زلازل بسب حفريات الغاز تقلق السكان في هولندا

آلاف الدعاوى القضائية.. والحكومة توازن بين السلامة وتعاقدات الشركات

بيرت دي جونغ يقف أمام منزله المتضرر بفعل زلزال في لوبرسوم
TT

عانى منزل يانيس كاديك المتواضع المبني من الطوب، أضرارا تتكلف 5.000 دولار، أما منزل بيرت دي جونغ الأكثر فخامة، فهو بحاجة إلى 500.000 دولار ليعود إلى حالته السابقة. وكحال آلاف المنازل الأخرى، تعرض كلا المنزلين لأضرار كبيرة خلال الزلازل الأخيرة التي هزت المزارع في هذه المنطقة التي تنتشر فيها القرى والواقعة قبالة بحر الشمال. وتعود أسباب الزلازل إلى استخراج الغاز الطبيعي من باطن الأرض. اكتشف الغاز في خمسينات القرن الماضي وبدأ استخراجه في الستينات، لكن وتيرة وقوع الزلازل ازدادت في السنوات الأخيرة، حيث شهدت الأسابيع الستة الأولى من العام الجاري 18 زلزالا مقارنة بنحو عشرين زلزالا كل عام قبل عام 2011. ويشير شيل سينين، المتحدث باسم شركة الغاز المعروفة باسم «نام»، إلى أن استخراج الغاز تسبب في وقوع 1.800 خطأ في التربة التحتية في المنطقة، وأن «هذه الأخطاء اعتبرها البعض آلية لجذب الزلازل».

تتوازى هذه الاستنتاجات في هولندا مع القلق حيال تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة، حيث أوقفت عدة ولايات الحفر مؤقتا، لكن السبب كان الخشية من تلويث المواد الكيماوية المستخدمة في العملية لمصادر المياه.

يذكر أن مجلس نواب ولاية نيويورك صوت هذا الشهر لوقف ما يسمى بعملية التكسير الهيدروليكي، التي يتم فيها دفع الماء بين الصخور تحت ضغط عال لاستخراج الغاز، حتى عام 2015، مطالبا بمزيج من الدراسة حول تأثيراته البيئية.

لم يكن الزلزال الذي شهدته هذه البلدة الهولندية ليقارن بزلزال هايتي. فأسوأ زلزال هنا وقع في أغسطس (آب) الماضي بقوة 3.4 درجة، لم يتمكن من إحداث دمار واسع. لكن أعداد الدعاوى الخاصة بالمنازل المتضررة بلغت الآلاف، وهو ما دفع الشركة التي تستخرج الغاز، شراكة بين شركتي «شل» و«إكسون موبيل»، إلى تخصيص 130 مليون دولار لتدعيم المنازل ضد الهزات. لكن أكثر ما يثير القلق هو توقع الخبراء في الوكالات الحكومية وقوع زلازل أشد قوة، تتراوح بين أربع إلى خمس درجات.

وتساءل كاديك (62 عاما) الموظف السابق في مجلس المدينة، مشيرا إلى الشقوق حول الأبواب والنوافذ في منزله المكون من طابقين والمبني بالطوب: «هل نحن بانتظار الأسوأ؟». وقال إنه «ليس خبيرا، لذا لا يمكنني الإجابة بنعم أو لا، لكن الخبراء الحقيقيين يرون أننا إذا لم نوقف استخراج الغاز، فستواجه هولندا مزيدا من الزلازل».

وتذكر إيفون دويسبيرغ، التي تدير مطعما صغيرا وفندقا يدعى «دي أودي سميدسي» بالقرب من منزل كاديك، زلزال أغسطس الذي كان مركزه في لوبرسوم، وقالت: «اهتز المنزل بعنف، لقد كان مخيفا». وعندما سئلت عما إذا كان الناس يتوقعون الأسوأ، ردت قائلة: «الخوف يجتاح الجميع هنا». ويعتقد جورغ زارت، زوج دويسبيرغ، بضرورة استمرار الحفر برغم ذلك، قائلا: «إنه يوفر الوظائف، فهذه المنطقة معروفة بكونها أفقر مناطق هولندا». واعترضت زوجته قائلة: «إنهم يجنون المال من هنا، لكنه ينفق في أماكن أخرى».

يميل الرأي العام إلى جانب السيدة دويسبيرغ؛ فقد قفز عدد الأعضاء في مؤسسة «غرونينغن سويل موفمنت»، في مقاطعة غرونينغن، حيث تقع لوبرسوم، من 200 إلى 800 خلال العامين الماضيين. وعبر ثلثا المشاركين في المسح الذي شمل 686 شخصا من سكان المدينة، ونشر هذا الشهر عن رغبتهم في خفض كمية الغاز المستخلص، فيما طالب 16 في المائة بوقف الحفر كليا. وتقول دانيلا بلانكين، مبرمجة الكومبيوتر وعضو مجلس إدارة حركة «غرونينغن سويل موفمنت»: «نحن نعتقد أنهم لا يولون السلامة الأولوية القصوى».

لكن حكومة الإقليم في لاهاي تصر على ذلك. فالإقليم الشمالي على وجه الخصوص معرض للخطر؛ لأن غالبيته يقع تحت سطح البحر، ومحمي من مياه بحر الشمال بسدود ضخمة، وإذا أصاب الزلزال السدود أو عطل الأنظمة المعقدة من القنوات والحواجز التي تربط الأراضي، ربما تكون خسائر الأرواح كارثية.

ويقارن ألبرت رودنبوع (60 عاما) عمدة مدينة لوبرسوم خلال العقد الماضي، بين الحكومة ولاعب الأكروبات الذي يقوم بالقفز، فيقول إنه في الوقت الذي تضع فيه حكومة لاهاي السلامة في اعتبارها، ترتبط بالتزامات تعاقدية واعتبارات مالية خطيرة. وقال: «يجب أن نستعد في المستقبل لوقوع زلزال أكثر قوة، وأضرار أكثر جسامة. لكن ملتزمون بعقود تسليم محلية وعقود تصدير».

تمد المنطقة الغاز الطبيعي لألمانيا وبلجيكا وفرنسا، وتستفيد الحكومة من بيع الغاز بنحو 15 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ يصعب على الحكومة توفيره في ظل نمو اقتصادي ضعيف وانخفاض العائدات.

وفي يناير (كانون الثاني) شرح هنك كامب، وزير الشؤون الاقتصادية، الخيارات أمام البرلمان في تقرير من أربع صفحات. وأشار إلى الدراسات التي أجرتها شركتا «شل» و«إكسون موبيل» والوكالات الحكومية، مثل منظمة التعدين في الولاية، التي قالت إن الافتراضات الأساسية بشأن حجم الزلازل المتوقعة كانت خاطئة، فكتب: «هناك احتمالات بوقوع زلازل تتعدى 3.9 درجة». وأشار إلى أن وكالة التعدين، تحديدا، طالبته بحث شركتي «إكسون موبيل» و«شل» على خفض إنتاج الغاز في حقل غرونينغن في أسرع وقت ممكن. لكن الوزير أشار إلى أنه لن يتخذ قرارا نهائيا قبل نهاية العام الجاري.

تخضع التطورات في المنطقة لمتابعة دقيقة حتى من خارج الحدود الهولندية بسبب الجدال في أوروبا بشأن سلامة الكسر.

لكن سينين، المتحدث باسم الشركة، أشار إلى أن التكسير لم يستخدم في هولندا بسبب المسامية الممتازة للصخور في إقليم غرونينغن، وكتب في رسالة بريد إلكتروني: «إنها العملية الأكثر تقليدية في استخراج الغاز. احفر حفرة وسوف يتدفق الغاز من تلقاء نفسه».

ويشير رودنبوغ إلى أنه يدرك مخاوف سكان المنطقة، فيقول: «هناك ما هو أكثر من الخسائر المادية، فالناس هنا قلقون بشأن ما قد يجري في السنوات المقبلة»، لكنه يعتقد أن الحكومة قد تستغرق بعض الوقت للوصول إلى قرار في هذا الخصوص. لكن دي جونغ (60 عاما) وهو مهندس مدني يرأس الآن مجلس إدارة المدرسة المحلية، يرفض ذلك، قائلا إن مخاطر وقوع زلازل تلقي بظلالها على المنطقة ككل، فالمصارف لم تعد راغبة في الاستثمار أكثر من ذلك، ولن يمكنك بيع منزل هنا.

وتصف السيدة بلانكين من حركة سويل موفمنت، الأرباح التي تجنيها المنطقة من بيع الغاز بأنها محدودة للغاية؛ إذ لا تشكل سوى 0.5 في المائة من دخل الغاز المستخرج منها.

بنيت مزرعة دي جونغ عام 1894 في الفترة التي شكلت فيها الزراعة مصدرا أساسيا للثروات، ويضم المنزل أسقفا تعود إلى عصر الفن الحديث المزينة بالزهور الخشبية المحفورة قبل عام 1920، لكن الزلازل التي وقعت في الفترة بين أغسطس وفبراير (شباط) الماضيين أثرت على المنزل بشكل كبير، فتعرضت الأسقف للتشقق، وتوشك الأسقف في غرفة الطعام على السقوط. كما بلغت الشقوق في حوائط الطوب الآن نحو أربع بوصات، وتتطلب دعامات، إضافة إلى مواجهة المدخنتين خطر السقوط. أما الشرفة التي تدور بطول واجهة المنزل، المدعومة بأعمدة رفيعة من الحديد، فينبغي أن يتم استبدالها.

وقال وهو يرشف الشاي في غرفة المعيشة: «لسنا على يقين مما تفعله هذه الزلازل الخفيفة. ربما تدمر المباني قطعة قطعة، لكن ماذا لو قتل أشخاص في المنطقة بسبب الزلازل؟ أخشى أننا صرنا كالرهائن في بيوتنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»