الزعيم الصيني الجديد يفرض التقشف على النخبة

انخفاض كبير في مبيعات سلع فاخرة وخدمات فندقية اعتاد عليها مسؤولو الحكومة والجيش

نادل ينظف طاولات في مطعم يرتاده عادة المسؤولون الحكوميون في بكين
TT

ارتبطت حياة المسؤول الحكومي في الصين بالكثير من مظاهر البذخ، إلا أن الزعيم الصيني الجديد، تشي جينبينغ الذي تولى مقاليد الحكم قبل أربعة أشهر، فرض نوعا من التقشف على الموظفين الحكوميين وأفراد الجيش ومسؤولي الحزب في الأقاليم الذين يعرف عنهم تمتعهم بحرية الإنفاق كما يحلو لهم. أمر تشي بوضع حد للحفلات التي تتسم بالبذخ وتقام من أموال دافعي الضرائب والتوقف عن تقاضي رشاوى تكون على شكل هدايا في أغلب الأحوال، محذرا من تهديد الفساد والرشاوى والطمع للحزب الشيوعي الحاكم والتسبب في انهياره. وفي الوقت الذي يظل فيه نفوذ النخبة كما هو، تتوارى رموز السلطة عن المشهد. فقد انتهت، حتى هذه اللحظة فقط، الاحتفالات الرسمية التي تشهد استقبال الشخصيات رفيعة المقام بزهور طبيعية ناضرة. وصدرت تعليمات خلال الشهر الحالي لمسؤولين في الجيش وصلوا هنا لحضور المؤتمر الشعبي العام بتقاسم غرف الفنادق وإحضار المنظفات الخاصة بهم معهم.

ومع ذلك لا يرحب الجميع بهذا التغيير، فيوم الثلاثاء الماضي فصلت أكبر هيئة تأديبية ستة موظفين حكوميين من بينهم مسؤول الحزب في الحي لإنفاقه 63 ألف دولار في الترفيه عن 80 زميلا في منتجع على البحر ومسؤول مقاطعة لاحتفاله بافتتاح المكاتب الإدارية الجديدة بإقامة مأدبة لـ290 شخصا.

يبدو أن ملاحقة الفاسدين حقيقة ولم تعد بعيدة كما كانت من قبل. وبعد مرور عام على الفضيحة التي دمرت مستقبل عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، بو شيلاي، وعدة تقارير عن فساد إداري واسع النطاق، يبدو أن هدف حملة تشي التي تحظى بدعم شعبي كبير هو التصدي لأوضح حالات تفاخر أصحاب النفوذ بالثروة والجاه. مع ذلك لم يفعل تشي الكثير لمعالجة تركز المال والسلطة في الاقتصاد التي تهيمن عليه الدولة والذي سمح لعدد من أفراد النخبة الصينية وعائلاتهم بجمع ثروات طائلة. ويشير محللون إلى عرقلة الخطوة الأولى المتواضعة باتجاه مقاومة الفساد، وهي مشروع قانون يوجب على المسؤول الكشف عن ممتلكاته علنا، مما يؤكد مقاومة النخبة لأي تغيير حقيقي.

وانتقد وو كيانغ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تسينغهوا ببكين، الحملة المعتدلة بقوله إنها أبعدت الأنظار عن أشكال الإصلاح السياسي الضرورية لإتاحة مساءلة الحكومة والشفافية. وأضاف: «نجن بحاجة إلى تقييد نفوذ الحزب أكثر مما نحن بحاجة إلى تقييد عادات الناس الغذائية وإلا تحول الأمر برمته إلى مسرحية سياسية هزلية».

ومع ذلك، جذب تشي الانتباه وبعض المديح لإصدار دليل سلوك المسؤولين في يناير (كانون الثاني). وقد حذر تشي قائلا إن إدارته لن تتوانى عن محاربة الفساد، مشيرا إلى ضرورة القيام بهذا من أجل استعادة ثقة الشعب في الحكومة. وأضاف: «إذا لم نصحح السلوكيات المعوجة وسمحنا لها بالاستمرار والتفاقم، سنكون بذلك قد بنينا جدارا بين حزبنا والشعب وسنخسر قاعدتنا الشعبية وشريان حياتنا وقوتنا».

تتضمن حملة تشي شعارا جذابا يدعو إلى التحكم في اشتهاء الطعام وهي: «أربعة أطباق وحساء». وحتى هذه اللحظة أكثر ضحايا التوفير هم متعهدو الطعام الفاخر وتجار جملة المحار والفنادق ذات الخمس نجوم وصناع سجائر «يلو بافيليون» التي يعشقها البيروقراطيون والتي يبلغ سعر العلبة منها 300 دولار.

امتدت آثار تلك الخطوة إلى كافة مناحي الاقتصاد، حيث انخفض سعر تذكرة الطيران الدرجة الأولى بمقدار العشر خلال الأشهر القليلة الماضية، وسجل تجار السلع الفاخرة انخفاضا في المبيعات تتراوح نسبته بين 20 و30 في المائة. كما شهد خمر «موتاي»، الذي تبلغ سعر الزجاجة منه 600 دولار والتي لم تكن تغيب عن الحفلات الرسمية، نموا بطيئا مؤخرا.

وصرح اتحاد المطبخ الصيني بأن 60 في المائة من المطاعم سجلت خلال الشهر الماضي تراجعا في الحجوزات، حيث انخفضت نسبة الحفلات التي ترعاها الحكومة بنحو الثلث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

بدا شين دانيانغ، المتحدث باسم وزارة التجارة الذي يدعم في الظروف العادية الإنفاق الاستهلاكي، مستمتعا وسعيدا بهذا التباطؤ. وأشار خلال مؤتمر صحافي عقد الشهر الماضي إلى انخفاض مبيعات زعانف سمك القرش بنسبة أكثر من 70 في المائة، وانخفاض مبيعات بيض السنونو، الذي يعد مكونا أساسيا لطبق يبلغ سعره 100 دولار، بنسبة 40 في المائة. ولضمان الالتزام بهذا النهج، قام محققون من الحكومة بحملات تفتيش في المطاعم من أجل فحص الفواتير بحثا عن الأصناف الفاخرة التي تهدر الكثير من المال. وقال أحد الموظفين الإداريين من مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين: «حتى كبار المسؤولين يبتعدون عن المطاعم الفخمة ويتخلون عن الساعات الأوروبية الفخمة ويتجهون إلى الساعات الصينية إلى أن تهدأ الأمور». ويقول بائعو السجائر والكحول إن التراجع الذي شهده المجال مؤلم. وقال لي ليويوان، صاحب محل لبيع الخمور ومقرب من عدد من المسؤولين الحكوميين في بكين: «لا أعلم إلى متى يمكنني الصمود». ويعتزم ليويوان تخصيص نصف مساحة البيع إلى بائع فواكه.

وليس من المفاجئ أن تحظى هذه الحملة بشعبية كبيرة بين المواطنين الذين طالما اشمأزوا من الإسراف والبذخ ومظاهر العجرفة الأخرى. وقال وانغ يوكاي، أستاذ بالأكاديمية الصينية لشؤون الحكم: «إن ذلك أيقظ إيمان الشعب». وعلى الجانب الآخر، يفكر أصحاب مطاعم مثل سلسلة «زيانغ أي كينغ» الشهيرة بين الموظفين الحكوميين، في طريقة للصمود.

وفي أحد مقرات الشرطة المسلحة، حيث يواجه فرعا مطعم بعضهما البعض في باحة مليئة بسيارات «أودي» تابعة للحكومة، تراجع الإقبال بمقدار الثلث على حد قول مسؤولين تنفيذيين في المطعم. ودفع انخفاض العائدات الشركة إلى إغلاق أحد المطعمين وخفض أسعار بعض الأطباق والبدء في تقديم أطباق أصغر حجما من أجل دعما لنهج تشي في ترشيد النفقات. وعلى شاشات «إل إي دي» في مداخل القاعات الـ35 الخاصة في المطعم يوجد تحذير للزبائن يقول «اطلب بقدر حاجتك».

ويعاني الندل من انخفاض رواتبهم، التي كانت تعتمد على العمولات، بمقدار الثلث مما دفع كثيرين إلى الاستقالة. ومع ذلك يقول العاملون الباقون إنهم يدعمون سياسة الاقتصاد والتوفير الجديدة. وقال كوي فيي، 24 عاما، بينما كان يقف بالقرب من إحدى القاعات: «أفضل أن أرى دولارات دافعي الضرائب الصينيين تنفق على الفقراء لا على المآدب والاحتفالات الحكومية».

كما يشعر آخرون منغمسون في الملذات ببعض الراحة، حيث قال أحد رجال الأعمال، الذي يتناول العشاء كثيرا مع مسؤولين حكوميين وشركاء في مجال الأعمال، لكنه رفض ذكر اسمه، إن هذه الدعوات انخفضت بمقدار النصف. وأوضح قائلا: «الشرب ليلا له مخاطر»، مؤكدا عدم ندمه على التخلي عن السكر المتكلف.

ومع ذلك ليس من السهل بمكان التخلص من الطرق القديمة. وأدانت وكالة الأنباء الرسمية «شينخوا» أثناء تحقيقها في الانتهاكات المستمرة، المسؤولين المنافقين الذين يتشدقون بشعارات التوفير والترشيد، بينما ينفقون ببذخ على المآدب والحفلات. كما اكتشفت وكالة الأنباء شعارا جديدا ينتشر بين مسؤولي الحكومة هو «كل بهدوء وبرفق والعب في السر».

* شارك جوناثان أنسفيلد و شي دا في إعداد التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»