ميانمار: سقوط جدار الخوف يثير فزع النخبة

تنامي شكاوى المزارعين من مغتصبي أراضيهم أيام حكم العسكر

زاو زاو أحد أغنى الشخصيات في ميانمار يشاهد مباراة كرة قدم في رانغون
TT

دخلت العامية البورماوية كلمة إنجليزية جديدة، لم يكن من الممكن نطقها على الملأ حتى وقت قريب. الكلمة هي «المحسوبية»، والتي تطلق على النخبة من رجال الأعمال الذين استغلوا قربهم من العسكر لجمع ثروات طائلة خلال العقدين الماضيين.

كونت هذه النخبة ثرواتها من صناعات مثل البناء والمطاط وقطع الأشجار، ناهيك عن صفقات السلاح وتجارة المخدرات. لكن أرباحهم تزايدت بشكل واضح خلال العامين الماضيين، إثر التحولات التي شهدتها ميانمار (بورما سابقا) والتي كانت أهم نتائجها خصخصة كثير من الأصول والشركات المملوكة للدولة، وسمح للنخبة بشرائها بأسعار زهيدة.

لكن الانفتاح المتزايد لميانمار الذي يرعاه الرئيس الإصلاحي ثين سين، الجنرال السابق، عنى أيضا تخفيف القيود على حرية التعبير، والسماح للجميع بدءا من سائقي الريشكاو إلى المزارعين للشكوى من المحسوبية واتصالاتهم. ويقول ناي ميو واي، زعيم حزب سياسي مناصر للفلاحين، وهو يجلس القرفصاء على الأرض في مقر الحزب في الريف على أطراف رانغون: «بدأنا للتو ندرك معرفة كل الأمور السيئة بشأن المحسوبية».

يتركز الغضب الرئيس ضد النخبة الآن على الأراضي، ذلك أن الجيش صادر خلال الأيام المظلمة للحكم العسكري المطلق مساحات واسعة من الأراضي ومنحها لحلفائه من رجال الأعمال، ولم يمنح الفلاحين أي تعويضات، وتم ترويع المزارعين كي لا يتجرأ أحدهم على تقديم شكوى.

لكن الأوضاع تبدلت الآن، مع تضاعف أسعار الأراضي وصار مدى الاستحواذ على العقارات معروفا على نطاق واسع.

جمع ملف ناي ميو واي ملفا ضخما لقضايا اغتصاب الأراضي وبات يساعد في تنسيق مظاهرات الفلاحين الراغبين في استعادة الأراضي المصادرة. وقال: «كان ذلك غير متصور تماما قبل التغيير»، فحتى وقت قريب كان أي منتقد للجيش أو أي من حلفائه يواجه خطر الاعتقال أو التعذيب أو سنوات السجن وكان المخبرون ينتشرون في كل مكان.

ثانت زين، 49 عاما، أحد الفلاحين الغاضبين الذين أعادوا احتلال أراضيهم القريبة من قرية أسلافه خارج رانغون، الأرض التي صودرت من قبل الجيش قبل عقدين ومنحت إلى كين شيو، أحد صفوة رجال الأعمال في البلاد، لبناء متنزه صناعي. قال إنه حصل على 15.000 كيات، أقل من 20 دولارا بسعر صرف اليوم مقابل 50 فدانا، تاركا إياه بلا مال لدفع نفقات تعليم أبنائه. وقال بأسف: «كنت أعلم أن علي ألا أظهر غضبي، فقد دفعني الخوف والجهل إلى الصمت».

هذا التوتر المتنامي يشكل مأزقا أمام المستثمرين الأجانب وقادة المعارضة بالنظر إلى مدى عمق الدور الذي تلعبه النخبة في اقتصاد ينمو بشكل سريع. ففي ظل العقوبات الأميركية التي فرضت للمرة الأولى عام 1998 بعد قمع المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، تم استهداف نخبة رجال الأعمال البورماوية بصورة منعت أي شركة أو مواطن أميركي من ممارسة الأعمال معها.

خلال العامين الماضيين سمح النظام المدعوم من الجيش لزعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي بالمنافسة على الانتخابات المحلية ودخول البرلمان العام الماضي، ورفعت الولايات المتحدة تدريجيا العقوبات وأرسلت سفيرا إلى ميانمار العام الماضي للمرة الأولى منذ 22 عاما. بيد أن بعض العقوبات لم ترفع بعد ضد عدد من رجال الأعمال من بينهم أكثرهم ثراء، تاي زا، 48 عاما، الذي تصفه الخارجية الأميركية بأنه «تاجر السلاح والمساعد المالي للمجلس العسكري القمعي في ميانمار».

وقد شهد الشهر الماضي تخفيف واشنطن عقوباتها على أضخم بنوك ميانمار، كان بينها بنكان مملوكان لتاي زا وزاو زاو الذي يرتبط بالنظام بعلاقات وثيقة.

ويعد ازدهار السياحة في الوقت الراهن، العلامة الأبرز لانفتاح البلاد على الغرب، حيث تكتمل حجوزات الفنادق والرحلات إلى ميانمار. لكن حتى الآن لم يصل طوفان الاستثمارات الأجنبية المتوقع، حيث فضل غالية المستثمرين الغربيين التريث للتأكد من مدى عمق مسيرة الإصلاح.

استثمر صفوة رجال الأعمال في ميانمار جزءا من ثرواتهم في بناء فنادق جديدة ومكاتب إدارية في رانغون والمدن الأخرى. لكن خارج هذه الأبنية البراقة الجديدة، لا تزال تنتشر الريكشاو في الشوارع وهناك عدد محدود من الإشارات على ازدهار عام. لكن مالكي الشركات الصغيرة والمتاجر يقولون إن مطالب المستهلكين لا تزال ضعيفة.

يرى منتقدون مثل زاز أونغ، السجين السياسي السابق الذي يعمل باحثا في جامعة تشولالونغكورن، أن نخبة رجال الأعمال في ميانمار يملكون القوة لسحق أي منافسين محتملين، واستغلال مزايا عملية الإصلاح البورماوية ومنع طبقة متوسطة جديدة أكثر تنوعا من الظهور.

وفي ظل مواجهتهم كثير من الدعاوى السيئة، قام رجال الأعمال بالرد، حيث هدد البعض باستخدام القانون لإسكات منتقديهم. وهدد خين شوي بالهجوم على المزارعين الذين احتلوا أرضه، لكن الغالبية حاولوا تحسين صورتهم إما بجعل أنفسهم شركاء تجاريين أكثر قبولا في ميانمار الجديدة، لأنهم يخشون الانتقام وخسارة ثرواتهم، أو لأنهم ببساطة لا يحبون الانتقاد.

ويقول زاو زاو، رئيس مجموعة «ماكس ميانمار» العملاقة في مقابلة نادرة معه الشهر الماضي، أثناء مشاهدته مباراة لكرة القدم في رانغون: «يؤلمني كثيرا، وعادة لا أستطيع النوم خلال الليل». يعد زاو زاو، 46 عاما، أحد أغنى الشخصيات في ميانمار، وكون ثروته من العقود الحكومية المربحة، وساعد في بناء عاصمة النظام الجديدة نايبيداو، في العقد الماضي إضافة إلى إنشاء الطرق وتحصيل الرسوم. استفاد الرجل بشكل كبير عندما بيعت الأصول المملوكة للدولة في أضخم حملة للخصخصة في تاريخ ميانمار عام 2011، وحصوله على تصريح مصرفي ومصنع للإسمنت، كما يدير محطات للوقود ويسيطر على تجارة واردات السيارات، ومنجم للأحجار الكريمة ومزارع المطاط، ويتوسع سريعا في مجال العقارات الفاخر.

يصر زاو زاو على أنه يدفع الضرائب ويوفر الوظائف، وشدد على أن ميانمار لن تزدهر إذا تواصلت الاتهامات لهم بأنهم أصحاب الحظوة. وقال: «ينبغي علينا جميعا أن نتعاون في الوقت الراهن سويا لبناء هذا البلد».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»