شلال أسلحة يتدفق على المعارضة السورية عبر تركيا بدعم من «سي آي إيه»

تقرير صحافي يقول إن ضباطا أميركيين يساعدون دولا عربية على شرائها وتحديد من يتلقاها

TT

تمكنت دول عربية وتركيا، بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من نقل مساعداتها العسكرية إلى مقاتلي المعارضة السورية بشكل واضح خلال الشهور الأخيرة، وتوسيع نطاق الجسر الجوي السري لنقل الأسلحة والمعدات للقوات التي تقاتل ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وذلك وفقا لبيانات النقل الجوي، ومقابلات أجريت مع مسؤولين في عدة دول، وروايات قادة الثوار.

وحسب تقرير أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس فإن بيانات النقل توضح توسع الجسر الجوي الذي بدأ على نطاق ضيق مطلع عام 2012 وتواصل بشكل متقطع خلال الخريف الماضي ليتحول إلى تدفق دائم أشد غزارة أواخر العام الماضي، ليشمل أكثر من 160 رحلة شحن عسكرية قامت بها طائرات شحن عسكرية عربية هبطت في مطار إيزنبوغا القريب من أنقرة، ومطارات تركية وأردنية أخرى، لكن بدرجة أقل.

وارتبط تطور الجسر الجوي بتحولات الحرب داخل سوريا، عندما تمكنت قوات المعارضة من طرد الجيش السوري من المناطق التي يسيطر عليها منتصف العام الماضي. ورغم إعلان إدارة الرئيس أوباما عن رفضها تقديم مزيد من المعدات غير القتالية إلى الثوار، أظهرت مشاركة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في شحنات السلاح، وإن كان في معظمه استشاريا بحسب مسؤولين أميركيين، رغبة الولايات المتحدة في مساعدة حلفائها من العرب في دعم الجانب القتالي من الحرب الأهلية.

وساعد ضباط الاستخبارات الأميركية، من مكاتب في أماكن سرية، الحكومات العربية على شراء الأسلحة كان من بينها طلبيات شراء ضخمة من كرواتيا، وتحديد قادة الثوار والمجموعات التي تتلقى الأسلحة لدى وصولها، وذلك وفقا لمسؤولين أميركيين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم.

وكان قادة المعارضة السورية ونواب في الكونغرس ومسؤولين في الإدارة قد أكدوا على أن شحنات السلاح الإيرانية والروسية لدعم حكومة الأسد تجعل من تسليح الثوار أكثر حتمية.

وبدأت أغلب رحلات الشحن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية إثر تزايد إحباط تركيا والحكومات العربية من تباطؤ تقدم الثوار في مواجهة قوات الأسد المسلحة تسليحا جيدا. وكانت من بين الأسباب الأخرى لتزايد وتيرة الرحلات الجوية اتساع نطاق الأزمة الإنسانية السورية في الشتاء وقوافل اللاجئين التي تعبر إلى دول الجوار.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إن الحكومة التركية تضطلع بالإشراف على الجانب الأكبر من البرنامج، من خلال تثبيت أجهزة راديو في الشاحنات التي تنقل الأسلحة العسكرية عبر تركيا كي تتمكن من مراقبة الشحنات وهي في طريقها برا إلى سوريا. وأوضح مسؤولون مطلعون على خطوط التوصيل ومحقق مختص بتجارة الأسلحة جمع بيانات حول طائرات الشحن المشاركة في العملية أن نطاق الشحنات كان ضخما للغاية.

ويقول هيو غريفت، من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يراقب عمليات نقل الأسلحة غير المشروعة: «التقديرات الأولية لحمولة هذه الرحلات تقدر بـ3,500 طن من المعدات العسكرية». وأضاف: «يكشف مدى كثافة وتكرار هذه الشحنات عن عملية لوجيستية عسكرية سرية منسقة تم التخطيط لها بشكل جيد».

ورغم تأكيد قادة الثوار وبيانات الشحن وصول شحن المواد العسكرية عبر تركيا إلى المعارضة منذ بداية وأواخر عام 2012، زالت العقبة الأساسية في الخريف الماضي عندما وافقت الحكومة التركية على السماح بتسريع وتيرة الشحنات الجوية.

في الوقت ذاته، تم شراء أسلحة ومعدات من كرواتيا ونقلت إلى الأردن على متن طائرات شحن أردنية للثوار الذين يعملون في جنوب سوريا ونقل بعضها إلى تركيا لتوزيعها على مجموعات الثوار التي تعمل من هناك، بحسب الكثير من المسؤولين. وشكلت هذه الشحنات اللوجيستية المتعددة خلال الشتاء ما وصفه مسؤول أميركي سابق اطلع على البرنامج بأنه «شلال الأسلحة».

لكن، قادة الثوار انتقدوا الشحنات مؤكدين على أنها غير كافية، قائلين إن كم الأسلحة التي تلقوها محدود للغاية وأن الأنواع أضعف من أن تواجه أسلحة جيش الأسد بفاعلية. واتهموا أيضا بأن توزيع الأسلحة يتم بتقتير ويشوبه الفساد.

ويقول عبد الرحمن عياشي، قائد في كتيبة صقور الشام، أحد التنظيمات الإسلامية في شمال سوريا: «الدول الخارجية تعطينا أسلحة وذخيرة بتقتير شديد».

وقام بإشارة كما لو كان يفتح صنبورا: «إنهم يفتحون ويغلقون الطريق إلى الرصاص مثل الماء».

ويشير قائدان آخران، حسن عبود من صقور الشام وأبو أيمن من أحرار الشام، مجموعات إسلامية أخرى، إلى أن من يختار المجموعات التي ستتلقى الأسلحة يقوم بوظيفة غير عادلة.

وقال عبود: «هناك كتائب مزيفة تابعة للجيش السوري الحر تزعم أنها ثورية عندما تحصل على الأسلحة تبيعها إلى التجار».

وأشار مسؤول أميركي سابق إلى أن حجم الشحنات ودرجة التوزيع ضخم، وقال: «الناس تسمع عن تدفق الأسلحة إلى هنا وهي ضخمة، لكنهم يستهلكون مليون عيار ناري في أسبوعين».

وقال المسؤول إن ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية السابق لعب دورا رئيسا حتى نوفمبر (تشرين الثاني) في مساعدة هذه الشبكة الجوية وحث دولا عدة على المشاركة فيها، لكن بترايوس لم يرد على رسائل البريد الإلكتروني التي تطلب منه التعليق.

ويشير المسؤول الأميركي السابق إلى أن حكومة بلاده لعبت دورا في هذه الشبكة، لإحساسها بأن الدول الأخرى ستشارك في تسليح الثورة على أي حال. وأكد على أن الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تسهيل الشحنات منح الولايات المتحدة قدرا من التأثير على مسار التسليح، مثل محاولة منع الأسلحة عن الجماعات الإسلامية وإقناع المانحين بمنع شحنات الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة التي يمكن استخدامها في هجمات إرهابية مستقبلية ضد الطائرات المدنية.

وقد أكد مسؤولون أميركيون أن كبار المسؤولين في البيت الأبيض كانوا على اطلاع بشكل منتظم على الشحنات. وقال المسؤول السابق: «هذه الدول كانت ستقوم بهذا الأمر بصورة أو بأخرى، فهم لم يطلبوا الإذن منا، بل طلبوا المساعدة بصورة ما، وهم يقدرون ذلك».

ونفت كرواتيا والأردن قيامهما بأي دور في نقل أسلحة إلى الثوار السوريين. وذهب مسؤولو طيران أردنيون بعيدا إلى حد التأكيد على عدم انطلاق أي رحلات شحن.

وأكد محمد الجبور، مدير الشحن بالشركة الأردنية الدولية للشحن الجوي، في يوم 7 مارس (آذار) على أن شركته لا تملك أي معلومات عن قيام أي رحلات طيران من أو إلى كرواتيا. وقال يقول: «هذه كلها أكاذيب. لم ننظم أي رحلات طيران على هذه الشاكلة؟».