إسرائيل تشكو تركيا لواشنطن: لا تتعامل معنا بإيجابية

أنقرة تطلب 10 ملايين دولار وإسرائيل تعرض 900 ألف لتعويض عائلات الضحايا

رفعت هيساركيكليغلو (وسط) رئيس اتحاد الغرف التجارية بتركيا يقف لالتقاط الصور في المسجد الأقصى (أ.ف.ب)
TT

تقدمت الحكومة الإسرائيلية بشكوى إلى الإدارة الأميركية ضد تركيا، اتهمتها فيها بأنها تعربد عليها و«على الرغم من الاعتذار الإسرائيلي الصادق، فإنها لا تتعامل معنا بالإيجابية المطلوبة لتسوية الخلاف بيننا، بل تواصل الروح العدائية التي أعاقت التوصل إلى تفاهم».

وكانت وزيرة القضاء الإسرائيلية، تسيبي ليفني، قد هاتفت وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، للتفاهم معه حول صياغة اتفاق تدفع فيه إسرائيل تعويضات إلى عائلات الأتراك الذين قتلوا خلال الهجوم على سفينة «مرمرة» في مايو (أيار) 2010. وقالت مصادر إسرائيلية إن هذه المحادثة كشفت عن هوة سحيقة في وجهتي نظرهما حول حجم التعويضات؛ إذ عرضت إسرائيل أن تدفع 900 ألف دولار (100 ألف لكل عائلة)، بينما طلب الوزير التركي مبلغ 9 ملايين دولار (مليون لكل عائلة). وقالت ليفني للوزير التركي إن المبلغ الذي اقترحت دفعه لعائلة كل قتيل (100 ألف دولار) يزيد على المبلغ الذي يدفعه الجيش التركي عادة لجنوده في حال سقوطهم في المعركة (125 ليرة تركية تعادل 70 ألف دولار).

كما طلب الوزير أوغلو تعويضات للجرحى أيضا، وهو الأمر الذي رفضته ليفني. ومع ذلك، فقد اتفق الوزيران على تشكيل لجنة مشتركة لمواصلة التفاوض حول الموضوع. وسيقف على رأس اللجنة من الجانب التركي نائب وزير الخارجية والسفير التركي السابق في تل أبيب فريدون سنيريغلو، ومن الجانب الإسرائيلي، يترأس اللجنة بشكل مؤقت الجنرال يعقوب عميدرور رئيس مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس الوزراء، وهو الذي أدار المفاوضات السرية مع تركيا طيلة السنتين الماضيتين، والمحامي يوسي تشاخنوفر مبعوث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لشؤون العلاقات مع تركيا.

ووعد نائب رئيس الحكومة التركي، بولانت أرينجي بأن تتحسن العلاقات الإسرائيلية - التركية بشكل كبير في حال إنهاء المفاوضات. واعتبر أرينجي الأداء التركي في الموضوع الإسرائيلي «أكثر من ناجح»، وقال إن «إسرائيل تعلمت الدرس وستفحص الآن كل خطوة لها جيدا قبل أن تقدم عليها».

وكان اعتذار نتنياهو لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وما تبعه من تصريحات تركية، قد أثارت ردود فعل متباينة في صفوف الإسرائيليين، وما زالت تثير معارضة قوى اليمين واليمين المتطرف. ويستغل هؤلاء ردود الفعل التركية على الاعتذار ليهاجموا نتنياهو، خصوصا بعد ظهور إعلانات ضخمة في شوارع إسطنبول وأنقرة تقول إن «الشعب التركي يشعر بالزهو والكبرياء حيال الاعتذار الإسرائيلي»، وبعد إعلان أردوغان أنه ينوي زيارة قطاع غزة، «بهدف لقاء الشعب الفلسطيني المظلوم».

إلى ذلك، كشف مسؤول تركي رفيع لـ«الشرق الأوسط» عن تشكيل لجنة مشتركة بين أنقرة وتل أبيب تهدف إلى مراجعة العلاقات الثنائية تمهيدا لعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين بعد نحو 3 سنوات من انقطاعها إثر مهاجمة القوات الإسرائيلية سفينة تركية كانت تحاول خرق الحصار على غزة مما أدى إلى مقتل 17 من أفرادها.

وفي ما لا يتوقع الخبراء عودة سريعة للعلاقات إلى طبيعتها، يقولون إن ثمة أسبابا غير معلنة لعودة العلاقات بين البلدين، أهمها الوضع في سوريا والتعاون المحتمل في مجالات الطاقة بين البلدين. وأشار المسؤول إلى إن تركيا أبلغت الإسرائيليين بوضوح أن تقدم العلاقات مرتبط بتطبيق الشروط كافة، و«إلا، فإن الأزمة ستعود إلى المربع الأول». ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» عن مصادر دبلوماسية تركية أن الوزيرين ناقشا وجهات النظر حول الخطوات التي يجب اتخاذها خلال المرحلة المقبلة، بحسب المصادر ذاتها، التي أوضحت أن الطرفين أكدا على ضرورة عقد اجتماع بين مسؤولي الخارجية في البلدين لإنهاء مسألة التعويضات بأسرع شكل.

من جانبه، أشار إرشاد هورموزلو، كبير مستشاري الرئيس التركي، إلى أن الاعتذار الإسرائيلي أمر كان يجب أن تقوم به إسرائيل منذ البداية، و«قد اعتذرت الآن بعد 3 سنوات، وحسنا فعلت». وأشار إلى أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان قد أعلن قبول الاعتذار باسم الشعب التركي ولذلك ستطوى حقبة دامت 3 سنوات، متمنيا انعكاس هذا على عملية السلام في الشرق الأوسط، موضحا أن الاتصال الهاتفي الذي تم بين أردوغان ونتنياهو «جرى فيه حديث عن تعاون إسرائيلي - تركي في حل القضية الفلسطينية وليس فقط رفع الحصار»، وقال إن أردوغان كان واضحا في تأكيده على أن «العبرة بالأفعال وليست بالأقوال»، و«إذا لم تطبق الآليات التي تم الاتفاق عليها، فستعود العلاقات إلى ما كانت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية».

ونفى المسؤول التركي ما قيل عن تقديم تركيا «تنازلات كبيرة»، مشيرا إلى أنها حصلت على شروطها الثلاثة لتسوية الأزمة ولم تتراجع عن أي منها، إلا إذا اعتبر الإسرائيليون امتناع تركيا عن مقاضاة رئيس الأركان الإسرائيلي ومسؤولين عسكريين آخرين تنازلا بعد أن حققت شروطها. كما نفى وجود أي ارتباط للمصالحة بملف الأزمة السورية، مشيرا إلى أن «عمر الأزمة سنتين، ولم تتراجع تركيا خلالهما، ولم تفعل الآن».

ويرى الدكتور سليم سوزار من قسم العلوم السياسية الدولية في جامعة غلاطة سراي، أنه بعد عدة أيام من الاعتذار الإسرائيلي بدأت أسبابه تظهر إلى العلن رويدا رويدا، وكان أولها ما قاله الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس من أن السبب الأساسي من وراء الاعتذار هو «الوضع في سوريا»، وإشارته إلى أن «السلاح الكيماوي الذي يمكن أن يستخدم في سوريا أجبرنا على إحياء التعاون بين البلدين»، لكن سوزار أضاف: «لو نظرنا إلى الحقيقة، فإن هذا الموضوع لا يقتصر على التحالف بين تركيا وإسرائيل، فالدولتان جزء من ائتلاف رباعي يضم أميركا والأردن وتركيا إسرائيل وهي خطة أعدها (الرئيس الأميركي باراك) أوباما لتكوين جبهة موحدة في حال الهجوم أو التوصل إلى حل في سوريا»، وأضاف: «الجميع يعرف أنه منذ عدة سنوات وبدعم من أميركا أعدت عدة خطوات في الأردن وتركيا بين الدول الثلاث؛ تركيا وإسرائيل والأردن لتطبق مثل هذا السيناريو، وكانت الزيارة الأخيرة لأوباما إلى إسرائيل والأردن تهدف إلى إيجاد حلول غير عسكرية نتيجة المواقف الدولية غير الراضية عن أي تدخل عسكري في سوريا»، معربا عن اعتقاده بأن «العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل التي لم تنقطع قط أجبرت الحكومتين على التنازل لأن المصلحة فوق كل شيء». ويشير الأكاديمي التركي إلى أن «السبب الثاني الذي أدى إلى الاعتذار الإسرائيلي هو آبار النفط والغاز التي اكتشفتها إسرائيل في مياهها الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط واعتزامها نقلها لأوروبا عن طريق تركيا من خلال خط أنابيب تحت البحر».

ويقول سروهان بولوك رئيس تحرير جريده «آيدينلك» لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة أوباما للمنطقة «ليس هدفها الوحيد هو المعضلة السورية، ولكن أيضا الهدف هو تركيا، لأنها تزامنت مع إعلان عبد الله أوجلان وقف إطلاق النار، ومنذ فترة طويلة وإسرائيل تلعب دورا محوريا في القضية الكردية، وكما قال أوباما، فإن الاعتذار كان في الزمن الصحيح، وهذا يعني أن إسرائيل أخذت دورا علنيا في مرحلة الحل في تركيا».