وزير الداخلية الصومالي: نسعى لاستعادة الدولة

جوليد كشف لـ «الشرق الأوسط» عن وجود تعاون وثيق مع أميركا ودول عربية.. ورأى أن «الفيدرالية» مناسبة لبلاده

عبد الكريم حسين جوليد («الشرق الأوسط»)
TT

تحدث وزير الداخلية الصومالي عبد الكريم حسين جوليد، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» عن الوضع الأمني في الصومال وفي العاصمة مقديشو، وعن الحرب ضد تنظيم القاعدة، وجهود الحكومة الصومالية في بناء الأجهزة الأمنية الوطنية، وكشف جوليد عن تعاون أمني وثيق بين الصومال والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية. وجوليد من مواليد إقليم هيران بوسط الصومال عام 1966وتخرج في قسم الإدارة بجامعة العلوم والتكنولوجيا - اليمن وعمل منذ بداية التسعينات في العمل الإنساني، وأصبح رئيسا لمكتب لجنة مسلمي أفريقيا الكويتية في الصومالو أسس مع الرئيس الصومالي حزب السلام والتنمية وأصبح قياديا رفيعا في الحزب. وفي ما يلي نص الحوار:

* حدثنا عن الوضع الأمني في الصومال بشكل عام.

- نحن في معركة مستمرة لاستعادة الدولة الصومالية بشتى الطرق، وعلى كل المستويات؛ سواء داخليا أو خارجيا، وإذا أتيت إلى الوضع الأمني في الوقت الحالي، فقد بدأت الحكومة في إعادة بناء القوات الوطنية وتشكيل الأجهزة الأمنية المختلفة، مثل الشرطة والمخابرات، ونجحنا في استعادة السيطرة على معظم محافظات ومدن البلاد، وخصوصا المناطق الحضرية. والخطة التالية هي السيطرة على المنافذ الحدودية، وهذه عملية طويلة وشاقة، ولكنها أيضا واجب وطني في سبيل إعادة الاستقرار إلى الصومال.

* وماذا عن مقديشو نفسها؟

- فيما يخص العاصمة، فإنه تمت إزالة جميع نقاط التفتيش غير الشرعية التي كان يزيد عددها عن 60، والتي كانت تدر أكثر من مليون ونصف المليون دولار شهريا على الميليشيات القبلية المسلحة، وتم ذلك في وقت وجيز ودون إراقة أي دماء أيضا، وبات حمل السلاح في العاصمة مقصورا الآن على القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي المساندة.

* ما حقيقة شركات الأمن الأجنبية التي تعمل في العاصمة مقديشو؟

- القوات الحكومية تتكون من 4 قطاعات؛ الجيش والشرطة والمخابرات، ومصلحة السجون، غير هذا لا توجد قوات حكومية أخرى، وهناك شركات أمنية متخصصة في الحماية، والعدد المرخص له 6 فقط؛ شركتان أجنبيتان و4 شركات محلية، وهذه الشركات تقدم خدمات أمنية خاصة مصرحا بها قانونا، وكل أعمالها مسجلة ابتداء من أنواع الأسلحة والسيارات التي تستخدمها، وانتهاء بحدود الخدمة التي تقدمها.

* وماذا عن قوات تثبيت أمن العاصمة التي يجري الحديث عنها هذه الأيام؟

- هذه القوات جاءت ضمن مشروع أمني حكومي لتثبيت الأمن في العاصمة، ولكنها لم تأتِ من خارج القوات الحكومية، وإنما هي وحدة مختارة من الأجهزة الأمنية الحكومية، وعددها 1000 (ألف عنصر)، وهي مدربة تدريبا مهنيا، وليس من بينها أي عناصر أجنبية.

* شهدت مقديشو في الأيام الأخيرة حوادث إعدام غامضة لعناصر من حركة الشباب كانوا معتقلين لدى السلطات الأمنية؛ فما حقيقة هذه الإعدامات؟

- الإعدامات حصلت، وتم العثور على جثث مقتولين، لكن السؤال هو: من الذي ارتكب هذه الحوادث؟ وكيف قتل هؤلاء الأشخاص، وهوياتهم أيضا؟ كل هذا يجري التحقيق فيه حاليا، وفيما إذا كان من قتلوا في هذه الحوادث معتقلين لدى السلطات الحكومية، وقتلوا على يد مَن؟ وفي أي وقت؟ وبمحاكمة أو من دون محاكمة؟ فالتحقيق جار لتوضيح ملابسات هذه القضية، وسيتم الإعلان عن نتائج هذه التحقيقات بصفة رسمية.

* كيف يتم التعامل مع عناصر «الشباب» الذين يتم اعتقالهم من قبل السلطات الحكومية؟

- المعتقلون من عناصر حركة الشباب ينقسمون إلى صنفين: الصنف الأول هم الذين يتم اعتقالهم في معارك حربية، فهؤلاء يتم استجوابهم والتحقيق معهم ثم يُقدمون إلى المحاكمة لتأخذ العدالة مجراها في إجراءات علنية ومفتوحة، أما الذين يستسلمون طواعية فيتم التعامل معهم بأشكال مختلفة، مثلا إذا ثبت أن الشخص المستسلم يشكل خطرا كبيرا على الأمن والمجتمع فإنه يتم التعامل معه كمقاتل ويقدم إلى المحاكمة، أما إذا كان شخصا عاديا أو لا يشكل خطرا كبيرا على المجتمع، فإنه يحال إلى مراكز التأهيل التابعة للحكومة، حيث يقضي العائدون من حركة الشباب فترة 6 أشهر إلى عام كامل، يقوم علماء متخصصون في الشريعة وفي علم النفس بمناقشتهم فكريا وتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة التي كانوا يعتنقونها، وإلى جانب ذلك، يتم تخييرهم في تعلم حرفة من الحرف، وعندما يتقنونها يتم إعادة إدماجهم في المجتمع وتستمر مراقبتهم إلى أن يصبحوا أشخاصا عاديين.

* ما حقيقة التغييرات المرتقبة في قيادة أجهزة الأمن الحكومية؟

- التغييرات جارية، سواء على مستوى هيكلية الأجهزة الأمنية، أو على مستوى القيادات أيضا، حيث يتم تقدير احتياجاتها وأولوياتها، وتدريب عناصرها بشكل جيد في هذه المرحلة، والهدف من ذلك هو مواكبة التحديات الكثيرة التي تنظر هذه الأجهزة، فالأمن هو أولوية قصوى للحكومة، ولا ننسى أن الصومال خرج من حرب أهلية قضت على كل شيء، وعليه، فإن بناء أجهزة أمنية قادرة وفعالة يحتاج إلى تخطيط جيد ووقت أطول أيضا.

* ما حجم التعاون الأمني بين الصومال والولايات المتحدة في الحرب ضد «القاعدة»؟

- «القاعدة» هي منظمة إرهابية عابرة للقارات، وهي تهدد بلدانا كثيرة، منها بلدنا، وعليه فمن المنطقي أن تتعاون الدول المهددة في محاربتها، ونحن والولايات المتحدة من الدول المهددة من قبل «القاعدة»، ونحن نتعاون معها في الحرب ضد هذه المنظمة الإرهابية. ولدينا أيضا تعاون أمني وثيق بين دول عربية عدة تجمعنا قضايا أمنية مشتركة، وأهمها السعودية، والإمارات، والسودان، واليمن.

* هل ستسلمون عناصر «القاعدة» إلى بلدانهم في حالة اعتقالكم لهم؟

- التسليم سيكون مرتبطا بعلاقتنا مع الدول التي ينتمون إليها، فإذا كان هناك اتفاقيات لتبادل المسجونين فمن الطبيعي أن نسلمهم لبلدانهم، وفي الحالات الأخرى سيقضون أي عقوبة تصدر عليهم في الصومال، مثلهم مثل الذين يحملون الجنسية الصومالية، لأن المحكومين يقضون عقوباتهم في البلدان التي ارتكبوا فيها الجريمة.

* ما العلاقة بين عناصر «القاعدة» والقراصنة؟

- هم يشتركون في أنهم يمارسون أعمالا إجرامية في الصومال. ليس لدينا دليل ثابت على وجود علاقة تنظيمية بينهم، لكن هناك بعض القرائن التي تدل على علاقة ما، مثلا القراصنة ينشطون في مناطق تسيطر عليها حركة الشباب الموالية لـ«القاعدة»، ويتحركون فيها بحرية، وفي بعض المناطق يجد القراصنة ممرات آمنة عندما يذهبون إلى البحر، وهذه قرائن بأن هناك حالة من غض الطرف عن أعمالهم لدى حركة الشباب.

* يقال إن هناك محورا ثلاثيا يستأثر بالسلطة في الحكومة الحالية، هو الرئيس حسن شيخ محمود، ووزير الداخلية عبد الكريم جوليد، ووزير شؤون الرئاسة فارح شيخ عبد القادر، فما مدى صحة ذلك؟

- هذه مجرد «دعاية» سياسية، فالرئيس هو رئيس الدولة، وأنا أتولى وزارة الداخلية، والأخ الذي أشرت إليه يتولى مسؤولية وزارية أخرى، لكن أؤكد أنه ليس هناك ثلاثي ولا رباعي في حكم البلد؛ فالكل يتولى مسؤولية خاصة، وليس هناك علاقة خاصة بين الرجال الثلاثة الذين ذكرتهم سوى أنهم أعضاء في الحكومة.

* شاركت مؤخرا في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في السعودية؛ فماذا تم بخصوص الصومال؟

- أولا أنا أنتهز هذه الفرصة لأشكر الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية على الحفاوة التي استقبل بها الوفود العربية في المؤتمر، فهو شخصية أمنية عربية رائدة، وذو أفكار متميزة في هذا المجال، والاجتماع ركز على مكافحة الإرهاب والقرصنة، وتم الاتفاق على مساعدة الحكومة الصومالية في مجال مكافحة الإرهاب والقرصنة. وقد زرت خلال وجودي في السعودية أيضا جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، وقد أعجبت بتفكير القائمين عليها، وأعتقد أنها قد تكون نموذجا للوطن العربي كله؛ فالأمن بمفهومه الواسع يشمل أمورا أخرى مهمة؛ اقتصادية وتنموية وثقافية، لم تكن مطروحة في الماضي.

* إلى أين وصلت المساعي الحكومية لبسط السيطرة على كل البلاد؟

- هناك ثلاث مراحل تمر بها عملية بسط السيطرة الحكومية؛ المرحلة الأولى هي تشكيل إدارات محلية مؤقتة للمناطق التي تدخل تحت السيطرة الحكومية، وذلك لمدة 6 أشهر، والمرحلة الثانية هي وضع آلية لاختيار إدارات دائمة منتخبة لهذه المناطق دون فرضها من قبل الحكومة المركزية، ثم المرحلة الثالثة وهي تطبيق نظام الفيدرالية الذي نص عليه الدستور الجديد.

* وكيف يتم تطبيق نظام الفيدرالية المثير للجدل؟

- الدستور الجديد ينص على النظام الفيدرالي، ولكن البرلمان هو الذي يبت في القوانين التفصيلية للنظام الفيدرالي، وأهمها عدد الأقاليم الفيدرالية، ومساحة وحدود كل إقليم، ورغبة سكان منطقة ما في الانضمام لهذا الإقليم أو ذاك، وكذلك العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية، وتوزيع السلطات والثروات أيضا، كل ذلك وغيره يتم تقنينه برلمانيا، فنحن نريد أن يكون شكل الحكم في البلاد خاضعا للتوافق المقنن وليس رغبة حاكم أو سلطة أو قبلية معينة.

* وما موقف الحكومة من صومالي لاند، وبونت لاند؟

- فيما يخص بونت لاند (شمال شرق) فأنا أرى أنها مؤهلة لأن تكون إقليما من الأقاليم الفيدرالية الصومالية وفقا للدستور الجديد، وأنا زرت هذا الإقليم شخصيا، وأثمّن الاستقرار الذي تحقق فيه خلال السنوات الماضية، والحكومة المركزية تحرس من جانبها هذا الاستقرار. أما العلاقة مع صومالي لاند فهي أيضا لا تزال في نظرنا جزءا لا يتجزأ من الصومال، لكن أقر بأن لدى السكان مآخذ ومطالب وشكاوى تتعلق بالسلطة والتنمية والتمثيل السياسي تجاه الحكومات الصومالية المتعاقبة بعد الاستقلال وحتى بداية التسعينات، وبما أن سبب هذه المشكلات قد زال قبل 20 عاما، فأنا أرى أن نظام الفيدرالية هو الحل الأنسب لضمان عدم عودة الأخطاء السابقة، وبيننا هذه الأيام مفاوضات وحوارات بدأتها الحكومة التي سبقتنا، ونحن مستمرون فيها ووصلنا إلى نقاط مشتركة كثيرة. ولدي أمل كبير في أن النضج السياسي على مستوى القادة والشعب الذي تحقق خلال العقدين الماضيين سيؤدي إلى أن نستعيد معا الدولة الصومالية التي تساوي بين جميع المواطنين.