتين رئيسا للوزراء في سنواته الأولى.

وحصل بيريزوفسكي على اللجوء السياسي في بريطانيا عام 2003. وكان في لندن ضمن مجموعة لاجئين روس معادين لبوتين كان ينتمي إليها ألكسندر لتيفينينكو العميل الفار من جهاز الاستخبارات الروسي الذي مات مسموما بمادة البولونيوم المشعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006. وكان لتيفينينكو تناول الشاي مع رجل الأعمال ديمتري كوفتون واندري لوغوفوي، العميل في الاستخبارات الروسية، في فندق بلندن قبل أن يتوفى. ولوغوفوي الذي تعتبره لندن المشتبه به الرئيسي في جريمة القتل، اتهم بيريزوفسكي بالضلوع في عملية التسميم.

وأثار مقتل لتيفينينكو صدمة في بريطانيا عام 2006، وأدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين بعد أن ثبت اغتياله. وجاء خبر وفاة بيريزوفسكي ليثير تساؤلات عن أسبابه، ولكن من دون تعليقات سياسية أولية حوله. وحذرت مصادر الشرطة من الحديث عن أي احتمالات لسبب وفاته.

وقد ذكرت وسائل الإعلام البريطانية، أمس، بأن بيريزوفسكي سبق أن تعرض لمحاولتي اغتيال على الأقل، إحداهما في روسيا، والثانية أبلغته بها أجهزة الاستخبارات البريطانية في 2007.

وحتى مساء أمس لم توضح الأسباب وراء وفاة بيريزوفسكي. وفي موسكو أعلن ألكسندر دوبروفينسكي محامي بيريزوفسكي لقناة «روسيا 24» أن الأخير انتحر. وقال دوبروفينسكي: «اتصلوا بي من لندن لإبلاغي بأن بيريزوفسكي انتحر»، من دون كشف مصدر المعلومة. وأضاف: «في الآونة الأخيرة كان بيريزوفسكي في وضع سيئ. كان مثقلا بالديون ومدمرا, واضطر إلى بيع لوحات ومقتنيات ثمينة أخرى». وتابع: «علمت من أصدقاء مشتركين أنه طلب منهم 5 آلاف دولار لشراء بطاقة سفر».

ونفى أحد أصدقاء بيريزوفسكي رجل الأعمال دميان كودريافتسيف أن يكون الملياردير انتحر. وصرح لوكالة أنباء «ريا نوفوستي»: «لا يتعلق الأمر بذلك، لا أحد يعلم ما حدث. ليس هناك ما يدل على الانتحار، لا آثار لتناول أدوية أو لحقن». وذكرت الوكالة نقلا عن مصدر آخر في أوساط بيريزوفسكي أن «الأخير توفي جراء أزمة قلبية. توجه مؤخرا إلى إسرائيل للعلاج ثم عاد إلى بريطانيا».

وكان المعارض الروسي أعلن عشية وفاته أنه «لم يعد لحياته معنى ولم يعد يعرف ما عليه أن يفعل»، في حديث غير رسمي وغير مسجل مع اليا جيغوليف، الصحافي في مجلة «فوربس».

يذكر أن بيريزوفسكي يعيش في المملكة المتحدة منذ 13 عاما. وكانت موسكو طلبت مرارا من لندن دون جدوى تسليمها رجل الأعمال المتهم في روسيا بالتخطيط لانقلاب.

وبحسب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، كان الملياردير طلب مؤخرا «السماح» من بوتين. وأعلن بيسكوف أول من أمس على تلفزيون «فيستي 24» الروسي «قبل شهرين تقريبا، بعث بيريزوفسكي رسالة إلى فلاديمير بوتين كتبها شخصيا، وأقر فيها بأنه ارتكب أخطاء، وطلب المغفرة من بوتين».

وردا على سؤال حول رد فعل محتمل من بوتين على نبأ الوفاة، قال المتحدث: «من المستبعد أن تصدر عن شخص مثله ردة فعل سريعة». وكانت عدة تحقيقات فتحت بحق بيريزوفسكي في روسيا، آخرها في مايو (أيار) الماضي، بعد أن اقترح مكافأة لكل من «يعتقل المجرم الخطير بوتين».

والصيف الماضي، خسر دعوى في لندن ضد الملياردير رومان أبراموفيتش صاحب نادي تشيلسي البريطاني لكرة القدم. وكان بيريزوفسكي يتهم شريكه السابق وصديقه بإرغامه بـ«التهديد» و«الترهيب» على بيع في 2001 حصته في مجموعة «سيبنفت» بقيمة 1.3 مليار دولار، وهو سعر أقل بكثير من القيمة الحقيقية للشركة.

ودفع لأبراموفيتش 35 مليون جنيه (41 مليون يورو)، وهي نفقات الدعوى.

وأثار نبأ وفاة بيريزوفسكي ردود فعل إيجابية وسلبية في روسيا. فقد قال أحد زعماء المعارضة بوريس نيمتسوف على حسابه على «تويتر»: «لن يأتي مديح من كثير من الناس؛ فالأفضل عدم قول أي شيء».

من جهته، قال زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف لوكالة ريا نوفوستي إنه لا يمكنه أن يمدح بيريزوفسكي أو يقول عنه أمورا جيدة. وأضاف أن بيريزوفسكي «أقر بنفسه قبل وفاته بأن حياته لم يكن لها معنى، لأنه يجد نفسه دون أسرة أو أمة أو مال أو أصدقاء». أما القومي المتشدد فلاديمير جيرينوفسكي، فقال في حديث لإذاعة «صدى موسكو»: «كان رجلا موهوبا اضطلع بدور كبير»، عندما كان العقل المدبر ليلتسين في الكرملين.