اتفاق بين الهند وطهران لتحويل ميناء إيراني إلى مركز مرور إلى أفغانستان

تتراوح قيمة الاستثمار ما بين 15 مليونا و100 مليون دولار

صورة ارشيفية لميناء شاباهار
TT

ستوقع الهند وإيران عما قريب اتفاقا لتحويل ميناء شاباهار جنوب إيران إلى مركز لمرور السلع الإيرانية إلى أفغانستان. وبحسب الاتفاق المقترح، ربما تتراوح قيمة الاستثمار ما بين 15 مليونا و100 مليون دولار، اعتمادا على نشاط البناء الذي قد ترغب الهند في الاضطلاع به. وبالنظر إلى حصص الهند في المشروع ككل، فقد كانت تتطلع للاستثمار على أوسع نطاق ممكن. وسوف يتم عرض مذكرة في هذا الشأن على طاولة مناقشات الحكومة الهندية عما قريب، بحسب مكتب وزارة الخارجية الهندية المختص بالتعامل مع الشؤون الإيرانية.

وعلى الرغم من أن العمل المادي في تطوير الميناء يجري مجراه بالفعل، فإن التصديق من مجلس وزراء الحكومة الهندية يعتبر إجراء رسميا بحتا، حسبما كشفت مصادر تابعة لوزارة الخارجية. ويعتبر قرار دلهي بالدفع من أجل استئناف عمليات توسعة وتحديث الميناء البحري الكائن في أعماق البحار في شاباهار، والتي تم إيقافها لمدة طويلة، جزءا من خطة طويلة الأجل، مع أن الهند ترغب في إبقائها بعيدة عن وسائل الإعلام. غير أنه مؤخرا ذكرت ميرا كومار، رئيسة البرلمان الهندي، التي تشيد بالتعاون بين الهند وإيران في مشروع ميناء شاباهار، أن المشروع يجسد تلاقي رؤيتهما لاستقرار ورخاء المنطقة.

وتبدي الهند رغبة ملحة في تطوير ميناء شاباهار بعد تأجيل هذا المشروع على مدى أعوام تحت ضغط الولايات المتحدة، نظرا لأنه مع سحب الولايات المتحدة قواتها العسكرية من أفغانستان في عام 2014، تكتسب مبادرة الهند لتعميق التعاون الاستراتيجي مع إيران وجهودها للحصول على إمكانية دخول لأفغانستان عبر إيران ثقلا أكبر، كما يخدم ميناء شاباهار المصالح الاستراتيجية للهند. إن تطوير ميناء شاباهار من شأنه أن يمكن دلهي من التجارة مع أفغانستان من دون الحاجة للاعتماد على باكستان، التي لا تسمح بالتجارة من الهند إلى أفغانستان ووسط آسيا. وستكون إيران قادرة على تطوير مناطقها الشرقية وتنويع علاقاتها بالدول الأخرى في خضم العقوبات الغربية والعلاقات المتوترة بدول الجوار العربية.

وتكمن أصول مشروع الاتصال في اتفاق ثلاثي الأطراف، تم توقيعه عام 2003 بين الهند وإيران وأفغانستان. وشمل الاتفاق إنشاء طريق يصل شاباهار بالحدود الأفغانية الإيرانية، والذي منه ستنشئ الهند طريقا يمتد لمسافة 135 ميلا على جانب أفغانستان ما بين زارانج وديلارام، الكائن على الطريق السريع الرئيسي ما بين قندهار وهرات.

وأتمت الهند إنشاء طريق زارانج - ديلارام على الرغم من الهجمات من الجماعات الإرهابية، كجزء من حزم المساعدات التي تبلغ قيمتها 750 مليون دولار الممنوحة من الهند إلى أفغانستان. وهذا الطريق، الذي تقيم الهند على طوله خط سكة حديد طوله 900 كيلومتر يمتد من إقليم باميان في أفغانستان إلى ميناء شاباهار، أقصر وأكثر ثباتا من الطريقين الأرضيين الآخرين اللذين يمران عبر باكستان ويصلان أفغانستان الحبيسة بالبحر. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أفغانستان لم تعد ممتنة لاحتكار باكستان لتجارتها البحرية، التي كانت بمثابة أحد عناصر التمكين الرئيسية في تأثير إسلام آباد القوي في شؤون كابل. فضلا عن ذلك، فإن الرابط الذي يصل إلى شاباهار جاهز أيضا من الجانب الإيراني بمساعدة إيرانية، مع بقائه تحت الستار.

ويعتبر تطوير الميناء جانبا واحدا من الاتفاق الذي لم يتم الكشف عنه، واقترحت طهران الآن اتفاقا جديدا لتيسير الاستثمارات الهندية. وقد جاءت عدة عوامل مجتمعة الآن لوضع حد للتردد السياسي في الهند وإيران. وأوضح مصدر من داخل وزارة الخارجية الهندية، والذي اشترط عدم الإفصاح عن هويته، أن الهند تبدي رغبة قوية الآن في تطوير ميناء شاباهار نظرا «للحقيقة المرة» التي مفادها أن باكستان قد منحت مسؤولية السيطرة على ميناء غوادار وإدارته للصين. وتحتاج الهند، التي قد حاولت دخول أفغانستان عبر باكستان لكنها لم تفلح، إلى الطريق الإيراني البديل بدرجة تفوق أي وقت مضى. وقد أضافت سيطرة الصين على ميناء غوادار في باكستان، الواقع على بعد 70 كم من شاباهار، بعدا بحريا لمخاوف الهند في ما يتعلق بالأمن الإقليمي.

ويقع ميناء غوادار في فم الخليج العربي أعلى مضيق هرمز الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة. وفي السابق، كانت مسؤولية تشغيل الميناء موكلة إلى سلطة موانئ سنغافورة، وانتقلت مؤخرا إلى الشركة القابضة لموانئ ما وراء البحار في الصين. وتتوقع باكستان أن تقوم الصين بتطوير الميناء بصورة أكبر وأن تحيله إلى قاعدة بحرية.

وتعتبر الهند هي الطرف المباشر الأكثر تضررا؛ إذ إن الشراكة بين الصين وباكستان ستمنح عمقا استراتيجيا غير مسبوق لباكستان - بتطوير ميناء يقع على مسافة بعيدة من نطاق انتشار الجيش الهندي لمنح القوات الباكستانية فترة إضافية كبيرة لاتخاذ رد فعل في حالة اندلاع نزاع عسكري. وسوف ينأى ميناء غوادار، في حالة تشغيله بالكامل، بباكستان بعيدا عن الاعتماد شبه الكامل على كراتشي، الأقرب إلى الهند، ومن ثم، عن هجوم الجيش الهندي. كما قام الأسطول البحري الهندي بدور ممتاز إبان الحرب بين الهند وباكستان في عام 1971 وقيد كراتشي.

وتتم نسبة 95 في المائة من العمليات التجارية لباكستان عبر البحر. وتزود السيطرة الصينية على غوادار الصين بنقطة تنصت رئيسة لمراقبة الأنشطة البحرية الهندية حول الخليج العربي وخليج عدن. علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن إيران وباكستان قد قررتا المضي قدما في مشروع أنابيب الغاز على الرغم من التحذيرات الأميركية قد وضعت الهند في حالة تأهب حيال خيارات طهران الأخرى.

وافتتح الرئيسان محمود أحمدي نجاد وآصف علي زرداري مشروع خط الأنابيب في شاباهار، وهي إشارة لا يمكن للهند التغاضي عنها. وتربط الهند وإيران وأفغانستان بالفعل مجموعة عمل مشتركة، من المفترض أن ترسم تفاصيل تنفيذ المشروع.

وبالنسبة لإيران، سيمثل ميناء غوادار الباكستاني عقبة خطيرة؛ إذ إنه سيكون منافسا لميناءين من موانيها الرئيسية - شاباهار وبندر عباس. وسوف يشكل غوادار تحديا خطيرا للاحتكار شبه الكلي من جانب إيران ليعمل كرابط مهم لدول وسط آسيا الحبيسة بأسواق العالم.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه في مارس (آذار) الماضي، قامت السفن الهندية بتفريغ آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية المتجهة إلى أفغانستان في ميناء شاباهار. وبمجرد إتمام إنشاء الشبكة الكاملة المؤلفة من طريق وخط سكة حديد وميناء، يمكن أن تضحى قاعدة لمزيد من المشاركة الاقتصادية والاستراتيجية للهند في منطقة وسط آسيا الغنية بالنفط والمعادن، وهو الأمر الذي من شأنه أن يطور علاقة شراكة استراتيجية بين الهند وإيران، كما تعتزم روسيا إنشاء رابط عبور يصل مومباي بسان بطرسبورغ، على نحو يزود أوروبا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بوسط آسيا بإمكانية دخول لآسيا والعكس. وتعكف الحكومة الهندية على دراسة ثلاثة خيارات متاحة للاستثمار في الميناء، مركزة على تحسين مرفق إرساء السفن وتوسيع المحطة الطرفية للحاويات. ومن المرجح أن تتحمل الهند عبء البناء بأكمله. وعلى الجانب الآخر، أعدت إيران الطريق الذي يربط شاباهار بزارانج على الحدود الإيرانية الأفغانية. ولاتفاق العبور أهميته الخاصة، بالنظر إلى أن الهند خرجت من اتفاقية تجارة المرور العابر بسبب الاعتراضات من جانب إسلام آباد.

وأشار مسؤولون من الكتلة الجنوبية إلى أن الاستثمار في البنية التحتية للميناء يعتبر من بين جوانب بعينها لن تجذب العقوبات الأميركية. ومع خوف المؤسسات المالية في الهند من التجارة وثيقة الصلة بإيران، سيتعين على الحكومة شق طريقها بقوة لضمان مضي شاباهار قدما. وسيعتمد نجاح مشروع شاباهار كلية على شروط بناء المعبر والميناء التي تعتزم طهران تقديمها وقدرة دلهي على تنظيم تجارتها الخارجية بحيث تصبح أكثر فاعلية.

ورغم أن المسؤولين الباكستانيين يتوخون الحذر في إبداء آرائهم أو التعليق على مشروع ميناء شاباهار المنتظر بشكل مباشر، فإنهم متأكدون أن هذا التعاون الهندي الإيراني لن يؤثر على مشروع أنابيب الغاز، حيث قال مسؤول رفيع من الخارجية الباكستانية إن «المحادثات والتشاور حول مشروع الميناء بين الهند وإيران استغرق وقتا طويلا، وكنا على علم به».